ماضي الحج: النساء يتأرجحن شمالا عند ذهاب الحاج إلى مكة وجنوبا عند عودتهن

الأطفال يلتقطون المنثور من السمسم والحلوى على رأس الحاج

TT

لم يكن الحج في ماضي محافظة القنفذة (جنوب السعودية) القريب بالحدث العادي لدى سكانها، حيث يمهد إعلان الأشخاص عن نيتهم الحج إلى احتفالية تجمع الكل تمتد منذ خروج الحاج من بيته وحتى عودته فتنصب المراجيح بجانب بيت الحاج وتبدأ النساء بالتجمع في كل ليلة طوال فترة غياب الحاج للتأرجح شمالا حال ذهابه صوب مكة وجنوب قرب عودته. وبالأهازيج والأناشيد الشعبية يبدأ السمر في كل ليلة وتحض الكلمات الملحنة النساء على الإنشاد والاستمرار بالتأرجح والتساؤل عن الحاج وأحواله وعن المشاعر المقدسة، ويشارك كل فرد بدوره في الاحتفال وإقامة الموائد عند قدوم الحجاج من حجهم. ووفقا للدكتور حمزة أحمد الشريف، عضو النادي الأدبي بجدة الباحث في الفنون والعادات الشعبية بالمحافظة فإن القنفذة في مظاهر الاحتفال والفرحة بهذه المناسبة لا تختلف كثيراً عن الفرحة بالمناسبات الأخرى، فمن كل بيت، يشارك منه فرد في فريضة الحج، تنطلق الاحتفالات ويصدح الكل بالأناشيد التي تصف مشاعر الاعتزاز والفخر بهذا الحاج، مقترنة بمشاعر الحسرة على فوات الفرصة في الانضمام إلى قوافل «ضيوف الرحمن» وكان الحجاج يقضون 8 أيام للوصول إلى مكة، ويخرج لتوديعهم أهالي القرية ويسيرون في قافلتهم مسافة قصيرة ينشدون فيها الأناشيد الدينية والشعبية. يقول الشريف «خلال هذه الأيام ـ أيام الحج ـ يصبح منزل الحاج مكاناً يجتمع فيه الجيران والأقارب ليتطارحوا في الأحاديث والأناشيد وبعض القصائد الشعبية التي تشوق الناس لهذه الفريضة العظيمة، ومن القصائد المشهورة التي كان يتغنى بها «عرفات تجلي كل هم صادي»، ويسترسل البعض ليصف مشاعر الحسرة على فوات الفرصة ويقول «لبسوا ثياب البيض تمام حجهم.. وأنا المتيم قد لبست سوادي». ويبين الشريف ان تلك العادات والتقاليد كانت تقام قبل أكثر من 40 عاما، أما الآن فقد تغيرت الأمور، إلا أن هذه التقاليد كانت تقوي روابط الأخوة وتزيد من مكانة الحج في قلوب الأطفال والكبار، وتشعر الحاج بفرحة عارمة عندما يرى الأقارب يلتفون حوله عند وداعه وعند عودته من أداء فريضة الحج. وينتقل الشريف، في القنفذة، ليتحدث عن كيفية الإعداد لـ«جهاز الحج والقوافل» ويقول: «مع دخول شهر ذي القعدة يبدأ الناس بتجهيز أنفسهم وإعداد القافلة والاجتماع لتحديد الأفراد الذين يقصدون الحج، وفي أثناء هذا الوقت يصل الخبر إلى كل أقارب الحاج وأحياناً إلى القرى المجاورة حتى لا يبقى فرد إلا ولديه علم بذلك». «التقليد الغريب» ـ كما يصفه الشريف ـ يتجلى في عادة شعبية كانت منتشرة بكثرة بين أغلب القبائل، وكانت تحدث يوم عيد الأضحى «حيث يصعد أحد الأشخاص على منزل الحاج وفي يده رزمة من الخيطان التي يصنع منها الحصير ويتجه جهة القبلة، وينادي على الحاج باسمه ويقول «يا فلان بن فلان حج وروّح.. البلاد شربت مطر وسيل.. لقط الجمرات وقول «ياعرفات»، يكررها خمس مرات ثم ينصب الرزمة على سطح المنزل». ولا تقف هذه «الاحتفالية الكبرى» عند هذا الحد، بل تمتد لأيام وأسابيع، يعبر فيها الجميع عن فرحتهم بقدوم الحجاج وقضائهم لمناسكهم، ونجاتهم من المصاعب والمتاعب التي كانوا يواجهونها أثناء سير قوافلهم إلى مكة. ويضيف الشريف «وعندما يعود الحاج إلى موطنه «القنفذة» كانت تقام الولائم والاحتفالات، وإذا صادف وأن كان الحاج يذهب للحج لأول مرة، فإن الاحتفالية تكتسب نكهة خاصة، حيث يجهز له سرير ملون تكريما له وكان يسمى حينذاك «صرورة»، وينثر على رأسه السمسم والحلويات ليلتقطها الأطفال بعد ذلك وتسمى تلك «نسيرة».الحاج العائد، لا ينسى أن يجلب معه بعض الهدايا والمأكولات والتي قد تشتمل على «خواتم وصور للحرمين وذهب وأقمشة وبعض الحلويات والحمص»، يقوم بتوزيعها على الأطفال والأقارب.