بقيع الغرقد.. مراقد من نور تحفظ ذاكرة آل بيت النبوة وصحابة الرسول على مدى التاريخ

أفضل بقعة على الأرض بعد بيت الله الحرام والمسجد النبوي

TT

«رائحة الطين تتنفس في أجسادنا» كلمات يهمس بها زائر المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة؛ حينما تمد به خطواته باتجاه مقبرة البقيع؛ للسلام على الراقدين بها ممن حظيت أجسادهم بمجاورة آل البيت والصحابة؛ وحينها لا بد من أن البصر يشخص في هيبة المكان الذي خطته أقدام النبوة؛ وتأسر الأنفاس رائحة التربة الرطبة؛ والمتجددة بهواء عليل لا ينقطع؛ فترفل العينان بين جناحي أرض شاسعة وعارية يحط على ترابها بكثرة حمام الحرم؛ بها حجارة غير مصقولة؛ وضعت علامات لعدد لا يحصى من القبور، تقسم فيما بينها بممرات مرصوفة.

«إنها ليست مجرد مقبرة؛ فهي أفضل بقعة على الأرض بعد بيت الله الحرام والمسجد النبوي» هذا ما يقوله الكاتب نايف فلاح ابن المدينة الذي تربى على ذاكرة الأجداد؛ وهي تحكي قصة مقبرة بقيع الغرقد التي كانت منذ 1427 سنة لا تزيد على 80م، فيما وصلت مساحتها الآن إلى 180 ألف متر مربع في آخر توسعة أجرتها الدولة السعودية، والكائنة في الجهة الشرقية للمسجد النبوي.

بقيع الغرقد الذي امتزجت حكايته بحكايات ساكنيه الأبرار؛ يُعلم تاريخها في السيرة النبوية كيف أن الإسلام يحترم المسلمين تحت التراب، فهي أول مقبرة اختارها الرسول الكريم بأمر من الله تعالى لتكون للمسلمين بعد الهجرة إلى يثرب. ويقول الدكتور محمد البكري لـ «الشرق الأوسط» وهو من أبناء المدينة وشارك في تأليف كتاب بقيع الغرقد «إن النبي خرج لنواحي المدينة وأطرافها باحثا عن مكان يدفن فيه أصحابه حتى جاء البقيع، وقال «أمرتُ بهذا الموضع»، وكان شجر الغرقد كثيرا، فسميت به». وقد حرص النبي الكريم على زيارتها دائما حتى في ليلة عائشة، كما يروى عنها؛ وقد تبعته لغيرة في نفسها ذات ليلة من زوجاته، فعرفت أنه يزور أهل البقيع للسلام عليهم؛ وكما يقول بكري عن فضل البقيع «إن النبي جعله أول مكان من ثلاثة أماكن زارها قبل موته، وهو مثقل بالمرض، الأولى كانت للبقيع والثانية لمقبرة شهداء أحد، والثالثة ليخطب في الناس». أسعد بن زرارة الأنصاري نقيب الأنصار؛ كان أول من تلقفته مقبرة البقيع سنة 1هـ بين جناحيها؛ قبل أن تأمر السماء بها، وحينما صعدت روح الصحابي عثمان بن مظعون إلى بارئها، كان أول المهاجرين ولوجا إليها سنة 3هـ، وفيما يروى عن السيدة عائشة أنه عندما مات قبله النبي وهو يبكي، وأمر بدفنه في البقيع، واضعا حجرا عند رأسه يعلم بها قبره، وقال «هذا قبر فرطنا»، ومنذ ذلك الوقت أصبح بقيع الغرقد مدفنا للمسلمين، وعُرف هذا القبر لحرص النبي على زيارته، ويقول بكري «لقد كانت القبور حينها معروف أصحابها»· قبر إبراهيم ابن رسول الله وبناته لكن البقيع الذي احتضن أجسادا طيبة فرح بضمها بين ثراه وشرُف بنهايتها؛ كان يشهد أيضا حزن خطوات النبي على حبات ترابه الخصبة؛ ولم يكن هناك يوم حزن وبكى فيه كيوم وداعه ابنه الوحيد إبراهيم (القاسم) الذي سماه باسم جده الخليل أبو الأنباء؛ كان يحتضر أمام عينيه بعد أن مرض بشدة؛ وهو في حضن أمه مارية بنت شمعون القبطية جارية النبي، وعمره حينها سنة وأربعة شهور. كان ينظر إليه برقة في حجره، فيما أجنحة الموت تنتظر لحظة القبض على الصغير، حينها قال له «يا إبراهيم أنا لا أملك لك من الله شيئا» حتى أغمض عينيه، وحملته يداه إلى البقيع بعد أن غسله الفضل بن عباس وكفنه، ولم يكن هناك جيرة يختارها لابنه كصاحبه ابن مظعون، فأمر بحفر قبره بجواره، ورش الماء على قبره، وهو أول قبر يفعل معه ذلك·وفي البقيع بجوار ابن مظعون والقاسم عدد من قبور الصحابة؛ هي لعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأسعد بن زرارة وقبر خنيس بن حذافة السهمي، وبجوارهم أيضا قبر السيدة فاطمة بنت أسد والدة علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، ومربية النبي التي كان يدعوها بـ «أمي» وقال فيما يروى عنه «ما أعفي أحد من ضغطة القبر إلا فاطمة بنت أسد»، فقيل له يا رسول الله ولا القاسم؟ قال «ولا إبراهيم». وليس من شيء يشد انتباه زائر البقيع أول ما أن يدخله كما يشده مشهد ثلاثة قبور مجاورة لبعضها البعض أمام المدخل الرئيس؛ وعلى بعد 30م تقريبا، حيث تقع قبور بنات الرسول عليه السلام كما أوضح للشرق الأوسط المهندس حاتم عمر طه الذي شارك البكري في تأليف كتاب بقيع الغرقد، وهي لرقية، وزينب وأم كلثوم رضي الله عنهن. إنهن بجوار بعضهن في البقيع كما كنّ كذلك مع أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد حينما أسلمت وأسلمن معها، طائعات لوالدهن، وكل منهن لم تتردد للحظة في الصمود؛ وإن ابتليت في حياتها من قريش وأذاها، وكانت زينب أكبرهن؛ وأكثرهن ابتلاء، حتى قال عنها والدها «هي أفضل بناتي أصيبت فيّ». ففي طريق هجرتها اعترضها رجال من قريش، وأصابها أحدهم وهي في الهودج، وكانت حاملاً فطرحت حملها، ما أبقاها مريضة بعد هجرتها ست سنوات، مفارقة فيها زوجها حتى أعلن إسلامه، وردها النبي إليه، فأمضيا سنة واحدة؛ اشتد عليها المرض بعدها، وماتت في السنة 8هـ، تاركة ابنتها أمامة طفلة، فيما أنجبت عليا الذي مات صغيرا. ودفنت زينب بجوار قبر رقية التي تصغرها وهي صاحبة الهجرتين، وقد سبقتها إلى البقيع في السنة 3هـ، حينما اشتد حزنها على ابنها عبد الله، إذ نقر الديك عينه، فتورمت ومرض حتى مات وهو في السادسة من عمره؛ وحزنها لم يمكنها من مقاومة مرضها بالحصبة التي طرحتها الفراش أمام خوف زوجها عثمان بن عفان عليها، وماتت ووالدها مع صحابته في بدر، فما أن رجع حتى سار إليها بخطوات حزينة، تشاركه صغيرته فاطمة الواقفة على شفرة قبر أختها، تبكي فيما أبيها يمسح دموعها بثوبه. رقية ماتت وهي تتوق لرؤية أختها زينب التي كانت في مكة؛ فكان أن جاورتها في البقيع، فيما لحقت بهما أم كلثوم في السنة 9هـ بجوارهما، وهي أصغرهما، وتميزت عنهن بأن كان زواجها بأمر السماء، ففيما يروى «أن رسول الله لقي عثمان بن عفان على باب المسجد، فقال له: يا عثمان؛ هذا جبريل يخبرني أن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل مصاحبتها»، ومكثت لديه ست سنوات لم تنجب فيها حتى ماتت، ودفنت في البقيع. قبر الزهراء وأهل البيت على بعد 25م من قبور بنات النبي باتجاه الجنوب؛ يقع مدفن أهل البيت، وأولى هذه القبور هو قبر السيدة فاطمة الزهراء أصغر بناته التي رزق بها وهو في 35 سنة، فكانت أحبهن إليه؛ وهي أكثرهن شبها به، ففيما يروى أن السيدة عائشة قالت «أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي رسول الله..» وتزوجت بعلي بن أبي طالب، رغم فقره، وأنجبت منه الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم· وفارقت الزهراء الحياة وهي في29 عاما، بعد موت والدها بستة أشهر، إثر حزنها عليه، ويروى أنها أوصت زوجها علي بالزواج من أمامة ابنة أختها زينب، لأنها «تكون لولدي مثلي» فتزوج بها.

وفي يوم موتها، غسلت أطفالها وقبلتهم، ثم اغتسلت كأحسن ما تغتسل، وارتدت ثيابا جددا، وطلبت من خادمتها أن تجعل فراشها وسط البيت، فاضجعت واستقبلت القبلة، وأوصتها أن لا يكشف عنها كفنها ولا يغسلنها، ثم ماتت، وحملها زوجها الباكي على غسلتها تلك كما أوصت، وصلى عليها العباس، ودفنت في البقيع على أصح الروايات، فيما ذهبت رواية إلى أنها دفنت في حجرتها غير صحيحة. وبجوار الزهراء يقع قبر ابنها الحسن، وقبر رأس ابنها الحسين؛ على ما جاء في بعض الروايات، وكذلك قبر حفيدها زين العابدين بن الحسين بن علي، ومحمد الباقر بن زين العابدين، وابنه جعفر الصادق، وقبر عم النبي العباس بن عبد المطلب، رضي الله عنهم جميعا· وفي مدفن أهل البيت قبر زوجها علي بن أبي طالب، كما جاء في رواية أن ابنه الحسن نقله إلى المدينة، ودفنه في البقيع، فيما اختلفت روايات أخرى بين دفنه في العراق، وأفغانستان، أما قبر إسماعيل بن جعفر الصادق وهو من أهل البيت فقبره خارج البقيع في الجهة الغربية الجنوبية، وكان يفصل بين القبر والبقيع شارع، لكنه نقل في التوسعة ما قبل الأخيرة للبقيع.

قبور زوجات النبي وذي النورين وحليمة السعدية ومن القبور القليلة المعلومة بالتواتر جيلا بعد جيل كما ذكر البكري في البقيع هي قبور أمهات المؤمنين زوجات النبي عليه السلام التسعة، التي يجدها الزائر حينما يلتفت شمالا إثر وقوفه أمام قبور بنات النبي على بعد 8م منها، وهن لعائشة بنت الصديق، وسودة العمارية، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وزينب بنت خزيمة، وأم سلمة بنت أبي أمية، وجورية المصطلقية، ورملة بنت أبي سفيان، وصفية بنت حيي، وزينب بنت جحش رضي الله عنهن·وعلى بعد 5 أمتار شمال قبور زوجات النبي يقع قبر عقيل بن أبي طالب، وقبر عبد الله بن جعفر الطيار، وقبر أبي سفيان بن الحارث ابن عم النبي وأخوه من الرضاعة، والأخير كما روي أنه حفر قبره بنفسه في البقيع، وعلى بعد 10 أمتار من شرق قبر عقيل، يقع قبران؛ الأول للإمام مالك بن أنس صاحب المذهب المالكي، وقبر الإمام نافع بن أبي نعيم شيخ الإمام مالك وشيخ قراء المدينة المنورة. كما ذكرت بعض الروايات أن في البقيع ريحانة بنت زيد من يهود بني النضير التي وقعت في السبي بعد غزوة بني قريظة، وقد اختلف في شأنها بعد إسلامها بين بقائها أمة لدى النبي، وبين عتقه لها وزواجه بها وهو الراجح، لكن قبرها غير معلوم هي ومارية القبطية جارية النبي، التي اتسمت بالجمال حتى أن عائشة تغار منها، وظلت أمة حتى أعتقها ولادتها لابنها إبراهيم، وتوفيت في خلافة الفاروق الذي دفنها في البقيع بجانب ابنها. وفي وسط البقيع، على ربوة مرتفعة يوجد قبر حوله ممرات رئيسة واقع على بعد 135م تقريبا من قبور شهداء الحرة، هذا القبر هو لذي النورين عثمان بن عفان الخليفة الراشدي الثالث الذي قتلته الفتنة بين المسلمين سنة 35هـ، وقد دفن خارج البقيع بسبب الثوار الذين لم يكفهم قتله، بل حاولوا أن يؤذوا جثته برميها على الأرض، ورفضهم دفنه بالبقيع، وبقي كذلك دون أن يصلى عليه، إلى أن دفن في غفلة منهم ليلا، بمزرعة اشتراها لابنه، سميت (حش كوكب). ويجد البكري أن هذه الروايات حول أذية جثته مختلقة، سوى أنه أكد مسألة قتله ورفض الثوار دفنه في البقيع، قائلا: «دفن ليلا خارج البقيع، وقيل أنه صلى عليه جبير بن مطعم وقيل الحكيم بن حزام دون أن يصلي عليه أهل المدينة» وهذه المزرعة دخلت ضمن البقيع في توسعة الدولة الأموية·وعلى بعد 50 مترا تقريبا من الجهة الشمالية لقبر ابن عفان يقع قبر الصحابي سعد بن معاذ الذي كما يروى أنه عندما مات فتحت أبواب السماء وتحرك له العرش، وهبطت الملائكة من السماء تحمله إلى البقيع، وكما يقع في شمال شرق ابن عفان قبر حليمة السعدية مرضعة النبي خارج البقيع بالقرب من (حش كوكب)، وبجوارها قبر للصحابي أبي سعيد الخدري الذي اختار موضع قبره قبل موته بوصية لابنه عبد الرحمن، وضم قبرهما إلى بقيع الغرقد في التوسعة السعودية عام 1385هـ. وعلى بعد 40م من الجهة الشمالية للبوابة الرئيسة لمقبرة بقيع الغرقد، يقع قبر عمتي النبي عليه السلام، وهما صفية وعاتكة بنت عبد المطلب، وقبرهما في مدفن سمي ببقيع العمات منفصل عن البقيع الكبير، بزقاق، ومع توسعة البقيع عام 1373هـ، أزيل وضمت مقبرتهما إلى بقيع الغرقد، فيما يقع على بعد 75م من قبر ابن مظعون مدفن شهداء الحرة الشرقية على هيئة مستطيل يرتفع بالحجر، وفيه دفن الذين استشهدوا في القتال دفاعا عن المدينة وأهلها أيام يزيد بن معاوية. الجمال البيض ورائحة المسك في مقبرة البقيع حينما يمشي زائرها وتأخذه الذاكرة إلى أصحاب قبورها من آل البيت والصحابة الذين وصل عددهم إلى 10 آلاف صحابي دفن فيها، ساندوا خطوات النبوة في إرسائها بأمان وإيمان، فإن رائحة زكية تحيط به إذا ما كان اليقين قد تمكن من الفؤاد، واستشعر زمنا انقضى منذ أكثر من 1400سنة، تطوف به كما تطوف رائحة المسك بالبقيع. يقول البكري عن ذلك «عادة لا توجد رائحة مسك في البقيع، وما يشمه الزائر أحيانا من رائحة عطرة؛ هي عبارة عن رائحة الجنائز التي يتم تطييبها، وتبقى عالقة في الهواء» لكن أليس للبقيع بما فيه من أجساد خيرة أن يفوح منه المسك؟ يجيب بكري «ربما يكون ذلك حقيقيا، ولا زلت أتذكر رائحة المسك التي شممتها منذ زمن حينما دفنت ابني الصغير بجوار قبر السيدة حليمة السعدية، قد نزلت قبره، وشممت رائحة عطرة، ما تزال عالقة في ذاكرتي». لا يتوقف المسك عند حد الرائحة، ففيما يروى قديما أن أحدا كان قد زار قبر سعد بن معاذ وسلم عليه، وأخذ قبضة من تراب قبره، فما وصل إلى بيته حتى وجد التراب مسكا بين يديه، ولكن هل هذه الحكايات هي الوحيدة؟! يقول فلاح «كثير من الأساطير سمعناها عن البقيع من أجدادنا، فهي أرض حية في أذهان الناس ومجالسهم».

ويذكر طه أن أكثر الحكايات التي يتناقلها أهل المدينة هي قصص اختيار الأشخاص قبورهم قبل موتهم، ومنها قصة الشيخ عباس نور الذي مشى في جنازة بالبقيع، فوجد قبرا يحفر، أوصى من في صحبته بأن يدفنوه اليوم التالي فيه، وتوفي نور فعلا، ودفن فيه باليوم التالي. لكن تظل الجمال البيض أكثر القصص الشعبية تداولا، يقول طه «هذه قصة شعبية ولكن ليس لها أصل من الكتاب أو السنة، وأنا لم أسمعها من شخص رآها» والقصة تعود إلى إرسال الله تعالى جمالا مضيئة من السماء؛ تحمل أجساد الصالحين من أصقاع الأرض، ليدفنوا بالبقيع، فيما تذهب بأجساد الخبثاء إلى خارج البقيع·هذه الجمال لم يشاهدها أو يؤكدها أحد حاليا، لكن في السنة 7هـ كما ذكرت كتب الحديث، حصل أن توفي النجاشي بالحبشة، وحينما عرف النبي، خرج بصحابته وذهب بهم إلى البقيع وصلى عليه فيه، فما السبب لصلاة الرسول في البقيع دون المسجد، ألا يمكن أن النجاشي نقل إلى البقيع؟ يقول طه «من الممكن أن يستنتج ذلك والله أعلم»·ولفضل هذه المقبرة الكبير، نقل عدد من خلفاء المسلمين والأئمة والصالحين إليها بعد موتهم من خارج المدينة ودفنوا بها، ومن هؤلاء ممن نقلوا في العهد السعودي الإمام الغزالي رحمه الله وآخرون، لكن ألا يمكن أن تكون هذه المقبرة على مدى 1400 سنة قد اكتفت من الموتى؟ يجيب طه «أبدا، إنها مقبرة واسعة خاصة بعد التوسعة الأخيرة، والدفن يتم فيها بنظام، فلا يفتح قبر للدفن فيه إلا بعد انقضاء 5 ـ 7 سنوات، حينها يكون فارغا» ويتابع «هنيئا لما دفن في قبر صحابي أو جاور أحداً من أهل البيت»·ويبقى البقيع ذاكرة لا تنتهي عند زائرها، خاصة حينما يتذكر ما روي عن النبي الكريم قوله «يبعث الله منها سبعين ألفا يوم القيامة على صورة قمر ليلة البدر يدخلون الجنة بغير حساب» فلا يملك وقتها وهو يهم بخطواته تجاه بوابة الخروج منها سوى تذكره أن أصحاب هذه المقبرة هم أول من يحشرون من مقابر الأرض بعد رسول الله، وصاحبيه الصديق والفاروق، فتسري قشعريرة في الجسد، وكأن رائحة الطين به تتنفس هوى البقيع.

* حكاية القباب والأضرحة على مقابر آل البيت والصحابة في البقيع > كان قبل العهد السعودي في البقيع عدد من القباب والأضرحة على هذه القبور المعروفة، أكبر قبة بنيت كما أوضح الدكتور محمد بكري على قبور أهل البيت، ثم قبة أخرى على قبر إبراهيم وهكذا على جميع هذه القبور المعروفة الآن»، مشيرا إلى أن هذه القباب والأضرحة التي بنيت كانت سببا في معرفة أصحابها دون غيرها بالتواتر لدى أهل المدينة·وقال «بناء القباب والأضرحة لم تكن في زمن الرسول وصحابته، ولكن بدأ فيما بعد بناؤها خاصة على أهل البيت أسوة بما يفعله بعضهم في البلاد الإسلامية» موضحا أنها زادت في عهد المماليك ثم العثمانيين ومن السلاطين من بالغ في تزيينها وتجميلها في البقيع. ويذكر بكري أنه تمت إزالتها عندما دخلت المدينة في سيادة الدولة السعودية الأولى عام 1120هـ، وأزيل ما تبقى منها في الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز آل سعود، حيث سويت بالأرض التزاما بما جاء في السنة النبوية المطهرة، ويقول «لقد اعتنت الدولة السعودية ببقيع الغرقد وعملت مشاريع توسعة وأنشأت إدارة خاصة بالبقيع لخدمة الموتى تقدم خدماتها بالمجان».