ملفات الأقليات والفقر والبطالة تتصدر اهتمامات جمعية حقوق الإنسان المقبلة

أصدرت أمس تقريرا شاملا عن الوضع الحقوقي في السعودية ودعت إلى تعزيز استقلالية القضاء وقضية «البدون» وتفعيل محاسبة المقصرين

TT

تعتزم الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية، التصدي لقضايا الأقليات في البلاد، والفقر، والبطالة، والبيئة، خلال مرحلة عملها المقبلة، وذلك بعد أن أصدرت أمس تقريرا عن واقع حقوق الإنسان في البلاد، كأول تقرير من نوعه يصدر عنها بعد أن بدأت مهامها في التاسع من مارس (آذار) 2004.

واقترح التقرير، إنشاء محكمة، أو مجلس، أو هيئة عليا، تختص بالفصل في دعاوى مخالفات القواعد الشرعية، والنظام الأساسي للحكم، والاتفاقيات الدولية المنضمة إليها الرياض، على أن يكون لقرارها أو لحكمها حجية في محو آثار تلك المخالفات. ودعت جمعية حقوق الإنسان، مجلس الشورى بالإضافة إلى الهيئات ذات العلاقة، للمبادرة بالاهتمام بسد النقص في التشريعات الوطنية في الجوانب المتعلقة بحقوق الإنسان، ومواءمة الأنظمة القائمة مع ما صادقت عليه المملكة من اتفاقيات دولية في هذا الشأن، وإزالة ما قد تشمله من نصوص تنتقص أو تتجاوز على أي حق من حقوق الإنسان.

وطالبت الجميعة الوطنية لحقوق الإنسان، بتعزيز استقلال القضاء، وحماية القضاة من التدخل والتأثير، ومحاسبة المقصرين منهم، مع اتخاذ كافة الإجراءات التي تطمئن المواطن والمقيم إلى ذلك. وشددت على أهمية الاستمرار في تطوير القضاء، والإسراع في إعادة هيكلته، مع زيادة أعداد القضاة لمعالجة ظاهرة التأخير في البت في القضايا، وتفعيل تطبيق الأنظمة العدلية وتطوير التفتيش القضائي. وأكد التقرير الحقوقي، في صفحاته الـ77، على أهمية تعزيز مبدأ المساءلة في كافة الأجهزة الحكومية وخاصة المعنية بالضبط، لغرض منع إساءة استخدام السلطة والنفوذ، فيما دعا إلى تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، للمشاركة في العمل والحوار، واحترام حرية الرأي، والدفاع عن الحقوق.

وجاء ضمن التوصيات التي ختمت بها الجمعية الوطنية تقريرها الأول، «إعداد مقرر «جامعي» يسمى «حقوق الإنسان في المملكة»، يصبح تدريسه إلزامياً على كل طلاب جامعات المملكة، على أن يُدرس هذا المقرر مع التعمق لطلاب الكليات العسكرية والأمنية ولطلاب المعهد العالي للقضاء، فيما اقترحت إنشاء أكاديمية أو معهد لإعداد المحامين، وتأهيلهم تأهيلا مهنياً سليماً.

وطالب التقرير، بإصدار مدونة وطنية للحماية من العنف الأسري وتجريمه وتأسيس الآليات الكفيلة بحماية ضحاياه وحفظ حقوقهم، وسط تزايد حالات العنف المسجلة في الشارع السعودي.

وطالبت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، في النظر في قضية البدون، سواء من أبناء البادية أو القبائل النازحة، أو المقيمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة منذ سنوات طويلة، دون هويات، وتصحيح أوضاعهم بما يضمن حقوقهم ويحول دون الآثار السلبية لوضعهم غير القانوني.

وأكدت جمعية حقوق الإنسان، التي دخلت سنتها الرابعة في مارس (آذار) المنصرم، على أهمية تعيين مُنسقً لحقوق الإنسان في الأجهزة الحكومية، ليكون همزة الوصل بين الجمعية والجهاز الذي يعمل به، في حين دعت إلى عقد دورات تدريبية منتظمة حول موضوع حقوق الإنسان لأجهزة الدولة المعنية بموضوع حقوق الإنسان. وأكد التقرير الحقوقي على ضرورة الحرص على تنفيذ الاستراتيجية الخاصة بمعالجة قضية البطالة، وحماية العاطلين عن العمل، من خلال الإعانات المالية، أو أي حلول أخرى تحقق الأهداف المرجوة. ودعا التقرير الحقوقي، إلى تفعيل محاسبة المقصرين والمتجاوزين للأنظمة، والمبادرة إلى معالجة شكاوى وتظلمات المواطنين المنتسبين لبعض المذاهب في البلاد، سواء كانت إدارية، أو ثقافية، تتعلق بتمتعهم بكامل حقوقهم الوطنية.

وطالب تقرير حقوق الإنسان بإلغاء نظام الكفالة الذي قالت أنه «تسبب في كثير من الانتهاكات لحقوق العمالة الأجنبية»، وعدم الاكتفاء بتغيير المصطلحات، حيث أوصى بإجراء دراسة لإيجاد بدائل له لتلافي عيوبه.

وذكرت الجمعية أنها تلقت خلال السنوات الثلاث الماضية، ما يزيد عن 8570 شكوى، استحوذت قضايا السجناء على 18 في المائة منها، والأحوال الشخصية على 7 في المائة، والعنف الأسري على 8 في المائة، والقضايا الإدارية على 22 في المائة. فيما حصلت القضايا العمالية على 13 في المائة، في حين بلغت الشكاوى ذات الصلة بالقضاء ما نسبته 6 في المائة، وقضايا الأحوال المدنية على 7 في المائة، وما نسبته 19 في المائة لقضايا أخرى متفرقة. وانتقد التقرير الحقوقي، عدم تطبيق نظام الإجراءات الجزائية بالشكل الكافي، عند بعض القضاة وأجهزة التحقيق والشرطة، والمباحث والأجهزة الإدارية ذات العلاقة، الأمر الذي قالت أنه «يسبب مشاكل كبيرة ويؤثر على حماية الحقوق التي نص النظام عليها ويشعر بعدم احترامها». فيما طالب بالمسارعة في إصدار اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية، والتي لم تصدر حتى الآن.

وانتقدت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، عدم كفالة نظام الإجراءات الجزائية لحق المتهم الامتناع عن الإجابة على الأسئلة الموجهة إليه أثناء استجوابه أو التحقيق معه. وقالت «كان ينبغي أن يكفل النظام هذا الحق للمتهم ويستلزم حضور المحامي».

وقالت الجمعية إنها «رصدت أشكالاً من المعاملة السيئة، تصدر من بعض موظفي الدولة في تعاملاتهم مع الجمهور، وتفشي ظاهرة «الواسطة»، الأمر الذي يتطلب مراقبة سلوك الموظفين من قبل رؤسائهم ومحاسبة كل من يثبت تقصيره أو تجاوزه، وفقا للتقرير.

وحذرت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، من مغبة الإضرار بوحدة الشعب والمواطنة، حيث رصدت ممارسات بعض فئات المجتمع التي تتضمن التفرقة بين مواطني الدولة على أساس المنطقة أو القبيلة أو المذهب أو الأصل. وقالت «إن مثل هذه الممارسات تؤثر سلباً على مفهوم الانتماء إلى الوطن كما يعزز العصبية والانتماء إلى جماعات عرقية أو إقليمية، وذلك رغم ما تبذله الدولة من جهود كبيرة في سبيل محو هذه العادات التي تتنافى مع قيم الدين الإسلامي»، مطالبة بسن عقوبة نظامية لمن يقدم على هذا الأمر.

وفيما يتعلق بجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، انتقدت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، المادة 12 من نظام جهاز الهيئة، حيث جاء فيه (الحيلولة دون اتباع العادات والتقاليد السيئة)، (القيام بواجباتها بكل حزم وعزم)، وهما العبارتان اللتان صيغتا بشكل واسع دون تقييد، ما قد يتسبب في تجاوزات بعض منسوبي الهيئة بقصد أو بدون قصد.

وطالب التقرير الحقوقي، بإعادة صياغة اختصاصات جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بلغة دقيقة بما يضمن عدم إساءة استخدام السلطة المخولة للهيئة من قبل بعض منسوبيها بشكل يترتب عليه انتهاك لحقوق الإنسان.

وفي موضوع آخر، رأت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، أهمية تيسير الحق في التقاضي، بتيسير اللجوء إلى القضاء، سواء من الناحية المادية؛ بإنشاء مزيد من المحاكم وتوزيعها على جميع أنحاء المملكة، أو بتيسيرها من الناحية الإجرائية؛ بأن لا يكون سبيل رفع الدعوى مكبلاً بالإجراءات وبالشروط الصعبة.

وطالبت الجمعية السلطة القضائية بالنظر في أي قضية ترفع لها، بما فيها القضايا التي تتعلق موضوعاتها بما يعتقد أنها مخالفة لما هو ثابت في الشريعة الإسلامية. وقالت الجمعية، في موضوع متصل بحق المشاركة السياسية، أن تجربة الانتخابات البلدية، جاءت لتؤكد «جاهزية» المواطنين لممارسة حق الانتخاب على أسس مدنية بعيداً عن الانتماءات القبلية التي أثارها البعض مما يؤكد ضرورة توسيع نطاق هذا الحق ليشمل كافة المجالس وفي مقدمتها مجلس الشورى لإعطائها صفة تمثيلية.

وفي الشأن الصحي، طالبت الجمعية الحقوقية وزارة الصحة بتلافي أوجه القصور في الأداء الطبي، وخصوصا قصور أعداد المستشفيات مقارنة بأعداد السكان، وضعف مستوى الخدمات الصحية المقدمة من بعض المستشفيات والمراكز الصحية التابعة للدولة والطابع التجاري الذي تتصف به الخدمات الصحية في المستشفيات والمراكز الخاصة، والاضطرار إلى الانتظار فترات طويلة تتجاوز الأشهر للحصول على مواعيد في المستشفيات.

وانتقد التقرير الحقوقي، عدم التوزيع العادل للمستشفيات التخصصية في مناطق المملكة المختلفة، وعدم الالتزام باحترام خصوصية المرضى من قبل بعض العاملين، وعدم توفير التخصصات المهمة في أغلب المراكز الصحية بشكل دائم، وسوء المباني والأجهزة والتجهيزات الطبية وخاصة في المناطق النائية. كما اشتملت الانتقادات للقطاع الصحي على قص الأدوية في بعض المراكز الصحية، ونقص عدد المراكز المتخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وضعف الرقابة على المستوصفات الخاصة ووجود بعض العاملين غير المؤهلين لأداء تلك الخدمات، وكثرة حدوث الأخطاء الطبية في المستشفيات والمستوصفات دون محاسبة دقيقة.

واشتكت الجمعية الوطنية من بروز بعض الأمور التي تنتقص من حق المرأة السعودية، كعدم تمكين المرأة الراشدة من التصرف في بعض الحالات، إلاَّ عن طريق ولي الأمر أو الوكيل، مما يضر بها في كثير من الأحيان، ويعمق النظرة الدونية لأهليتها الشرعية والنظامية، حتى لو أرادت رفع دعوى أمام القضاء، والاشتراط على المرأة أياً كان سنها ومؤهلها العلمي موافقة ولي أمرها على حصولها على بطاقة الأحوال الشخصية أو جواز السفر.

وعلى الرغم من امتداح الجمعية لعدد من الإيجابيات في السجون السعودية، إلا أنها ذكرت وجود سلبيات مشتركة بين أغلب السجون التي قامت بزيارتها، منها الازدحام، بعدد يفوق الطاقة الاستيعابية لها، والشكوى من قلة زيارات موظفي هيئة التحقيق والادعاء العام المكلفين بالتفتيش على السجون مما يتسبب أحيانا في عدم تسريع إنهاء إجراءات خروج السجناء من السجن. فيما تضمن التقرير شكوى بعض السجناء من تعرضهم لمعاملة قاسية من قبل بعض العاملين في السجون وبشكل غير نظامي مثل الضرب والإهانة والحبس الانفرادي وتقليل كمية الوجبة المخصصة له.

وطالبت الجمعية بضرورة التدخل السريع لحماية حقوق السجناء الأساسية، وتفادي جميع السلبيات السابقة، لافتة إلى أن هناك مبالغة شديدة في الحالات الموجبة للسجن مما يستدعي وضع حدود للعقوبات السالبة للحرية.