السعودية: مشروع لتوطين التعليم العالي في المحافظات والمدن المتوسطة

د. العطية لـ «الشرق الأوسط» : المرحلة المقبلة من الابتعاث الخارجي والمنح التعليمية تنطلق هذا الشهر

TT

بدأت وزارة التعليم العالي في السعودية، تطبيق مشروع لتوطين التعليم العالي في المحافظات والمدن المتوسطة بعد أن انتهت من مشروع «جامعة لكل منطقة»، ويهدف المشروع الجديد إلى تخفيف الضغط عن المدن الكبيرة، والمساهمة في رفع النشاط الاقتصادي فيها، حيث تسعى الوزارة إلى تطبيق منهج الهجرة العكسية من المناطق الكبرى إلى المتوسطة. وقال الدكتور علي بن سليمان العطية المستشار والمشرف العام على إدارة الشؤون المالية والإدارة في حوار مع «الشرق الأوسط» بالرياض، إن وزارته حريصة جدا على توفير فرص التعليم العالي لأبناء تلك المدن بتخصصات علمية مطلوبة لسوق العمل السعودي كالكليات الهندسية والطبية والتقنية والإدارية، بالإضافة إلى التركيز على إيجاد كليات خاصة تتناسب مع طبيعة كل منطقة. وأكد الدكتور العطية أن من أولويات وزارته في المرحلة المقبلة تحقيق التميز في برامج الجامعات السعودية خلال السنوات القليلة المقبلة، بعد أن تم إنشاء مراكز لدعم التميز فيها، وتشجيع أعضاء هيئة التدريس فيها على الأبحاث العلمية.

وفيما يتعلق باستيعاب مخرجات التعليم الثانوي للعام الحالي، أوضح العطية أن وزارة التعليم العالي لن تواجه مشكلة في قبول الخريجين الجدد، حيث سيتم استيعابهم من خلال ثلاثة برامج تشمل الابتعاث والقبول في الجامعات والكليات القائمة في القطاعين الحكومي والأهلي، مشيرا إلى أن الوزارة ستعلن خلال الشهر الحالي أسماء الدفعة الأولى من برنامج المنح التعليمية للطلبة داخل السعودية.

وأشار الدكتور العطية إلى أن فلسفة الوزارة للمرحلة القادمة تعتمد على تحقيق التميز في البحث العلمي، ودعم الجمعيات العلمية في الجامعات من خلال إقامة مباني لها، وتحفيز أعضاء هيئة، إضافة إلى الاستمرار في إعادة هيكلة الأقسام والتخصصات في الجامعات القائمة، وعدم افتتاح أي تخصص عدم مطلوب في سوق العمل، وفيما يلي نص الحوار: > هل تم تقليص وتغيير الشروط لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي؟ ومتى ستبدأ المرحلة الثالثة؟ ـ لا يوجد تغيير لشروط الابتعاث لدى الوزارة في جميع برامج الابتعاث، ولكن الوزارة تحرص على تسهيل عملية مراجعتها وتخفيف إجراءاتها من خلال تطبيق مفهوم الحكومة الالكترونية، والتعامل التقني مع المتقدمين عبر موقعها على شبكة الانترنت، ونحن لا نريد أن نثقل على الطلبة بضرورة مراجعة الوزارة، إلا في المراحل الأخيرة قبل الابتعاث كالحصول على الدورة التأهيلية التي تقيمها الوزارة للطلبة قبل سفرهم، وكذلك الحصول على تذاكر السفر، وفيما يخص المرحلة الثالثة من البرنامج فستنطلق خلال الشهر الحالي، وفي الحقيقة نحن حريصون جدا على قبول الطلبة في جامعات متميزة في الخارج، ولذلك تم أنشاء مركز للقبول يقوم بالتنسيق للحصول على القبول لجميع المبتعثين، ولدينا في وزارة التعليم العالي أكثر من برنامج للابتعاث، ويسمى البرنامج الأول «الالتحاق بالبعثة» وهو مخصص للطلاب والطالبات السعوديين ممن يدرسون على حسابهم الخاص في الخارج، وتشترط الوزارة على انضمامهم إنهاء مرحلة دراسة اللغة وتوفر الساعات المطلوبة في المرحلة الدراسية، حيث توجد لدى الملحقيات التابعة للوزارة في الخارج نماذج للراغبين في الالتحاق بالبعثة، وتهدف الوزارة من ذلك الصرف على الطلبة المتميزين والجادين في الدراسة ضمن برنامج الابتعاث لديها، أما البرنامج الثاني لدى الوزارة هو برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، والذي رصد له مبلغ 10 مليارات ريال، وكل سنة تعتبر مرحلة من مراحل هذا البرنامج الذي يسعى إلى ابتعاث 25 ألف، حيث تم ابتعاث 15 ألف طالب وطالبة ضمن المرحلة الأولى من هذا البرنامج، وهناك برامج ابتعاث لدول الشرق، وتشمل الصين والهند وماليزيا وسنغافورا وكوريا واستراليا ونيوزلندا، بالإضافة إلى الابتعاث لدول أوروبا، وستحقق مخرجات جميع برامج الابتعاث نقلة نوعية لسوق العمل السعودي عند الالتحاق في الجامعات والقطاعين الحكومي والأهلي من خلال مشاركتهم في مسيرة التنمية في بلدهم.

> متى ستبدأ الوزارة فعليا في تقديم المنح التعليمية للطلبة الدارسين في الجامعات والكليات الأهلية؟ ـ سيتم الإعلان عن أسماء الطلبة المستفيدين خلال الشهر الحالي، حيث تقدمت الجامعات والكليات الأهلية القائمة بقوائم الطلبة المرشحين من خلال الشروط التي تم تحديدها لهذا البرنامج، وتتم الموافقة من خلال تطبيقها لمعايير أكاديمية محددة، وستشمل المرحلة الأولى دفع تكاليف رسوم مالية لـ2000 طالب وطالبة، يدرسون في الجامعات والكليات الأهلية القائمة التي التزمت تطبيق المعايير المطلوبة منها.

> خلال أيام قليلة ستعلن نتائج الثانوية العامة للطلبة، فهل لدى وزارتكم خطط لاستيعاب هذه الأعداد الكبيرة؟ ـ وزارة التعليم العالي سعت إلى استيعاب خريجي الثانوية العامة من خلال ثلاثة مسارات رئيسية، أولها برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، والبرنامج الثاني يشمل التوسع في الجامعات والكليات الجامعية، حيث بلغ عدد الجامعات السعودية 20 جامعة منتشرة في كل المناطق، وبلغ عدد المحافظات التي تمت تغطيتها بمؤسسات التعليم العالي 54 محافظة من خلال مشروع توطين التعليم العالي في كل أرجاء البلاد، وكان عدد المحافظات التي يتوفر بها مؤسسات التعليم العالي قبل عامين 16 محافظة فقط، والآن تركز الوزارة على إنشاء كليات علمية لها مستقبل في سوق العمل كالكليات الهندسية والطبية والعلوم الطبية التطبيقية، وهناك تنسيق مستمر مع الجهات المختصة عن توطين التعليم ونوعية التخصصات المطلوبة، ويشمل المسار الثالث التعليم الأهلي فالوزارة تشجع افتتاح الجامعات والكليات الأهلية، ولديها الآن برنامج المنح التعليمية في الجامعات والكليات الأهلية القائمة من خلال تقديم 2000 منحة تعليمية تقوم الوزارة بدفع تكاليفها عن 30 في المائة من طلبة الكلية أو الجامعة من خلال شروط محددة، وفي هذا المجال تم الترخيص حاليا لثلاث جامعات وعدد من الكليات. > متى تنتهي الوزارة من إقامة مشروعات المدن الجامعية الجديدة؟ ـ أود أن أشير إلى أن التعليم العالي توسع كميا ونوعية خلال السنوات الثلاثة الماضية، حيث ارتفع عدد الجامعات من 8 جامعات إلى 20 جامعة، وكل هذه الجهود لم تأت إلا بدعم مباشر من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي عمل على توطين التعليم العالي في جميع مناطق السعودية، وكانت ميزانية الوزارة لا تزيد عن 450 مليون ريال قبل 3 سنوات، وتقدر ميزانيتها الآن تفوق 6 مليارات ريال، بالإضافة إلى تخصيص جزء من فائض الميزانية العامة للدولة لإنشاء المجمعات الجامعية والمدن الجامعية بواقع 8 مليارات ريال، ومن خلال هذا الدعم تم وضع حجر الأساس لكل الجامعات الجديدة وسيلتحق بها الطلاب في غضون 3 سنوات، من خلال الانتهاء من المرحلة الأولى لها، وتم تخصيص مبلغ 100 مليون ريال من الوزارة لدعم الجامعات والكليات القائمة لإعادة تأهيلها وتجهيزها، والوزارة من خلال هذه المشاريع والدعم تسعى إلى النهوض بالجامعات لتكون جامعات متميزة.

> ترجع بعض الوزارات سبب تأخر مشاريعها إلى إجراءات وزارة المالية، كيف تقيم طبيعة التعاون معها؟ ـ وزارة المالية شريك أساسي في دعم مشروعات وزارة التعليم العالي، ولم نجد منهم إلا كل تفهم وتعاون، خصوصا من وزير المالية، حيث كان للوزير دعم واضح في برنامج الابتعاث والمدن الجامعية ومراكز التميز وغيرها من المشروعات، وفي الحقيقة لم نتقدم بمشروع لوزارة المالية، إلا ونجد منهم الدعم والمساندة، وأعتقد أنه لا يوجد عذر لوزارة التعليم العالي، حيث يتوفر لديها الكفاءات البشرية والموارد المالية، ولذلك سنحقق تميز الجامعات، وقد ذكر خادم الحرمين الشريفين في العام قبل الماضي، أنه لا يوجد عذر لأحد عندما خاطب المسؤولين، ولذلك نسعى إلى تحقيق تطلعات القيادة.

> كيف واجهتم مشكلة الحصول على الأراضي لإقامة المدن الجامعية الجديدة؟ ـ حصلنا على أراض بمساحات كبيرة بدعم من وزارة الشؤون البلدية والقروية، وتحرص الوزارة أن يكون تصميم الموقع العام للمدن الجامعية بشكل متكامل كتوفير جميع البنى التحتية اللازمة من طرق ونقل ومياه وخدمات عند إنشاء أي مبنى، بحيث يكون التخطيط لجميع الوحدات التابعة للمدينة الجامعية، وأخذنا في الاعتبار التوسع المستقبلي في عدد الكليات والمرافق عند تصميم هذه المدن، وتمت مراعاة طبيعة المنطقة عند التصميم، وعلى سبيل المثال كان تصميم جامعة حائل فيعبر التصميم عن جبلي أجا وسلمى، وفي الحدود الشمالية يحاكي التصميم شجرة العرعر وهي عاصمة المنطقة، وكذلك الأمر في الطائف، حيث روعي في التصميم شكل ورقة العنب، كما أخذ في الحسبان مواقع داخل هذه المدن الجامعية لطرحها للاستثمار كمتنزهات وفنادق وأسواق تجارية داخل الحرم الجامعي، بهدف تواصل المجتمع مع الجامعة، وستساهم مبالغ الاستثمار في هذه المواقع لدعم برامج تلك الجامعات.

> هل ستراعي وزارة التعليم العالي طبيعة المنطقة، عند اعتماد كليات جديدة فيها؟ ـ لا يوجد لدى وزارة التعليم تفريق بين جامعة منطقة وأخرى، لأن الدعم يوزع بشكل متساو بينها، ولكن هناك مراعاة لطبيعة كل منطقة فمثلا إذا كانت المنطقة زراعية، نسعى إلى إنشاء كلية زراعة، وإذا كانت المنطقة ساحلية، نحرص على إنشاء كلية لعلوم البحار، وحظيت كل منطقة بمباني جامعية بتصاميم مميزة، وستحظى كل جامعة بمستشفى جامعي إذا كان لديها كلية للطب.

> بعد أن اكتمل مشروع جامعة لكل منطقة، هل سيكون التركيز عند إنشاء مؤسسات التعليم العالي في المدن المتوسطة؟ ـ نسعى من خلال مشروع توطين التعليم العالي في المحافظات إلى هجرة عكسية من المناطق الكبرى المزدحمة إلى المدن القريبة، منها عبر توفير الكليات الجامعية في تخصصات مميزة تساعد على تنمية هذه المدن، وعلى سبيل المثال، فجامعة الملك سعود في الرياض بلغ عدد طلابها 76 ألف طالب وطالبة، ولذلك اعتمدت وزارة التعليم العالي إنشاء 7 كليات في مدينة الخرج منها كلية طب وهندسة، وكليتين في كل من المجمعة وشقراء والزلفي، وتساعد هذه الكليات على تخفيف الضغط عن المدن الكبرى وتنمية هذه المناطق ودعم اقتصادها.

> خلال سنوات قليلة سيعود آلاف المبتعثين إلى السعودية، هل لدى الوزارة قدرة على استيعابهم؟ ـ في البداية حرصت وزارة التعليم العالي بالتنسيق مع وزارة التخطيط ووزارة الخدمة المدنية ووزارة المالية، على أن تكون تخصصات المبتعثين يحتاجها سوق العمل السعودي، والسعودية تعيش طفرة في المدن الجامعية والمدن الاقتصادية، وستحتاج إلى جميع مخرجات برامج الابتعاث وأكثر من ذلك، ونحن نسعى إلى توفير الكوادر الوطنية المؤهلة تأهيلا علميا متميزا للدخول لسوق العمل، فالوزارة تسعى لتوفير الكوادر الوطنية للجامعات والكليات الجديدة وأيضا للقطاعات الحكومية والأهلية الأخرى لأن المستفيد بالنهاية هو الوطن، وأغلب الخريجين سيتم الاستفادة منهم في الجامعات السعودية كأعضاء هيئة تدريس.

> إلى أين وصلت دراسة رواتب أعضاء التدريس؟ ـ في الحقيقة أن مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حريص جدا على أن يتحقق هذا الموضوع، ونتوقع أن يظهر قريبا، والوزارة قامت بدراسة كاملة عن هذا الشأن، وسنشهد كادرا لأعضاء التدريس سيخدم العملية التعليمية في الجامعات، ولكن نسعى أن يكون هذا الكادر حافزا لتميز أعضاء التدريس في الجامعات السعودية.

> ماذا قدمت الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي للجامعات السعودية وما طبيعة هذا التعاون؟ ـ أبرمت الوزارة عقدا مع الهيئة الوطنية للتقويم الأكاديمي، وتهدف من خلاله إلى التأكد من جودة البرامج في 6 جامعات، ويتضمن المشروع مراجعة برامج جامعة الملك عبد العزيز وجامعة الملك سعود وجامعة الملك فيصل وجامعة الملك فهد وجامعة الأمير سلطان الأهلية وجامعة القصيم، وتسعى الوزارة إلى المواءمة بين برامج هذه الجامعات والجامعات العالمية بهدف تحقيق التميز، وهذا الأمر سيتحقق خلال الفترة القادمة، حيث أنشأت مراكز للتميز في هذه الجامعات بقيمة 450 مليون ريال في المرحلة الأولى، وسيساعد هذا المركز على عملية البحث لأعضاء هيئة التدريس، وستقوم الوزارة أيضا بدعم الجمعيات العلمية في مختلف الجامعات السعودية من خلال إنشاء مبان لها، بدأنا في هذا المشروع في جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبد العزيز، ويستمر هذا المشروع في كل عام عند تحقيقها عدد من الضوابط تفوز الجامعة بإنشاء مبان لجمعياتها العلمية، وقامت الهيئة بمسح عالمي للتجارب الأكاديمية في جميع الجامعات بمختلف تجاربها، حيث أخذت الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي في السعودية، جميع المميزات في تجارب الدول ووضعت معاييرها، وتسعى الوزارة لأن يكون البقاء للأفضل، ولا تغفل وزارة التعليم العالي باب الشراكة المتميزة، حيث هناك شراكة في بعض التخصصات بين الجامعات السعودية والجامعات الأجنبية، ومنها جامعة الملك فهد وجامعة الملك سعود وجامعة الملك عبد العزيز، وتسعى الوزارة إلى توسيع هذه الشراكة وتعميمها بشكل اكبر.

> كيف ستكون آلية إنشاء مراكز دعم التميز في الجامعات؟

ـ سيتم التنافس بين عدد من الجامعات للحصول على مراكز التميز، ويتم ذلك عن طريق أبحاث علمية يتم تحكيمها بلجنة عالمية، وتمنح الجامعة الفائزة بالمركز، وتستمر الوزارة من جودة المركز ومسارها الصحيح من خلال زيارات ومتابعة، وفي الحقيقة أن الجامعات الجديدة بدأت بشكل أفضل من ناحية التخصصات الطبية والهندسية والتقنية، ولديها فرصة أكبر في تحقيق التميز. > هل انتهت الجامعات السعودية من إعادة هيكلة كافة أقسامها وتخصصاتها؟ ـ هذه العملية مستمرة لدى الجامعات، وبين فترة وأخرى يعلن مجلس التعليم العالي عن إعادة هيكلة الأقسام والتخصصات، ويتم في هذا الإطار التوسع في التخصص أو تقليص القبول فيه، نظرا لمتطلبات وحاجة سوق العمل السعودي.