المتحف الوطني في الرياض.. بوابة جزيرة العرب إلى التاريخ

يضم أكثر من 3 آلاف قطعة أثرية.. ويروي سيرة الجزيرة منذ نشأة الأرض

مجسم معروض في المتحف
TT

في منطقة قصر الحكم بحي المربع، قلب الرياض القديم، وعلى مساحة 17 ألف متر مربع من الجانب الشرقي لمركز الملك عبد العزيز التاريخي، يتربع المتحف الوطني بالرياض، متحدثاً عن تاريخ الجزيرة العربية منذ استيطان البشر أرض الجزيرة وحتى العصر الحديث عبر 8 قاعات تتحدث كل واحدةٍ منها عن حقبة زمنية من العصور البشرية الأقدم وحتى العصور الحديثة.

وكان تدشين هذا المتحف ضمن الافتتاح الكبير لمركز الملك عبد العزيز التاريخي عام 1999م حين افتتحه الملك الراحل فهد بن عبد العزيز ضمن فعاليات الاحتفالات بمناسبة مرور 100 عام على دخول الملك عبد العزيز الرياض عام 1319هـ.

الزائر للمتحف تواجهه في بداية مسيرته داخل المتحف في الطابق الأرضي «قاعة الإنسان والكون» التي تعرض تاريخ أرض الجزيرة العربية وقصة الأرض منذ بداية تكوينها، وتعرض جيولوجيا الأرض وطبقاتها وأنواعها. كما تتحدث هذه القاعة عن قصة الإنسان القديم، وأدواته وأساليب حياته، وتعرض عدداً من الحيوانات المنقرضة التي عاشت في أرض الجزيرة، إضافةً إلى شرح كيفية تكوّن النفط والثروة المعدنية في السعودية.

وفي تسلسلٍ زمني مُحكم، ينتقل الزائر بسلاسة من «قاعة الإنسان والكون» نحو «قاعة الممالك العربية القديمة» التي تعرض الممالك والحضارات العربية القديمة التي استوطنت الجزيرة العربية في الفترة بين 6000 – 4000 قبل الميلاد. وتحتوي هذه القاعة على ألواحٍ صخرية تعود إلى العهود القديمة ويُنسب بعضها إلى حضارات عاد وثمود. وتروي هذه القاعة حِكاية الأبجدية الأولى ونشأتها في تلك الفترة وتطوّرها إلى ما آلت اليه في الآونة الأخيرة، كما تشرح القاعة النمط المعماري للإنسان القديم في الجزيرة العربية، مستدلةً ببعض الجدران المستخدمة في البناء التي نُقلت من أماكنها إلى المتحف، إضافةً إلى بعض النماذج عن بيوت العرب قديماً.

وعلى النسق الزمني المُنظم ذاته، ينتقل الزائر بعد خروجه من «قاعة الممالك العربية القديمة» إلى قاعة «العصر الجاهلي»، وفيها يستمع الزائر إلى معلقات شُعراء الجاهلية، والتي كانت تُعلّق في داخل جدران الكعبة، وتُبرز القاعة حال العرب في جاهليتهم من النواحي السياسية والتجارية، إضافة إلى إبراز مشاعر الحجّ قديماً، كما تُشير القاعة إلى أحداث عام الفيل الذي ولد فيه الرسول، صلى الله عليه وسلم.

بعد ذلك، وبمجرد صعود الزائر إلى الطابق الأول، سيجد نفسه في «قاعة البعثة النبوية»، التي تتحدث عن سيرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما تروي أحداث الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة مدعومة بالصوت والصورة عبر تقنياتٍ فنيّةٍ متميزة.

تلي «قاعة البعثة النبوية»، «قاعة الإسلام والجزيرة العربية» التي تحوي عروضاً لفترات مهمة من التاريخ الإسلامي بدءاً من ظهور الدعوة في المدينة المنورة مروراً بعهد الخلفاء الراشدين والعصر الأموي والعصر العباسي، وصولاً إلى العصرين المملوكي والعثماني، شاملة عروضاً سمعية وبصرية إلى جانب الأدوات القديمة من الأواني والعملات والحُليّ المستخدمة خلال تلك الفترات.

ويخرج الزائر من القاعة السابقة، ليجد نفسه أمام «قاعة الدولة السعودية الأولى والثانية»، حيث تمثل هذه القاعة الفترة التاريخية منذ 1446ـ 1819م، التي تضمنت حكم الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، وتروي هذه القاعة فترة حصار الدرعية. كما تشمل القاعة عروضاً سمعية وبصرية، وتتضمن أيضاً العديد من الخرائط والمجسمات والوثائق والأسلحة والأواني التي تحكي الحياة الاجتماعية آنذاك.

وفي آخر مشوار الطابق الأول، يُشاهد الزائر قصّة تأسيس المملكة العربية السعودية وتوحيدها، وذلك في «قاعة توحيد المملكة» التي تُبرز الفترة منذ عام 1319هـ ومراحل توحيد السعودية، من خلال وسائل متميزة عبر المجسمات المعمارية للمناطق السعودية تبعاً لتوقيت انضمامها تحت حكم الملك عبد العزيز. كما تتضمن جناحاً يشرح النظام الإداري لحكم الملك عبد العزيز، ويروي قصة اكتشاف النفط، والكثير من الأدوات المستخدمة قديماً، التي تمثل مناطق السعودية، كما تحوي القاعة صالة عرض مرئي تحكي قصة توحيد السعودية عبر فيلم وثائقي مميز.

ونزولاً إلى الطابق الأرضي، يجد الزائر «قاعة الحج والحرمين» التي تعرض قصة الحجّ منذ العصور القديمة وحتى اليوم عبر 5 أجنحة تشرح مشاعر الحج منذ القدم وقصة بناء الكعبة وتاريخ الحرمين الشريفين منذ القدم وصولاً إلى الدور السعودي تجاه الحرمين الشريفين والحجيج، كما تتضمن معروضات القاعة العديد من القطع الأثرية والمخطوطات والوثائق الأثرية، إضافةً إلى العروض السمعية والبصرية.

وإلى جانب القاعات الرئيسية الثماني التي يحويها المتحف، يضم المتحف صالة للعروض المؤقتة بمساحة 1000م مربع، وتستضيف هذه الصالة المعارض والأنشطة المختلفة من معارض أثرية وفنيّة وتاريخية وتعليمية وغيرها من المعارض المحليّة أو الخارجيّة الزائرة. كما يحوي المتحف معرضاً متخصصاً في بيع الهدايا التذكارية والتحف والكتب المهتمة بالتاريخ والتراث.

ويُشير الدكتور عبد الله السعود مدير عام المتحف الوطني إلى أن المتحف يحوي أكثر من 3 آلاف قطعة، غالبيتها العظمى من مواقع أثرية في السعودية، والجزيرة العربية بشكلٍ عام، إضافة إلى بعض القطع الأثرية التي تمثل الحضارات الإسلامية من خارج الجزيرة العربية.

ويُضيف السعود قائلاً: «إن الآثار الموجودة جاءت نتيجة أعمال حفر وتنقيب قامت بها وكالة الآثار والمتاحف على مدى أكثر من 30 عاماً، حيث جمعت في مستودعات الوكالة، في حين عرض بعضها في متحف الوكالة القديم، الذي كان يقع في حيّ الشميسي، الذي تم افتتاحه قرابة عام 1397 هـ، كما أسهمت متاحف الوكالة المنتشرة في السعودية في تزويد المتحف الوطني بالقطع الأثرية، وقام فريق متخصص بترتيب هذه القطع وتنسيقها وعرضها في الفترات الملائمة لها».

وعن مصادر المتحف يُشير السعود إلى أن غالبيتها جاءت عبر وكالة الآثار والمتاحف كما أسهمت كُل من جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود والرئاسة العامة للحرمين الشريفين ومكتبة الملك فهد الوطنية ومكتبة الملك عبد العزيز العامة في توفير مجموعة من مقتنيات المتحف.

كما يُشير السعود إلى أن إخراج الأفلام الوثائقية وإعداد المواد الثقافية والعروض التخيلية تمّت بالتعاون مع جهات مختصة عالمية وخبراء عالميين عملوا على إنتاج هذه الأفلام والعروض بإشراف الهيئة العليا لتطوير الرياض بالتنسيق مع خبراء وباحثين سعوديين.

ويتحدث السعود عن صالة العروض المؤقتة قائلاً: «خلال السنة الجارية استضفنا أكثر من 12 معرضا وسيتم عرض قرابة 7 معارض تقريباً حتى نهاية هذه السنة بين معارض محلية ومعارض زائرة، كما يستضيف المتحف متحف دولما بخشة التركي خلال الأشهر المقبلة القادمة، حيث سيعرض فيه العديد من القطع الأثرية».

وعن فعاليات المتحف في الصيف الجاري، يقول السعود: «سيقوم المتحف بإنشاء نشاطين خلال هذا الصيف، الأول بعنوان «كُن صديقي» وهو مخصص للمرأة والطفل، هو تعريف للأسرة بالمتحف وعمل مواد ونشاطات فنية من تلوين وتشكيل بالطين إلى جانب بعض المسابقات المنوعة مع بعض الهدايا للأطفال، والآخر سيكون عن المسكوكات الإسلامية، ويُعرف هذا البرنامج بالمسكوكات الإسلامية، كما يتضمن ورشة عمل تُنفذ في البهو الرئيسي بالمتحف».