«العين».. النساء أكثر ميلا لتصديقها والرجال يعتبرون الاستشارة النفسية آخر الحلول

طبيب نفساني لـ«الشرق الأوسط»: الشخصية الأكثر تشبثا بـ«العين» غالبا ما تكون «إيحائية»

في الصورة جوال يعتقد أن «العين» أصابته بعد أن ظهرت
TT

«العين» حديث المجالس وسيدة متربعة على قائمة الأسباب والمشاكل التي تعترض أغلبية أفراد المجتمع السعودي، يؤمن بها الناس إلى حد الخلط بينها وبين المرض النفسي، بل قد تتقدمه مكانة ورفعة في نظر الكثيرين. حول هذا الموضوع ذكر لـ«الشرق الأوسط» الدكتور مهدي العنزي، الطبيب النفسي بمجمع الأمل للصحة النفسية أن أهم الأسباب التي تجعل المرضى النفسيين لا يعتقدون أنهم مصابون بمرض أو اضطراب نفسي هي النظرة السلبية للأمراض النفسية وعلاجها «الوصمة».

وذكر العنزي أن الإعلام ساهم بتعميقها عند المجتمع، حيث اختزل الأمراض النفسية في مرض واحد وهو الجنون وأن المعالجين والأطباء مضطربون نفسياً، كما يؤمنون بأن الأدوية ما هي إلا مهدئات تسبب الإدمان.

وعن أغلب الحالات التي رغم خضوعها للعلاج إلا أنها متشبثة بالعين كمسبب، أوضح العنزي أنها تعود إلى أشخاص نشأوا في بيئة مليئة وغنية بالقصص التي تتحدث عن العين والسحر بشكل مبالغ فيه وهي في الغالب تكون شخصية إيحائية قابلة للتصديق وتكون ذات عقلية محدودة، وأحياناً يتم التركيز على أن السبب هو العين لأسباب شخصية.

وأفاد أن التشبث الشديد بالعين قد يصل بالمريض لترك العلاج وعدم تعاونه وبالتالي تأخر العملية العلاجية، موضحا أن هناك نسبة معينة من الناس لديها الخوف المبالغ فيه من العين حتى قبل وقوعها وهذا مرجعه البيئة ونوعية الثقافة.

وأشار العنزي إلى أن الاعتقاد المبالغ فيه بالعين ليس مقتصراً على المجتمعين العربي والسعودي فحسب، بل له تاريخ قديم في كل الثقافات القديمة مثل الهندية، الصينية، الفرعونية، الهنود الحمر وغيرها، وحتى المجتمعات الأوروبية في العصور الوسطى كانت تؤمن بتسلط الأرواح الشريرة، والسحر.

وأضاف أن هذه النظرة عمقت سلطة الكنيسة في تلك الأوقات وخرجت روايات كثيرة تتكلم في هذا الشأن منها «هاري بوتر» التي اشتهرت وأصبحت القصة المفضلة لدى أطفال العالم. وعن دور الطبيب النفسي تجاه المريض الذي تعد الإصابة بالعين هي المسبب الأنسب لحالته أوضح العنزي أنه من المستحيل التأكد 100 في المائة من الإصابة بالعين لأنه لا توجد علامات أو أعراض خاصة بالعين أو السحر ذكرت في القرآن والسنة، وبالتالي يكون دور الطبيب النفسي هل هذا الشخص مريض نفسياً أم لا؟.

ويرى الطبيب النفسي بمجمع الأمل للصحة النفسية أن المنهج الشرعي في علاج الأمراض العضوية والنفسية هو الجمع بين الرقية الشرعية وبين العلاج المادي سواء أكان جراحياً أو نفسياً. وأورد مثالاً على ذلك يوضح أن سقوط فتاة وكسر ساقها في حفل سيجعل الأغلب يعزوه إلى العين، ولكن لن يتردد أحد في الذهاب بها إلى المستشفى وعمل تجبير لكسرها، وبذلك هي تستخدم العلاج الجراحي رغم أن السبب قد أرجع من قبل إلى العين، وهذا ما لا يحصل مع الأمراض النفسية والسبب هو «الوصمة» التي تلحق بالشخص. ورداً على سؤال ما الأعراض التي يستطيع الطبيب أو الأخصائي النفسي أن يفرق بها ما بين المرض أو الاضطراب والعين، ذكر العنزي أن الطبيب النفسي باستطاعته تشخيص الأمراض النفسية ومعالجتها فيما العين ليست مرضاً ممكن تحديده، بل هي سبب، مشيرا إلى أن أثرها ربما يكون مرضاً نفسياً، ومرضاً عضوياً، وتكون النتيجة طلاقاً أو حتى خسارة مالية.

وخلص إلى أن هناك سببا وهناك اثرا، فالسبب يعالج بالرقية الشرعية، أما أثر العين فحسب نوعيته. ويرى العنزي أنه من خلال الملاحظة للحالات التي ترد للعيادة فإن النساء أكثر ميلاً لمبرر العين من الرجال، ربما يعود ذلك إلى أن المرأة تملك شخصية إيحائية وعاطفية تجعلها تصدق القصص التي تتحدث عن العين والسحر، أما السبب الحقيقي لذلك فيحتاج إلى دراسة علمية. بينما ترى الأخصائية النفسية غادة الغامدي أن النساء عموماً هم أكثر من يطرق باب المشورة، طبية كانت أو غير ذلك، فالرجال في غالب الأحيان لا يأتون لطلب العون إلا وقد أوشكوا على الهلاك بحكم «الثقافة التربوية» المعززة لهذا الجانب.

وتشير إلى أن اللجوء للعين كمبرر فترى أنه من ضمن الترسبات الثقافية التي تضرب بعمق، فالإصابة بالعين تعني لدى المجتمع أن الفرد متميز بشيء ما، فالعين تعد أمراً خطيراً في المجتمع السعودي بينما المرض يكاد يكون نوعاً من الدلع.

ورداً على سؤال هل يتحول الاعتقاد بالإصابة بالعين إلى مرض نفسي أو عصبي، ذكرت الغامدي أنه لا بد من الوعي بمسألتين، الأولى: مدى ارتياح المريض لهذا الستار «العين»، والثانية: مسألة الاعتقاد الجازم بأنه مصاب فعلاً وهل إصابته بذلك تترتب عل كونه قد بلغ درجة معينة من الأهمية الوهمية خارجياً والمؤكدة داخليا بنسبة 100 في المائة.

وأضافت «أن المؤكد أننا حين نبالغ في قلقنا فإننا نخترع كل يوم داء لأننا اعتدنا على دوامة القلق التي تساندها وبقوة كل بعوضة في عالمنا المتعب».

وعن أكثر الأمراض أو الاضطرابات النفسية التي يؤمن المرضى بأنها عين ذكرت الغامدي، أن الإيمان بأن النسيج الرباني المحكم ما بين الجسد والروح والنفس لم يأت عبثا وأن أي خلل في أحد الأركان قد يُسقط البناء.

وأشارت إلى أنه بناءً على ذلك فإن للاعتلال النفسي انعكاساته البدنية التي تصرخ بوجود المرض لذلك فإن الاضطرابات التي تتشكل بأعراض جسدية مزعجة وفجائية كفيلة بهذا التصنيف «كنوبات الذعر، الرهاب الاجتماعي، توهم المرض، واضطراب الجسدنة... وغيرها»، لكنها ذكرت أنه عند شرح هذه الأعراض للمرضى وأنها جزء من الاضطراب العام تطمئن أنفسهم.