«البليلة» أول نشاط تجاري لأطفال الغربية

تكتسح الأسواق الشعبية وليالي رمضان

باعة البليلة يسجلون أعلى نسبة حضور في ليالي الشهر الفضيل
TT

مع بداية شهر رمضان تتناثر في كافة حواري وشوارع مدن المنطقة الغربية البسطات والأكشاك الصغيرة التي تبيع مأكولات ارتبطت بالشهر الفضيل، حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من تراثه وتقاليده، إلا أن الحضور الأكبر هو ذلك الذي تسجله وجبة (البليلة) الشعبية، التي اعتاد أطفال المنطقة الغربية أن يزاولوا بيعها كأول نشاط تجاري خاص بهم يعلمهم طعم الربح والخسارة.

هذه العادة الصغيرة التي تراجعت أخيرا، لا شأن لها بتحسين الدخل، أو تواضع الطبقة الاجتماعية كما يقول محمد منصور، وهو محامٍ حاصل على مؤهل علمي عالٍ من الولايات المتحدة وله استثماراته المتعددة، ويؤكد محمد أنه يشجع أبناءه وأبناء أخوته الصغار على خوض هذه التجربة التي أمتعته حينما كان صغيراً وعلمته الانضباط ومعنى أن يكون مسؤولاً، بالإضافة إلى أنها إحدى العادات الجميلة التي يجلبها الشهر الفضيل وتحمل في طياتها معنى العطاء والمشاركة.

موقف محمد منصور هو نفسه موقف، أبو رامي وهو طبيب لا يمانع أن يعمل أولاده ببيع البليلة خلال شهر رمضان داخل الحي الذي يعيشون فيه طالما أن هذا لا يشغلهم عن أداء واجباتهم المدرسية، كما أنهم سيتعملون درساً إيجابياً يتضمن بعض الاستقلالية والشعور بالمسؤولية كما يقول، فأخوتي وأصدقائي قاموا بالأمر ذاته في صغرهم ولا أرى ما يمنع أبنائي من القيام به.

الوصفة الأساسية للوجبة الشعبية، بحسب فيصل وهو صبي في منتصف الـ12، تتضمن نقع البليلة (الحمص) لمدة ليلة كاملة، ثم سلقها بالماء المملح، وتتبيلها قبل التقديم مباشرة بالخل والبهارات وبشكل خاص الملح والفلفل الأسود والكمون ومخلل الخيار المتبل بالسماق (الطرشي) لإضفاء نكهة حادة محببة مع البليلة، وهو جهد يتلقى المعونة فيه من طرف أخته ووالدته في كثير من الأحيان.

المهندس خالد بارعيدة، مدير عام علاقات الجمهور بأمانة جدة، من جانبه أكد بأن التقليد الحجازي المتمثل ببيع البليلة أصبح مقنناً ومحاصراً بشروط لا تجعل منه أمراً سهلا كما كان في الماضي، وقال «غالبية البسطات تتمركز في شارع قابل، ومنطقة البلد، ونحن نلحظ فعلا وجودا كثيفا لباعة (البليلة) بشكل خاص من بداية الشهر الفضيل، ثم تتحول هذه البسطات مع نهاية الشهر إلى بيع الحلويات والسكاكر، إلا أن الترخيص لأي بسطة هو أمر في غاية الأهمية ولا يتم التغاضي عنه أبداً».

وأضاف «هناك جولات مكثفة من قبل مفتشي البلدية لمنع ومعاقبة الباعة غير المرخص لهم، وهذا الإجراء يأتي لسلامة المستهلك أولاً وأخيراً، المواقع التي تتمركز فيها البسطات تمنح لعوائل بعينها اعتادت أن تمارس هذا النشاط منذ عقود طويلة، وعلى كل حال فالمواقع محددة من قبل الأمانة، حتى لا يكون هناك أي اشكالات، وفي شارع قابل مثلاً هناك 22 موقعاً لا نرخص لأكثر منها».

وأشار بارعيدة إلى أن هناك قانوناً يحدد السن التي يسمح لها بمزاولة هذا النشاط بعمر الـ30 سنة، وتابع «لكن بالنسبة للأطفال أعتقد بأن هذه العادة انقرضت بالنسبة للأطفال أو هي على وشك، وعلى الأغلب فإن هذه البسطات ترخص للأب أو أحد الأخوة الأكبر سناً ثم يساعدهما الصغار فيها».

وحول الآلية التي تتبعها الأمانة مع الباعة الصغار الباحثين عن دخلهم الخاص الأول من خلال بيعهم (البليلة) قال بارعيدة «إذا صادف مراقبو البلدية أي بسطة لطفل ينظر في استيفائها للشروط، فإذا ما كانت مستوفاة أو معظمها مستوفٍ يتم تصحيح وضعها مع البلدية والترخيص لها، أما إذا كانت في مكان غير مناسب وظروفها سيئة فبالتأكيد تغلق».