شبان مكة يحاربون البطالة بدفع عربات المعتمرين

مهنة أهم مؤهلاتها القوة

شاب يدفع عربة معتمر («الشرق الأوسط»)
TT

يخرج الشاب السعودي شامي محمد يوميا في شهر رمضان من منزله، متوجها إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، قاطعا عشرات الكيلو مترات، دافعا الكرسي المتحرك «العربة» بين الأزقة والطرقات، وأحيانا حسب ما يدخره جيبه قد يستقل التاكسي الذي يرتفع أجره نظرا لازدحام طرقات العاصمة المقدسة في شهر رمضان.

شامي شاب في العقد الثاني من عمره قدم من منطقة عسير، تاركا خلفه مقاعد الدراسة والكتب، ولم يهتم بمشاكل التعليم الجامعي والوظائف والبطالة لأنه يرى ـ كما يقول ـ من حوله من الشباب السعوديين من يدرسون في المعاهد والكليات والجامعات يعملون إلى جانبه في رمضان بوظيفة دفع العربة للمعتمرين وللحجاج في موسم الحج.

يقول «نحن أسرة بسيطة للغاية تتكون من 19 فردا، تحتاج إلى من يساندها من أبنائها، لذلك لم أفكر في إكمال دراستي فآثرت على نفسي بأن ألبي احتياجات أخواتي المدرسية، وجئت إلى بيت الله مع أخي لامتهان مهنة دفع عربة زوار البيت منذ خمس سنوات».

دفع العربة لا تحتاج إلى خبرة وإجادة اللغة الإنجليزية أو لغة الحاسوب، كل ما تحتاجه البنية الجسدية القوية القادرة على تحمل التعب الممزوج بأنين الجوع في نهار رمضان الحار، وألم الأقدام الكادحة من الطواف والسعي لأكثر من 3 مرات في اليوم قاطعة عشرات وعشرات الكيلو مترات «نسترزق طوال اليوم في بيت الله من دفع تلك الكراسي المتحركة، لنحصل على قوت يومنا، وما نستطيع أن ندخره من فائض للزواج».

نظرا لازدحام بيت الله المقدس بالمعتمرين والزوار، فإن أسعار استئجار تلك العربات تختلف كما يقول بندر الزهراني الطالب بإحدى الكليات الصحية، والذي يعمل هو الآخر طوال أيام رمضان بدفع العربة «200 أو 250 ريالاً قيمة العربة للطواف والسعي، ويزيد سعرها في العشر الأواخر لتصل إلى 500 ريال، نظرا للازدحام الشديد الذي يشهده البيت الحرام، فيستغرق منا الطواف نحو 3 ساعات».

وتختلف الحصيلة اليومية من شخص لآخر لتصل أحيانا إلى ألف أو 1500 و2000 ريال في اليوم الواحد، وما أن يخلد الشاب إلى وسادته حتى يغط في سبات عميق، وقد ينسى السحور من شدة التعب والإرهاق، يقول الشاب بندر «مكافئتنا الجامعية تتأخر، واحتاج إلى تسديد فواتير ودفع أقساط الغرفة التي أقيم فيها وغيرها من المصاريف المرهقة، فدفع بعض العربات فـي رمضـان يغنـيـني عن السؤال».

الشاب بندر يشعر بأن بيته هنا في بيت الله، فهو يقضي معظم وقته في الحرم بين الطواف حول الكعبة أو السعي في الصفا والمروة، ممتعا أذنيه بصوت شيوخ الحرم، ويضطر إلى عدم رفع يديه، بينما يدفع العربة حين سماعه دعاء القنوت.

يجلس على تلك العربة «الكرسي المتحرك» والذي يدفعه شامي يوميا عشرات ومئات الأشخاص على اختلاف وجوههم وأجناسهم ولغاتهم، إلا أنهم يرددون جميعهم التهاليل والتكبيرات ويبدأوها بلا اله إلا الله، وينهوها بالصلاة على المصطفى عليه الصلاة والسلام. ويعلق شامي «تعلمت بعض المصطلحات الأجنبية باللغة الإيرانية والتركية والاندونيسية والباكستانية وغيرها من اللغات واللهجات نظرا لاحتكاكي مع المعتمر في مدة تزيد على 3 ساعات».

يقاطع حديثنا أحد المعتمرين ويسأله عن أجر العربة، ليدفع جدته الكبيرة في السن، بينما تهم المرأة في الجلوس يكمل شامي حديثه هامسا «نحن لا نحدد السعر حسب وزن المعتمر، وكما ترين يجلس على الكرسي نساء ورجال وأطفال ومرضى وكبار في السن، وكل منهم لديه حكايات لا يحكوها قدر أنهم يهللون ويسبحون ويستغفرون».

الشباب الواقفون خلف العربات السوداء يزيد عددهم كما اجمعوا جميعهم على 3 آلاف عربة وجميعهم غير مرخص لهم بالعمل في الحرم، وعادة ما يكون عقابهم بحبسهم في السجن لمدة 3 ايام ودفع غرامة للسعوديين، أما غيرهم فيكون نصيبهم الترحيل الى بلادهم، والسبب كما يقول صالح الزهراني مدير إدارة العربة بالحرم المكي «الحرم لا يتسع لهذه الأعداد الكبيرة من العربات، وسائقوها يسببون ازدحاما فوق الازدحام المشاهد في المواسم، لذلك لم نرخص سوى لـ 520 عربة، إضافة إلى وجود 12 ألف عربة عبارة عن وقف في سبيل الله لمن يريدها من الزوار، بعد أن يترك لنا بطاقته الخاصة لنتأكد من إعادتها، وهناك 100 عربة كهربائية لا تحتاج إلى من يدفعها قيمتها 30 ريالا ومخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن».

ويضيف الزهراني بأنه ولأول مرة أطلق مشروع تعظيم بيت الله الحرام رافعا شعار «شباب مكة في خدمتكم» ويقول «المشروع يهدف إلى خدمة زوار البيت بجميع الطرق ومنها تخصيص 60 شابا سعوديا لدفع عربات زوار البيت مجانا أثناء تأديتـهم منـاسـك العمرة من طواف وسـعي».