«تجّار» يغنون على «ليلاهم» وآخرون يطربون لـ «الأرباح»

ما بعد رمضان.. أعياد قوم عند قوم «فوائد»

السوق الشعبي وسط البلد في جدة يكاد يخلو من المتسوقين
TT

يأتي صوته متحشرجا، وهو يردد أغنية قديمة للسيدة فيروز «صار لي شي مية سنة..مشلوح بهالدكان..ضجرت مني الحيطان»، بينما هو يحاول إعادة ترتيب بضاعته المتكدسة بعد نهاية موسم العيد، دون أن يستطيع «تصريفها» بلغة السوق.

أبو عادل، كنيته التي اشتهر بها في أوساط مجاوريه من تجار الأقمشة النسائية في حي البلد، فيما هو يعمل في تجارة الالكترونيات، ولا تزال تلك الساعات الرقمية التي ظهرت في بداية الثمانينات الميلادية تشكل رصيدا متراكما من بضاعته القديمة، أو ما يطلق عليها «الاستوكات»، ويحلم كل عيد أن يبيع ولو جزءا بسيطا منها، دون أن يفكر بالنظر إلى حالة التمدد من جميع الاتجاهات حوله، وكيف أصبح غريبا في سوق معظم مرتاديه من النساء «الكبيرات».

ويصف الرجل الستيني، ـ وهو يصرّ على ألا تلتقط صورته عدسة «الكاميرا»، حاله مع جيش من مندوبي التسويق الذين يحاولون استقطاع مستحقاتهم على دفعات منه، ويكثفون من حضورهم بعد العيد «أصعب شيء عندما تضطر أن تفتح صندوق حفظ المال (الكاشير) ولا تجد سوى عشرات الريالات، بينما يقف المندوب مستعرضا عضلاته القانونية أمامك لاجبارك على الدفع» ويضيف «أمامك بضاعة رأسمالها يقف عند 500 ألف ريال، بينما خرجت من مولد العيد بلا حمص».

على الزاوية الأخرى من السوق، تجلس مجموعة من البائعين في حلقة دائرية، مستغلين ضعف الاقبال على الشراء بعد العيد في تداول الاحاديث التي لم تكن تتسنى لهم طوال الأيام الفائتة، وهم يتحدثون عن أرقام فلكية استطاعوا تحقيقها، فيما يتحفظ آخرون عن ذكر مكاسبهم أو خسائرهم.

نبيل اليافعي، يعمل «قماشا»، يؤكد أن شهر رمضان كان فرصتهم الذهبية في التخلص من البضائع المتراكمة طوال الاشهر الماضية، يقول:» تستطيع أن تدمج البضائع القديمة بالحديثة في حساب الرأسمال، ثم تضع أسعارا منافسة أمام المشترين». ويضيف: «ما تبقى من بضائع هناك تجار متخصصون في «الاستوكات» يتحركون بعد العيد لجمع ما لدى أصحاب المحلات، ثم يبيعونها بطرقهم الخاصة، إما عن طريق الافتراش والمزادات «السريعة»، أو إعادة تسويقها إلى المدن والقرى النائية، خارج جدة».

ويبدو واضحا من تعليقات العاملين في السوق، أن هناك اعتمادا على المواسم السنوية، في تصريف البضائع، وأن الأمر يحتاج لمهارات خاصة في القدرة على الترويج لتلك البضائع، والاستفادة من السيولة الشرائية التي يضخها المواطنون والمقيمون في الدورة الدموية لحركة البيع، فيما تواجه المحلات التي لا تأخذ منتجاتها طابعا «موسميا» كالالكترونيات، والساعات، والاجهزة الكهربائية، صعوبات حقيقية في الاستفادة من حجم السوق في شهر رمضان، بل يعتبر برأي العاملين في المجال أحد أكثر الأشهر صعوبة لهم نتيجة توجه السيولة لحاجيات العيد.

ويخطط أرباب أسر كل عام، للاستفادة من العروض السعرية المخفضة للبضائع بعد انقضاء رمضان، إذ يجمعون على أن أسعار ما بعد العيد تنخفض إلى ما يرونه «الأسعار الحقيقية لتلك السلع وهو ما يغريهم بالشراء»، إلا أن بائعين يشيرون بأن الضغوط التي يواجهونها لتسديد باقي الدفعات المستحقة عليهم، وضعف الاقبال على الشراء بعد العيد يضعهم أمام خيار واحد هو «القبول بمبدأ (المفاصلة) في الاسعار بين البائع والمشتري» وهي المعركة التي على غير العادة يفوز بها المشترون.

غير أن الرابح الأكبر عقب انتهاء «تسونامي» الشراء، وظهور ردات الفعل بعد الزلزال الموسمي الذي يهزّ معظم محافظ الآباء والأمهات، هم مندوبو المبيعات، الذين يحرصون بشكل مكثف على «إقفال» حساباتهم مع التجار بنهاية شهر الصوم، وكحد أقصى بعد يومين أو ثلاثة من العيد، حرصا على تحقيق النسبة السنوية الموعودين بها من شركاتهم، أو ما تسمى بـ«التارقت»، وهو ما يجعل الكثير من التجار يمددون إجازتهم «العيدية» عدة أيام في محاولة لكسب الوقت قبل الدخول من جديد في صراع الأرقام والمفاوضات.