عبد الله العبد الكريم لـ«الشرق الأوسط»: من السهل أن تمتلك أفضل تقنية .. لكن من الصعب أن تمتلك عقلا واعيا يديرها

أول برنامج لرعاية الموظفين «نفسيا» يطلقه بنك في السعودية > 600 موظف وموظفة استفادوا منه ويحتفظ بسرية معالجة مشاكلهم

TT

باقة ورد صباحية لكل موظف وموظفة يصاحبها بطاقة بسيطة تحمل الرقم الهاتفي لمركز الاستشارات النفسية والاجتماعية التابع لبرنامج «روابط»، هكذا كانت البداية اللافتة للنظر والتي حفزت عددا من موظفين وموظفات للاستفسار واستطلاع الأمر حسبما ذكرته «بسمة الجلاجل» الموظفة في بنك البلاد.

كانت هذه إحدى الطرق التي استخدمتها إدارة الموارد البشرية في بنك البلاد للتعريف ببرنامجها المجاني والذي يقدم استشارات إدارية ونفسية متخصصة غير طبية في مجال العلاقات العملية والعلاقات الأسرية والخاص بموظفي وموظفات البنك.

برنامج «روابط» الذي يهدف لإقناع كافة الموظفين دون استثناء على اختلاف مستوياتهم بتقبل فكرة الاستشارات الإدارية والنفسية والتوعية الفكرية، لتطوير المستوى الشخصي للنهوض بالمستوى العام لكامل منظومة العمل داخل البنك.

ويتمثل في تقديم المساعدة في كل ما يتعلق بمشاكل الموظفين المهنية والشخصية وإيجاد حلول للصعوبات التي تعترضهم وتؤثر على أدائهم. كما يقدم البرنامج استشارات مباشرة، واستشارات هاتفية، محاضرات وندوات توعوية وتثقيفية، رسائل إلكترونية إرشادية عبر البريد الالكتروني، ورسائل الـ sms، بالإضافة إلى أن طاقم مركز أبعاد الأفق المتعاون مع برنامج «روابط» يضم فريقا من الاستشاريين والاستشاريات مما سهل الأمر على منتسبي البنك من الجنسين.

ولقياس مدى نجاح الفكرة استخدم بنك البلاد مجموعة من أدوات التقييم المختلفة كمدى التفاعل عبر الرسائل الالكترونية المستلمة من الموظفين، ونتائج الاستبيانات الموزعة على الموظفين، وعدد زيارات الموظفين لمركز الاستشارات النفسية والاجتماعية بالإضافة إلى نسبة تفاعل الموظفين مع البرنامج. وعن تجربة الاستشارات النفسية والإدارية في بيئة العمل ذكر لـ«الشرق الأوسط» عبد الله العبد الكريم المشرف العام على مركز أبعاد الأفق والمتخصص بالتخطيط الاستراتيجي أنهم وبالتعاون مع مؤسسة Happiness In Life البريطانية قاموا بدراسة مسحية عن أثر الاستشارات النفسية والاجتماعية في هذا المجال، بالإضافة إلى قياس التجارب السابقة خارج السعودية، وبتتبع النتائج لفت نظرهم ارتفاع الأرباح وإيجابية بيئة العمل. وأشار الى أن مشاكل العمل والغياب المتكرر تحكمه الظروف النفسية التي تعترض الموظف والتي تحتاج لرعاية والتفات، ومن خلال عمله في عدة مؤسسات على مستوى العالم العربي أوضح أن أغلبها تركز على الرواتب والتأمين الصحي مقابل إهمال للجانب النفسي للموظف.

وعن حداثة الفكرة في السعودية ذكر العبد الكريم أن وجود فكرة استشارات نفسية في المجتمع السعودي من أصعب الأمور لأن مفهوم الاستشارة النفسية بحد ذاته لدى الناس سواء كان شركات أو أفرادا يركز بالدرجة الأولى على أنها قضية محرجة وقضية تمس الإنسان ووجوده في أسرته وفي المجتمع، كما أن ثقافة الاستشارات النفسية ضعيفة في مجتمعاتنا وكثيراً ما يخلط بينها وبين العلاج النفسي، عدا أنه من الصعب جداً تطبيق أفكار جديدة على المجتمع بدون تأهيل، وبالحديث عن برنامج روابط نستطيع القول انه لا توجد أي شركة عربية تستعين بالاستشارات الاجتماعية النفسية والإدارية مع موظفيها حتى الآن، وفي الوقت الذي اشغلتنا هذه الفكرة وبحثاً عن جواب لتساؤل يستغرب هذا التقصير في الاهتمام بالجانب النفسي للموظف كان اللقاء مع بنك البلاد الذي كان يسعى في المقابل لبرنامج رعاية لموظفيه نفسيا، وبذلك انطلق البرنامج منذ السنة والنصف، ولاقى نجاحاً كبيراً، وأظهر تأثيرا إيجابيا على أداء الموظفين وأوضح أن البرنامج بدأ بعدد ضئيل بينما وصل حتى الآن إلى 600 موظف وموظفة.

وبالحديث عن السرية وحجم تدخل الإدارة في حل مشاكل الموظف أوضح العبد الكريم أن هناك اتفاقية ما بين المركز والبنك تقتضي احترام مبدأ السرية، كما أن إدارة البنك تهتم بالدرجة الأولى بحجم استفادة الموظف وليس بهويته وهذا يتم عن طريق تقارير متبادلة تعطي مؤشرات عامة كالعدد ونوع الحالات وتلك لا تستلزم كسر السرية، غير أن هناك بعض المشاكل التي تتطلب تدخلا من الإدارة لحلها وفي هذه الحالة بعد أخذ موافقة الموظف تجرى ترتيبات للشروع في الحل كما تعقد اجتماعات في البنك عادة للنظر في التقارير واعتماد التغييرات اللازمة.

ورداً على سؤال ما مدى تقبل الموظفات لهذه الخدمة وتصريحهم بالاستفادة منها ذكرت بسمة الجلاجل الموظفة في البنك لـ «الشرق الأوسط» أن هذه الخدمة مفيدة وتتطلب متابعة من الموظف نفسه ومداومة لكي يصل لمبتغاه، وأضافت أن تفهم فكرة الاستشارات شائع لدى الموظفات، ويتحدثن عنه بل ويصرحن به بشكل طبيعي فهو موضوع من المفترض تقبله كوجع السن أو البطن. وأضافت أن الاسترخاء وتمارين التنفس كانت ذات مردود إيجابي واضح جداً على المنزل وفي العمل. وعن حجم التغييرات التي يطبقها البنك بناء على التقارير الواردة من مركز الاستشارات أوضح شهاب الدين رجائي مستشار التدريب في إدارة الموارد البشرية أن التقارير تؤخذ على محمل الجد وبمناقشة الإدارة يتم تطبيقها ومن أمثلة ذلك حالة موظف عانى من مشكلة في عمله وبدراسة وضعه مع المركز الاستشاري اتضح أن لديه الابداع والقدرة على الإنجاز غير أن حل مشكلته يقتضي تغييرا ونقلا يناسبه لإدارة أخرى وبالفعل وبموافقته ومتابعة وضعه في الإدارة الأخرى اتضح أنه تغير بشكل إيجابي وملموس وكان أكثر راحة وأقدر على الانجاز. بينما ذكر العبد الكريم أن بعض تقارير المركز أوصت بدورات تدريبية لبعض الموظفين وقام البنك بتنفيذها وفقاً للتوصيات، وأضاف أن 90 في المائة من الحالات كانت ناجحة وأن تفريغ المضغوط النفسي والحصول على توجيهات علمية مع ممارسة تكنيك مناسب كفيل بأن يحسن نفسية وأداء الموظف. وفيما يخص الاستشارات الإدارية والتي وصفها البرنامج بالاستشارة المحايدة وأنها مشورة علمية متخصصة تقدم للموظف خارج أسوار المنشأة التي يعمل فيها.وترتكز هذه الاستشارات على معالجة المشاكل العملية التي يعاني منها الموظف في إدارة عمله أو إدارة علاقته بمرؤوسيه أو بنظرائه. وتستهدف الاستشارات الإدارية إيجاد حلول سريعة ومؤقتة تساعد الموظف على التكيف الإيجابي مع بيئة العمل. أوضح العبد الكريم أن الموظف تكوين نفسي وكثيراً ما يصطدم بقضايا إدارية أو خلافات مع المدير والزملاء، وربما يكون غير مقتنع ببيئة العمل،فيلجأ للاستشارة والتي تتخذ عدة وسائل لمساعدته وكثيراً ما تكتشف أن منبع المشكلة يكون مختلفاً عما توقعه الموظف وحينها يتم تقديم جرعات توعوية بكيفية التعامل مع المشكلة ومساعدته بتحديد أهدافه ومتابعته إلى الوصول لنتيجة.وأضاف أن بعض مشاكل الموظفين من قلق وتوتر أو اكتئاب تكون ناجمة عن أسباب أسرية حينها نحوله على الاستشارات الأسرية مع متابعة مع الاستشارات الإدارية إلى أن يجتاز مشكلته. وعن مستقبل انتشار ثقافة الاستشارات النفسية للموظفين أكد العبد الكريم أن المرحلة القادمة مرحلة شديدة التنافس، ولابد من الالتفات لنفسية الموظف، والتعاون مع إحدى المؤسسات الاستشارية المحايدة بحكم أنها تنظر للموضوع من الخارج وبعيداً عن توتر الموظف والمدير وضغط العمل. كما أن وجود جهة خارج الدائرة تعطي مصداقية، وتمنح اهتماما أكبر بالموظف.