الطوابع البريدية.. رائحة «حنين» وتاريخ «شعوب» وأوجاع «غربة»

في حفل رسمي تلصق نفسها فيه من جديد

TT

عندما يمرر «مغترب» على وجه الأرض شيئا من «لعابه» على ظهر «طابع بريدي» يسافر برسالته إلى مكان قصي في العالم إلى «حبيبته» أو «عائلته» أو «صديق له» فهو يلصق ذكرياته وأفراحه وأوجاعه، ليبقى ذلك الطابع البريدي، شاهدا على مرحلة ما من حياة الانسان، وهو بذلك يكتنز أهميته في أن يحتفظ به الناس في «خزائنهم الخاصة» ويتوارثونه جيلا عن جيل.

وحينما يفتتح مسؤول حكومي سعودي، الأحد المقبل، معرضا خليجيا للطوابع يقام في جدة، حتما سيكون بين الحضور من ينسلون من ذاكرة الزمن، أولئك الذين يسمونهم «هواة جمع الطوابع» الذين ما زالوا يحتفظون بهوايتهم تلك، ويؤسسون منتدياتهم الخاصة من أجلها، سواء على الواقع، أو عبر الشبكة الالكترونية.

ويحتفظ عادل باسالم، وهو شاب يدرس الهندسة الكهربائية، ويهوى جمع الطوابع أكثر من 20 ألف طابع بريدي، يتذكر قصته معها: «كان خالي هاويا كبيرا.. تعلمت منه كيف أبني صداقات مع الناس والطوابع.. دفعت من مصروفي الشخصي الكثير، لكني أمتلك أصدقاء لا يقدرون بثمن».

ويتميز هواة جمع الطوابع بذاكرة حديدة، يقول باسالم «ربما لو حالفني الحظ ورشحت لبرنامج من سيربح المليون.. سأكون فائزا»، مضيفا بزهو يعادل ثروته البريدية «لا يستطيع التاريخ أن يعبر من دون أن يضع قدمه على طابع بريدي».

وتشير المعلومات الرسمية، إلى أن أول طابع بريدي سعودي كان قبل نحو 85 عاما، وحاليا تطبع الطوابع السعودية، داخليا، لما لهذا الأمر من قيمة وأهمية تتعلق بالسيادة الوطنية، في وقت تجد فيه طوابع تاريخية، تعود لأيام «السلطنة النجدية» و«الحكومة الحجازية»، فيما تحفل الصحف الاعلانية، بنشرات عن طوابع للبيع أو التبادل، وهناك أحاديث عن أرقام فلكية يدفعها أشخاص يجدون فيها «عشقا» و«استثمارا» مربحا على المدى الطويل.

وكانت مؤسسة البريد السعودي، طرحت أكثر من طابع بريدي له دلالاته الخاصة، كطرح «أول طابع بريدي» عن حقوق الانسان،من أجل نشر ثقافة حقوق الإنسان في البلاد، واظهار اهتمام السعودية بهذا الجانب على المستوى العالمي. كذلك دخلت المرأة السعودية في المشهد «البريدي» بتخصيص طابع لها تحت اسم «مشاركة المرأة في المجالات العلمية» وهي رسالة مهمة لابراز دور المرأة السعودية وحجم مشاركتها الفاعلة في صناعة المجتمع.

ورغم أن ثقافة تشجيع «الهوايات» داخل المجتمع السعودي، لا تأخذ حيزا كبيرا من اهتمامات الأسر تجاه أبنائها، غير أن الدعم المؤسساتي لهواية «جمع الطوابع» وتأسيس جمعية سعودية لهذا الغرض، منح النبض والحياة في جسد هذه الهواية التي لم تفقد بريقها مع الزمن، وإن كان دخل على الخط بعض التغييرات في اهتمامات هواة جمع الطوابع، حيث أصبحت «بطاقات الاتصال مسبقة الدفع» التي تنتجها شركات الاتصال في العالم، منافسا قويا لـ «الطوابع التقليدية»، ويدل على ذلك حجم الاعلانات المتداولة بين المهتمين من كل دول العالم، وإن كان البعض يرى أن شركات الاتصالات في الدول العربية لا تزال متأخرة عن نظيراتها العالمية في الاستفادة من واجهات تلك البطاقات لإثراء القيمة الثقافية والاجتماعية للبلدان التي تمتد شبكاتها على كل تضاريسها الجغرافية.