أطفال معاقون ينتجون لوحات فنية تباع بملايين الريالات

«نحن هنا».. صرخة للفت أنظار المجتمع السعودي

لوحة فنية من قصاصات الصحف
TT

لم تكن لوحة واحدة، ولسيت ريشة واحدة، زينت جدران البهو الانيق الذي يتوسط مبنى جمعية الاطفال المعوقين بمدينة جدة، بل هي مجموعة من الابداع الجمعي الذي يخلق حالة من التماهي بسبب طبيعة المكان، ولخصوصية انسان المكان.

قراءة اللوحات تترك طعما خاصا في ذهنية القارئ اذا استصحب رؤية الزهرات والفتيان الصغار يضربون بالفرشاة على سطح اللوحة تسبقهم الضحكات ممزوجة بدهشة منتظرة للحظة مخاض، وارهاص عبقري من ايادي معاقة تخرج لوحة تبحث عن اسم يضاف الى سلسلة ابداعات لا تخطئها العين على جدران المكان.

مجموعة لوحات استخدمت فيها طرق حديثة تتواكب ومقدرات هؤلاء الصغار، جاءت نتاجا لعمليات سكب الالوان او الضرب بالفرشاة، وهي الطرق التي اعتمدتها الفنانة التشكيلية نجلاء الرسول المشرفة على ابداع الاطفال في جمعية الاطفال المعاقين في جدة.

تأخذنا الرسول في جولة على اللوحات المعروضة على جدران البهو الواسع، ثم تختار احداها وتقول «هذه اللوحة اسمها (تتش استاندرد) رسمها الاطفال بشكل جماعي شارك فيها نحو 180 طفلا وطفلة، وخطوطها مكونة من ضربات الاسفنج التي يستخدمها الاطفال المعاقون، ويلاحظ فيها الانسيابية من الفاتح الى الغامق، وتعتمد على ان يضع الاطفال الدوائر وهذا هو الاسلوب الذي اتبعه معهم».

وتواصل «في كثير من الاحيان نمسك بايادي الاطفال ونوجهها مع اولئك غير القادرين، بينما يستخدم القادرون اناملهم في اخراج فكرة العمل الفني، ثم يأتي دورنا في تشطيب العمل النهائي للوحة». ملامسة جمال اللوحات من قبل العالم المحيط لهؤلاء الاطفال يتم عبر العديد من الفعاليات، تبينه التشكيلية نجلاء، وهي حاصلة على درجة الماجستير في نظم المعلومات التطبيقية من الاكاديمية العربية للعلوم والتكنلوجيا والنقل البحري بالاسكندرية بقولها، «نعرض اعمال الاطفال في العديد من المزادات والمعارض مثل مزاد لون حياتهم، الذي تقيمه الجمعية سنويا، تجمع فيه اللوحات التي تصنع بايادي الاطفال، وتعرض في المزاد الذي يتشرفه بالحضور شخصيات كبيرة في المجتمع من الرجال والسيدات، حيث يرون باعينهم ما يصنعه الاطفال المعاقون مباشرة، والحقيقة أن الكثير من الناس لا يصدق ما يقوم به الصغار هنا من عمل مبدع وخلاق من خلال الورشة التي يعمل بها الاطفال داخل الجمعية، وخلال كل معرض نقدم الدعوة للناس ليأتوا ويشاهدوا الاطفال وهم يعملون داخل الورشة».

وترى الرسول ان مبدأ الاعمال الفنية لدى هؤلاء الصغار يعتمد على الحرية في الاختيار والعمل، خاصة في اللوحات الكبيرة، وتشير الى لوحة بحرية قالت انها شاركت في مهرجان ابحر، وتكونت من جمع عدد من الكائنات البحرية حرص كل طفل على احضار كائن بحري يتم دمجها فتحولت الى عمل فني مدهش وجاذب للعين.

وتصف مشاعر الاطفال ابان صناعة اللوحات وبعد اكتمالها بقولها «اعتبر شخصيا ان اللوحات المصنوعة هنا اعمال مدهشة، خاصة للشخص الذي يعيش مع العمل الفني قبل اكتماله، والجميل في الامر ان الاطفال انفسهم يعيشون سعادة غامرة وهم يعملون في جماعة وتزداد سعادتهم عند اكتمال العمل ويفرحون به قبل غيرهم، ورغم صغر حجم الورشة التي نعمل بها الا انها تنتج اعمالا رائعة بايدي هؤلاء الصغار».

وتواصل «انتجنا لوحات بيعت في مزادات وشاركنا في العديد من المعارض، فمثلا هذه اللوحة البورتوريه مكتوب عليها (نحن هنا) بشكل جميل، تحمل رسالة الى المجتمع، ويتم البيع في المزادات لصالح جمعية الاطفال المعاقين وهي احد مصادر الدخل، وهناك لوحات حققت مبالغ كبيرة من بيعها، فمثلا إحدى الشركات دفعت مقابل لوحة مليون ريال، واسعار اللوحات تتفاوت وتبدأ من خمسة آلاف حتى المليون، وهي كلها اعمال خيرية، وفي هذا الاطار فكرنا في ان نحول العمل الخيري الى عمل فني جذاب، ويبقى كل ذلك للفت انظار المجتمع بضرورة الاهتمام بهذه الشريحة التي تنادي بقولها ( نحن هنا)».