الأحساء تشيّع شيخ أدبائها عبد الله الملا

صاحب مكتبة التعاون الثقافي التي خدمت الأدب 60 عاما

TT

فقدت الأحساء أول من أمس الشيخ عبد الله الملا أحد أهم المؤثرين في ثقافة وأدب أبناء الأحساء على مدى أكثر من 60 عاما من خلال مكتبته «مكتبة التعاون الثقافي».

والشيخ «الملا» الذي شيعته الأحساء أول من أمس عن عمر ناهز 100 عام أول من أسس مكتبة تجارية عام 1942، وهو أحد الرموز الثقافية المؤثرة في حياة الكثير من أبناء الأحساء.

في عام 1945 عاد من الهند حاملا شهادة البكالوريوس من جامعة «دار العلوم بديوبند»، فاتجه إلى التدريس في البحرين قبل افتتاح المدارس في الأحساء، وبعد افتتاح «مدرسة الهفوف الأولى» في الأحساء قام بالتدريس لثلاث سنوات، وكان من زملائه المدرسين في تلك المدرسة العلامة الشيخ حمد الجاسر يرحمه الله، ولشدة ولعه بكتب التراث وتعلّقه بالثقافة تفرغ لإنشاء مكتبة تجارية خاصة بدأت في سوق القيصرية في مساحة لا تتجاوز مترين في ثلاثة أمتار، وقد أخذ الحماس عدداً من أصدقائه «الذين كانوا تلامذته في مدرسة الهفوف الأولى» في المساهمة بدفع مسيرة المكتبة وتقويتها، وذلك بالمساهمة المالية حسب مقدرة الشخص، حيث كان الاشتراك بين 50 إلى 100ريال، ومن هنا أخذت اسمها «التعاون الثقافي» واستمر دفع الاشتراك بشكل سنوي لثلاثة أعوام، إلا أن العدد تناقص بعد أن رأوا أن المكتبة ليست مشروعا تجاريا مربحا، فقام الشيخ عبد الله بشراء أسهمهم في المكتبة، إلى أن أصبحت ملكه الشخصي في عام 1948.

ولم يكن الشيخ عبد الله مجرد صاحب مكتبة فقد كان يقدم النصح والتوجيه لأساتذة وطلبة الجامعة الذين يقومون بالبحوث الجامعية، فقد كان يكفي لصاحب البحث أن يذكر عنوان بحثه فيقوم الشيخ عبد الله مباشرة بذكر أو اقتراح أسماء الكتب التي تفيده في بحثه مختصرا بذلك الوقت وعناء البحث على الباحث، وبالإضافة إلى ذلك فقد كان للمكتبة اهتمام بنشر الثقافة والمعرفة، فقد قامت المكتبة على حسابها بطباعة ونشر كتاب للشاعر «ابن المقرب العيوني» تحقيق عبد الفتاح الحلو عام 1963، ونشر كتاب «تاريخ هجر» للمؤرخ عبد الرحمن الملا عام 1990، ولم تتوقف تلك الحركة، بل ما زالت مستمرة حتى اليوم، وقريبا تم نشر كتاب «شرح شمائل الترمذي» للشيخ أبو بكر الملا. ويشير أحد الذين كان للمكتبة تأثير في مسيرة حياتهم العلمية والعملية وهو الدكتور محمد عبد اللطيف الملحم، عميد كلية التجارة بجامعة الرياض 1973 ووزير الدولة في عام 1975، في كتابه «كانت أشبه بالجامعة» إلى الدور الذي قام به معتمد وزارة المعارف آنذاك عبد العزيز منصور التركي في تشجيع مؤسس المكتبة، حيث كان يساعده في تجميع قوائم الكتب التي كان من الضروري أن تقتنيها المكتبة، خاصة وأنه كان يتم تأمين بعض الكتب لمدارس الأحساء من هذه المكتبة، فقد كانت تضم كتبا متنوعة في الدين والأدب والتراث والتاريخ والجغرافيا والعلوم، ويصوّر الدكتور الملحم التأثير الثقافي للمكتبة على أبناء الأحساء، فيقول: «إن المكتبة كانت تعج بمحبي الثقافة، وبعض موظفي الدوائر الحكومية وبالأخص «مالية الأحساء» التي كان موظفوها آنذاك يعملون على فترتين، وكذلك طلاب مدرسة الأحساء ومدرسيها، فكانت تدور المعارك الأدبية بين المشترين من طلاب المدرسة وبعض موظفي «مالية الأحساء» و«العدل» و«المحكمة» الذين كانوا يتوافدون على المكتبة بعد انتهاء الدوام الرسمي في فترة العصر، ولقد بلغ حرص بعض الطلبة على اقتناء المجلات أنهم كانوا يذهبون إلى «مطار الأحساء» الذي يقع على مسافة بعيدة عن وسط الهفوف، ليتأكدوا بأنفسهم من وصول طرود الكتب والمجلات».

ويصف الكاتب المعروف عبد الله الشباط ما كان يقوم به عبد الله الملا من تضحية في سبيل توفير الكتب، يقول الشباط في مقالة صحافية: «مضى نصف قرن وهو يسافر إلى الهند والقاهرة وبيروت ومكة والرياض يختار الأوعية الجيدة المليئة بالمعرفة والثقافة، وخلاصة الفكر ليقدمها لنا ولأبنائنا دون ملل، ولم يكن ذلك العمل وسيلة من وسائل الإثراء بقدر ما هو وسيلة للخدمة العامة».

ويمكن أن نذكر بعض الأسماء التي كان للمكتبة دور في تشكيّل وعيهم الثقافي والأدبي والعلمي من خلال ما توفره من كتب ومجلات منذ الأربعينيات الميلادية: الشيخ حمد الجاسر والشيخ محمد بن عبد الرحمن آل اسماعيل مدير أوقاف الاحساء والمؤرخ عبد الرحمن عثمان الملا والمؤرخ الشيخ جواد الرمضان والدكتور راشد عبد العزيز آل مبارك عميد الدراسات العليا بجامعة الملك سعود عام1977 وعبد المحسن حمد المنقور وعبد الله عبد الرحمن الباز وعبد الله محمد بونهية وإبراهيم الحسيني، وغيرهم الكثير.