«الريف السعودي».. مسافة طويلة بين «الحلم» و«الحقيقة»

يراها مسؤولو السياحة «قريبة» ويراها الناس «بعيدة»

TT

في أدب الرحلات، تسمع وتقرأ وتشاهد، تلك الحكايات والقصص والمشاهد، للريف «الفرنسي» أو «الانجليزي»، وتتعاطى معها إما بـ «تنهيدة» لأنك تحلم أن تذهب وعائلتك الصغيرة، لتلك الأرياف، بعيدا عن جدولك اليومي، في الصحو متثاقلا، أو تناول وجبة سريعة مشبعة بالدهون، أو ذلك الجلوس الطويل أمام شاشة جهازك المحمول متداولا محفظتك الصغيرة من الأسهم، خائفا عليها من «الهوامير» وهي تعني لك «تحويشة عمرك».

يتشابه السعوديون كثيرا في نمط حياتهم السلوكي والاجتماعي، حتى في أحلامهم، ووجهاتهم، وأجندتهم اليومية. إلا أنهم يتشابهون أكثر في أن «أريافهم» المتناثرة وغير «المستغلة» على امتداد النسيج الجغرافي للبلاد، تمثل لهم رمزا لأصالتهم ومسقط رؤوسهم، وبواكير طفولتهم، التي ما يلبثون أن يهجروها، خلف مطالع نجوم المستقبل، والانكفاء في أحضان المدينة.

ويرى مواطنون، أن اتجاه هيئة السياحة في السعودية لتبني مفهوم «السياحة البيئية» هي دعوة مفتوحة لإعادة ترتيب تلك الدور، التي تركها أهلها تواجه مصيرها مع عوامل التعرية والزمن، رغم أنها تشكل ثروة سياحية فيما لو أعد لها بشكل جيد، أن تتحول من «عبء» تفرضه قيم المجتمع، من أن التفريط أو المساس بها، يمس تلك التجمعات البشرية الصغيرة، لتصبح «قيمة» مضافة تجتذب السياح والنقود والتمازج الحضاري.

وكان الكاتب السعودي، الدكتور علي الموسى قد انتقد قبل يومين البرامج السياحية في المناطق الريفية مستشهدا بمدينة محائل عسير (جنوب غرب البلاد)، قائلا في مقال منشور له أمس الاول، «البرامج السياحية المختلفة بها أزمة اختصاص في إدارة برامج العمل السياحي. ومن وجهة نظري فقد آن الأوان أن نرفع الغطاء الحكومي الرسمي عن إدارة المهرجانات السياحية لصالح القطاع الخاص، لأننا نشغل الإدارات الحكومية عن عملها الفعلي الأصلي بينما المستفيد من البرامج السياحية هم أهل الاستثمار والمال، وهم الذين يجب أن يشجعوا برامج العمل السياحي إن أرادوا مزيداً من التدفق».

وتابع «ان البرامج السياحية، هي استكشاف من قبل السائح لطبيعة المكان ولثقافة أهله ونمط حياتهم وموروثهم الشعبي» وهي التصورات التي أكدها الموسى في اتصال هاتفي لـ «الشرق الأوسط»، من أن الوضع الحالي يتطلب بناء جيل سياحي واعد، وأن توجه البرامج السياحية للنشء في المدارس تحت منظمة «اكتشف وطنك»، مشيرا إلى أن نجاح تجربة «السياحة الريفية» مقرون بوجود تخطيط ريفي، وأن يكتشف الناس أنفسهم أمام العالم عبر برامج تسويقية مربحة بعيدة عن العمل «التطوعي»، لإثراء التجربة وخلق تنافسية بين الارياف القادرة مناخيا على اجتذاب السياح. مؤكدا أن ليس كل بيئة «ريفية» يمكن صناعة سياحة بيئية فيها.

واستشهد الموسى بصعوبة تطبيق البرامج الريفية قبل أن تتغير ثقافة المجتمع، نحو مفهوم السياحة، مستدلا بمفاهيم «الضيافة المجانية» التي لا تزال تحكم العلاقات الانسانية بين المقبلين من المدن وأهل الريف، وغياب البرامج السياحية من المستثمرين أنفسهم في تلك الارياف والمدن الصغيرة، وهو الأمر الذي دعا إليه الموسى بالاشارة إلى كونه «ابن منطقة ريفية ويعرف كيف تسير الأمور».