البلاي ستيشن.. لعبة الكبار والصغار

TT

ما الذي يجعل إنساناً بالغاً يفضل قضاء أوقاته في عالم خيالي مفترض بدلاً من الانخراط في واقعه المعاش والاستمتاع بما يتيحه الواقع الحي؟ الإجابة عن هذا السؤال بالضبط تحمل الكثير من الأجوبة حول نشاط سوق الألعاب الإلكترونية وألعاب البلاي ستيشن وانتشارها بشكل لافت ليس في أوساط الأطفال والمراهقين فقط، ولكن حتى بالنسبة لأولئك الذين اقتربوا من خريف العمر بحسب ما يوضح الأخصائي الاجتماعي فواز الجهني.

البلاي ستيشن، رغم انتشاره كلعبة رائجة في أوساط الفتيان والشبان في جميع أرجاء العالم، إلا أنه في السعودية اتخذ شكلاً أكثر خصوصية، فأصبح ركناً أساسياً لتجهيز أي مقهى يرتاده الكبار قبل الصغار، إضافة إلى كونه تفصيلاً مهماً لا غنى عنه في حجرة أي طفل سعودي، وبغض الطرف عن طبيعة المحتوى ونسبة العنف فيه ـ وهي مشكلة ذات بعد عالمي كما يقول الجهني ـ إلا أن التعامل مع هذه اللعبة كعنصر أساسي لتزجية الوقت هو أمر واقعي لا مفر منه. حمزة محمد حمزة (36 عاماً) تربوي، وأب لثلاثة أطفال، يمارس هوايته في لعب البلاي ستيشن من آن لآخر مع أصدقائه، لكنه يحرص أكثر على أن يشارك أبناءه هوسهم، وربما سمتهم الرجولية المميزة الجديدة، بعد أن أصبحت لعبة البلاي ستيشن شأناً رجالياً كالمقاهي. ويؤكد حمزة بأن الفكرة الأساسية لهذه الألعاب ليست خاطئة، ولكنه يحمل الأهالي مسؤولية التعاطي السيئ مع الأساليب الحديثة من الترفيه البريء في غالبية الأحوال، ويقول "شخصياً، أجد هذه اللعبة أداة ممتازة للتعليم ورفع القدرة الذهنية لدى الأطفال، لكن المشكلة تكمن في أن الأهالي يستخدمونها كوسيلة للخلاص من مراقبة أطفالهم ومتابعتهم، فيتركونهم منزويين في ركن من المنزل بهدوء مع أي لعبة طالما أنها تملأ وقتهم وتحصرهم في مكان معين، يطمئن الأهل إلى وجود الطفل فيه، ويغفلون المحتوى الذي تبعثه بعض الألعاب وتأثيرها على أذهان أطفالهم».

ويضيف «الأمر الآخر هو أن هذه اللعبة صممت في الأساس لتكون لعبة جماعية ليتفاعل الطفل مع أهله وأصدقائه وزملائه، والذي يحصل معنا يختلف تماما عن هذا، فهي تستخدم لدينا بطريقة تكرس الانعزالية بدلا من حس المشاركة، لدرجة أنه قد يكون هناك طفلان في منزل، كل منهما يرغب في الحصول على جهاز تلفاز خاص ليلعب وحده»..

إلا أن الخطأ الأكبر والذي يعترض عليه حمزة وغيره من محبي البلاي ستيشن الكبار هو انتشار الألعاب في السوق السعودية وبيعها من دون ان تخضع للرقابة، ومن دون التنبه للفئات العمرية التي يجب أن تباع لها كل لعبة، لاسيما النسخ غير الأصلية، وهي توصل رسالة مبطنة للأجيال الجديدة، بأنك تستطيع الحصول على ما تريده من دون أن تدفع ثمنه، ويمكنك سرقة أفكار الآخرين واستخدامها ببساطة من دون أدنى مسؤولية أخلاقية..

إقبال الكبار قبل الصغار على الألعاب الافتراضية، له مبرر قوي من وجهة نظر حمزة الذي يؤكد بأن عدم اختبار فرص الحياة الواقعية للطفل هو السبب الذي يدفعه إلى محاولة ممارسة أحلامه وتطلعاته من خلال متنفس آخر ولو كان لعبة إلكترونية يتعلق بصره بها على شاشة تلفاز وتنتهي بمجرد إغلاقها، فالأطفال في كل دول العالم يعيشون حياة واقعية عمل، وجهد، وإنجازات، في أوقات فراغهم يعملون ويتعلمون الأشياء جديدة، أما لدينا فالأطفال مخدومون طوال الـ 24 ساعة، فعندما يأتي الطفل لتقضية أوقات فراغه ليس لديه ما يفعله فيملأ وقت فراغه بكل ما لا يستطيع الحصول عليه في الحياة الواقعية عن طريق تعويضه بالبلاي ستيشن، وهو الدافع للجيل الأكبر سناً والذي بدأ رحلة إدمانه عليه منذ نعومة أظفاره وأصبحت بالنسبة له مسألة إدمان وإشباع، وهو ما يؤكده الجهني.

ما يفضله الصغار ـ كما يقول بائع بأحد محلات الألعاب الإلكترونية ـ هو الألعاب العنيفة التي تزخر بالصراع والمنافسة السافرة، المليئة بالدماء، والحوادث، كسباقات السيارات، والرياضات العنيفة كالمصارعة والكيك بوكسينغ، ولعبة كرة القدم، أما الكبار، فإضافة إلى ما سبق، تجذبهم أيضا بعض الألعاب الفكرية الهادفة التي تنمي الذكاء عن طريق حل الكثير من الألغاز والتفكير فيها ومناقشتها، وإن كانت أقل شيوعاً من غيرها، إضافة إلى أن معظم الألعاب تستمد شهرتها من أفلام سينمائية تقتبس عنها وأحياناً يتم إصدار الاثنين متزامنين.

وإذا كان الآلاف من الشبان والأطفال الذكور في مقتبل العمر يقبلون على هذه اللعبة لممارسة نوع من الحرية، وإخراج بعض الأحلام الصعبة التنفيذ إلى حيز الواقع الافتراضي، فإن الفتيات لا يشاركن الشبان هذا الهوس الذي يمتد إلى ساعات طويلة تصل إلى أكثر من 8 ساعات يومياً وبمتوسط 4 ساعات في معظم الحالات، ربما لأن الفتيات أكثر واقعية أو ربما لأنهن أكثر رومانسية بحيث لا تستهويهن جرعة العنف الزائد في معظم الألعاب الإلكترونية.

وعلى الرغم من الحملات الشعواء التي يشنها مناهضو لعبة البلاي ستيشن وتحميلهم إياها وزر تدمير عقول الأطفال، وتعويدهم على العنف من خلال ألعاب تعتمد على تكريس مبدأ العنف والقوة في تحقيق الذات والانتصارات، إلى جانب تحميلها مسؤولية بعض الأعراض الجانبية الأخرى الضارة كالتأخر الدراسي، والانطوائية والعزلة اللتين يكرسهما بقاء الطفل لساعات طويلة متسمراً أمام شاشة التلفاز وبعيداً عن أي نوع من أنواع التواصل الإنساني المباشر، والانفعالات القوية لا سيما نوبات الغضب الشديدة، إلا أنها تبقى حجراً أساسياً وركناً مهماً في تسلية الشبان البريئة لا يمكن التخلص منه بسهولة إضافة إلى كونها إحدى هبات العصر الحديث ونعمه في أعين الكثير من الشبان والمراهقين.