«بريدة».. مدينة بلا سيارات أجرة

وزارة النقل: الاختفاء عائد للمواطنين الذين قد يعيقهم شرط سعودة السائقين

TT

لا تتعجب حين تنزل في مطار القصيم من اختفاء سيارات الأجرة، فالمطار الواقع جنوب غرب مدينة بريدة التي تعد ثاني أهم مدن المنطقة الوسطى بعد العاصمة الرياض، هو في مدينة تخلو تماماً من سيارات الأجرة، رغم ما تمثله بريدة كعاصمة إدارية لمنطقة القصيم وشريانها النابض، ومع كثرة المشاريع التنموية الضخمة التي تشهدها بريدة خلال السنوات الأخيرة.

أصبح اختفاء سيارات الأجرة بمثابة العلامة الفارقة داخل مدينة بريدة التي تعايش انفتاحاً ملحوظاً على باقي المدن والمحافظات المجاورة، وهو ما يجعل غياب هذه الوسيلة التقليدية للتنقل أمراً غريباً ولافتاً لانتباه الزوار، خاصةً مع التوجه لجعل مدينة بريدة قبلة السياحة في المنطقة الوسطى ومع الاستعداد السنوي لمهرجان بريدة الترويحي ومقومات الطبيعة والجو المعتدل التي تستقطب الكثير من الزوار والسياح.

يضاف إلى ذلك التوسع العمراني الذي تشهده مدينة بريدة في الفترة الأخيرة، حيث تمددت مساحتها لتصل إلى حوالي 600 كيلومتر مربع، أي ما يعادل نصف مساحة مدينة الرياض، في حين أن عدد سكانها بلغ أكثر من نصف مليون نسمة، والذين تعودوا على تفهم مشكلة أي عابر يقف على الطرقات لطلب المساعدة في نقله عبر إحدى سيارات المواطنين الخاصة نظراً لعلمهم بعدم وجود وسيلة بديلة للتنقل داخل المدينة المكتظة بالسكان.

ولا يشكل اختفاء سيارات الأجرة عن خارطة شوارع عاصمة القصيم أزمة لزوارها ومرتاديها فقط، بل يشمل أيضاً سكانها، كما يقول سلمان المطوع، موظف في مركز التأهيل النفسي ببريدة، الذي يضيف بأن وجود سيارات الأجرة سيغني عن الوقوف الدائم على الأرصفة لدقائق طويلة أو مواصلة المشوار مشياً على الأقدام في حال لم يتكرم أحد من المارة بإركاب العابرين وإنزالهم إلى أي نقطة في الطريق، وهو ما يصفه بالمعاناة التي جربها هو وغيره مئات المرات.

وحول دور وزارة النقل في ظاهرة غياب سيارات الأجرة، أوضح المهندس ناصر الوهيبي، نائب مدير فرع وزارة النقل بمنطقة القصيم، في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» أن الوزارة ملتزمة بإعطاء تراخيص للراغبين في العمل في قطاع سيارات الأجرة وفق الإجراءات الرسمية كحال باقي المناطق السعودية، إلا أنه يفسر اختفاء سيارات الأجرة بأنه عائد للمواطنين الذين قد يعيقهم شرط سعودة السائقين من الانخراط في هذا المجال.

فيما يفسر البعض غياب سيارات الأجرة عن مدينة بريدة بأنه عائد لموروث ثقافي قديم تناقله الأجيال في أن وجود سيارات الأجرة التي يرتادها النساء والأطفال بكثرة قد يفتح المجال للخلوة غير الشرعية بين الرجل والمرأة، وهو ما جعلها فكرة مرفوضة لسنوات طويلة وبقيت آثارها إلى الوقت الحالي، في حين يعلل البعض الآخر اختفاء سيارات الأجرة عن بريدة نتيجة تأخر النمو العمراني الذي لم تشهده المدينة إلا في السنوات العشر الأخيرة بشكل متسارع ولافت.

من جانبها، استطلعت «الشرق الأوسط» آراء مجموعة من سكان مدينة بريدة للتعرف على مرئياتهم حول اختفاء سيارات الأجرة، حيث يرى سعود الرشودي، معيد في جامعة القصيم، أن غياب سيارات الأجرة عن خارطة شوارع مدينة بريدة يرجع لعدم تقبل المجتمع فكرة وجودها من الأساس، إلى جانب غياب من يساهم أو يستثمر في هذا المجال داخل المنطقة، ومساعدة بعض وسائل النقل الرخيصة أو الخاصة في تنقلات المواطنين والمقيمين داخل مدينة بريدة.

ويتفق معه عادل الجار الله، مسؤول العلاقات العامة في الغرفة التجارية الصناعية بمنطقة القصيم، الذي قال إنه يفتقد إلى وجود سيارات الأجرة في مدينة بريدة، مستدركاً بأنه من الواجب أيضاً أن يكون وجودها مقيداً بضوابط وشروط تساهم في منع السلبيات التي تكثر في بعض المناطق من السائقين الأجانب، بالإضافة لأن تكون في حدود الحاجة لها لما لمدينة بريدة من خصوصية اجتماعية يفترض مراعاتها، بحسب قوله.

ويوضح عبد الواحد المشيقح، مدير عام شركة أوجين للتجارة المحدودة، أنه كانت لديه فكرة إنشاء شركة لسيارات الأجرة، تتضمن ما لا يقل عن 200 سيارة لمدينة بريدة خاصة ومنطقة القصيم عامة، إلا أن اشتراط سعودة السائقين وقف عائقاً أمام هذا المشروع، خاصة مع ضعف إقبال الشباب السعودي على هذه الوظائف، فيما يرى أن افتقار المدينة لوجود مطار دولي، يساهم في حركة النقل والسياحة أضعف أيضاً من جدوى الفكرة.

إلا أن محمد العتيبي، عضو لجنة المسرح في فرع جمعية الثقافة والفنون بالقصيم، يُحمِّل رجال أعمال منطقة القصيم مسؤولية اختفاء سيارات الأجرة من مدينة بريدة، مرجعاً ذلك للفكرة السائدة لدى بعض رجال الأعمال من عدم الحاجة إلى وجود سيارات الأجرة عامة والاستثمار فيها، رغم التغيرات التي حدثت أخيراً لمدينة بريدة بعد أن كبرت وتطورت بمرور الوقت. وأجمع الكثير من سكان مدينة بريدة في حديثهم لـ«الشرق الأوسط» على ضرورة أن يتبنى رجال أعمال المنطقة مبادرة إنشاء شركة خاصة لسيارات الأجرة كي لا تتعطل الحركة التنموية التي تشهدها المدينة أخيراً، مرجعين ذلك لكون بريدة أصبحت بمثابة الشريان النابض لمنطقة القصيم، ولموقعها الجغرافي المهم كمفترق طرق، يربط بين العديد من المناطق السعودية.

جدير بالذكر أن مدينة بريدة، ترتبط بالعاصمة الرياض بطريق سريع يبلغ طوله 317 كيلومتراً، كما يربطها بالمدينة المنورة طريق سريع طوله 450 كيلومتراً (تحت الإنشاء) ويحيط بها طريق دائري سريع ومزدوج طوله 73 كيلومتراً، كما يربطها طريق مفرد بمنطقة حائل والشمال وطريق مفرد بمنطقة مكة المكرمة، كما يمر بمدينة بريدة أحد طرق الحج قديماً القادم من العراق وهو طريق زبيدة، ويربطها مع جميع محافظات منطقة القصيم البالغ عددها 10 محافظات طرق سريعة مزدوجة ومضاءة.