القصيبي: توظيف المرأة يسير على «بيض».. ومجتمعنا لا يفهم الشريعة كفهم الغزالي وابن تيمية

قال إن والدة صديقه دعت عليه ليلة كاملة لمجرد تحركه لمنح الخادمات يوما للراحة

عوائق مجتمعية مازالت تقف في طريق عمل المرأة في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

قال الدكتور غازي القصيبي وزير العمل السعودي أمس، إن وزارته تسير في مساع توظيف المرأة في القطاع الخاص «كمن يسير على بيض»، على اعتبار أنها تعمل في مجتمع «لا يمشي على قوائم الشريعة الإسلامية كما يفهمها الغزالي أو ابن تيمية».

وعكس القصيبي، الذي كان يتحدث في لقاء هو الأول من نوعه لوزير سعودي مع رئيس وأعضاء الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، حالة العوائق المجتمعية في بلاده التي تحول دون حصول المرأة على عمل مناسب، حيث قال في ناحية توظيف النساء «أنا أمشي ضمن مجتمع له قواعد وقيود»، مقرا بعجزه عن التغيير. ولفت وزير العمل السعودي، في حديث لم يخل من الصراحة، إلى أن الهدف الأساسي لوزارته أن تجد العمل المناسب لحوالي 148 ألف سيدة سعودية تبحث عن عمل. وقال يرد على معارضي هذا التوجه «لست مستعدا أن أدخل معهم في معارك فكرية أو فقهية، ولا أهدف لتحرير المرأة، بل لتوظيفها». واعترف وزير العمل السعودي، بأن المرأة في بلاده لا تزال تعامل معاملة القاصر. وقال مخاطبا أعضاء الجمعية الحقوقية «المرأة تعامل معاملة القاصر في أشياء كلكم تعرفونها لا أول لها ولا آخر، إن كان في السفر والمجيء والزواج والوكالة»، حيث أورد تلك الأمثلة ليؤكد أنها تعامل في ذات السياق لدى رغبتها بالحصول على عمل.

ورأى الوزير القصيبي، صعوبة في أن يقدم على تشغيل المرأة دون موافقة ولي أمرها، لأن ذلك على حد قوله «سيخلق اضطرابا اجتماعيا سيحيد بنا عن الهدف الأساسي». وأضاف «أنا كوزير للعمل يجب أن أهيئ لهن البيئة التي تسمح للغالبية العظمى بالالتحاق بعمل». وجاء حديث الوزير السعودي، في ثنايا رده عن سؤال سهيلة زين العابدين عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، حينما تساءلت عن اشتراط موافقة ولي الأمر لحصول المرأة على عمل، وبالأخص الأرامل والمطلقات، حيث أكد القصيبي أن تلك الفئات التي لا يوجد لها ولي أمر «ممكن أن يبحث في موضوعها بما يكفل لها الحصول على عمل».

وطرحت العضو زين العابدين، عددا من الموضوعات المتعلقة بـ«السعودة» ورفع قيمة «التأشيرة»، غير أن القصيبي رفض الإجابة عن ما طرحته «على اعتبار أن تلك الموضوعات لا تمت لا من قريب ولا بعيد لحقوق الإنسان بصلة». وقال «أرجوكم رجاء، هذا هو الخط الذي كنت أخاف على الجمعية منه (سعودة، خادمات، معاناة أصحاب المنازل) هذه ليس لها علاقة بحقوق الإنسان».

واستغل وزير العمل السعودي، لحظة وجوده في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، بتوجيه نصائح، قال إنها تصدر «ليس انتقاصا للمحب بل شفقة به».

وقال «لاحظت أنكم في الآونة الأخيرة بدأتم تتحركون باتجاهات كثيرة»، على نحو قال إنه لا علاقة له بـ«حقوق الإنسان»، كإثارة موضوعات تتعلق برفع دعاوى أو متابعة ارتفاع قيمة إجارات، أو قضايا السعودة، فيما طالبهم بالتركيز على صلب الحقوق المشروعة والحرية، وهو ما عده المجال الأساسي والحيوي.

ودعا القصيبي رئيس وأعضاء الجمعية الحقوقية إلى عدم بعثرة جهودهم. وقال «أرجو وأنتم بأعدادكم القليلة في مجتمع كبير لا يزال معاديا لفكرة حقوق الإنسان الكبيرة بتأثيرها، ألا تتشتت جهودكم».

وفيما تعتزم جمعية حقوق الإنسان فتح ملف خاص عن الفقر، قال القصيبي «الفقير الذي يتمتع بحرياته وكراماته، ليس لكم شغل فيه. هذا شغل الجمعيات الخيرية».

واتفق القصيبي والدكتور بندر الحجار رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، على أن احترام الإجراءات وحده الطريق الوحيد لصون كرامة الإنسان وحقوقه. وقال القصيبي منفردا «إذا استطعنا أن نحترم الإجراءات التي وضعت لحقوق الإنسان سوف نستطيع بالفعل أن نصل إلى مرحلة نحمي فيها هذه الحقوق»، لافتا إلى أن الوعظ والتنوير والإرشاد لا يكفي وحده.

واستبعد الوزير السعودي أن تكون مشاكل حقوق الإنسان في بلده ناتجة عن قوانين. وقال «القوانين موجودة». غير أنه ألقى باللائمة على ضعف الجهاز الإشرافي المراقب للإجراءات التنفيذية.

وساق القصيبي انتقادات لاذعة لأصحاب السلطة العامة الذين يسمحون لأنفسهم باعتقال الأشخاص واقتحام منازلهم دون إجراءات محددة ومعينة. وقال إن هذا الأمر «سيجعل كل ما نفعله في سبيل حقوق الإنسان ينهار هباء منثورا». وقال «اللحظة التي يستطيع رجل السلطة العامة أن يدخل ويفتش ويحتجز ويضرب ويعذب ويستجوب تنعدم كل معاني حقوق الإنسان».

وحمل الوزير السعودي خلال حديثه، الجمعية الحقوقية الأهلية مسؤولية حماية التشريعات القائمة بسياج حديدي، لئلا يتم انتهاكها من قبل البعض، فيما لم يجد حاجة في إحداث تشريعات جديدة لحقوق الإنسان، باعتبارها موجودة أصلا.

ووافق الحجار الوزير السعودي فيما ذهب إليه. وقال «اتفق مع هذا الكلام». مضيفا أن كثير من الشكاوى التي تأتي لجمعيته هي قضايا تشكو من الإجراءات وعدم تطبيقها بالشكل السليم في نواحي الاحتجاز والتفتيش والمحاكمة. وامتدت الجلسة بين الوزير غازي وأعضاء جمعية حقوق الإنسان للحديث عن شكاوى تلقتها الجمعية من سفراء بلدان أجنبية، تتحدث عن مواجهة مواطنيها العاملين في الداخل لمشكلات لا أول لها ولا آخر، وفقا للتعبير الذي استخدمه الدكتور بندر الحجار.

وكشف الحجار، أن جمعيته ماضية لعمل دراسة لبحث بدائل مختلفة لنظام الكفالة، حيث قال، إن النظام الحالي اتهمت الرياض على اثره بالاتجار بالبشر. وأمام ذلك قال القصيبي ألا مشكلة لديهم في تغيير نظام الكفيل، إلا في موضوع مدى النجاح المقدم في تطبيق النظام الجديد.

وبالغ القصيبي بصراحته، حينما قال إن الحقوق الإنسانية للعمالة الوافدة في بلاده منتهكة «حيث ما التفت»، إن كان في ساعات العمل الطويلة، أو الراتب غير الإنساني، وانعدام حق الراحة، والتحرشات الجنسية، التي قال إنها لا تعد ولا تحصى، حتى وصل إلى أن قال إن بلاده تفتقر للبنية الأساسية القانونية للعاملات والعاملين في الخدمة المنزلية.

ووصف القصيبي النقص في التشريع القانوني الخاصة بخدم المنازل بـ«الخطير»، فيما كشف عن أن اللائحة التي كان من المفترض أن تصدر لتنظيم عمل خدم المنازل وئدت في مهدها، حيث كانت تنص على إعطاء الخادمات يوما للراحة وألا يتجاوز عدد ساعات العمل اليومية حاجز الـ10 ساعات.

وقال: لقد ثار علي أصدقاء وزملاء وأعزاء بعد أن علموا أننا بصدد تنظيم ساعات عمل خدم المنازل، لدرجة أن والدة أحدهم قضت ليلة كاملة تدعي علي بسبب محاولتي إصدار هذه اللائحة. غير أنه ذكر أن لائحة استرشادية خاصة بخدم المنازل تبنتها الدول الخليجية، ستدرس في مجلس الخبراء، قبل أن تذهب للشورى، للنظر فيها وإقرارها.

وتعليقا على قرارات مجلس الوزارء أمس الاول والتي يراها البعض أنها جاءت غير متوقعة، أوضح القصيبي: أن مداخيل النفط التي ارتفعت في الآونة الأخيرة قد تتراجع خلال السنوات المقبلة وليست دائمة. وقال إن بلاده أكثر دولة في العالم تنفق معظم ميزانيتها في رواتب موظفي الدولة والبالغ عددهم مليوني موظف، والتي قدر حجمها بـ250 مليار ريال سنويا، كما لفت إلى ان الزيادة الأخيرة «بدل معيشة» قدرت بـ17 مليار ريال.

وفي جانب آخر، اعترف القصيبي، بما ورد في تقرير الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان من سلبيات عن وزارته، مؤكدا العمل الجاد على تلافيها. وقال مخاطبا أعضاء جمعية حقوق الإنسان: «سأعمل معكم لإصلاح السلبيات». وهنا تقرر تعيين ضابط اتصال بين جمعية حقوق الانسان ووزارة العمل. وكشف وزير العمل السعودي، عن معاناته اليومية في هذه الوظيفة، وذلك للحمل الملقى على عاتقه.

وعاد ليكشف وزير العمل أن 80 في المائة من العاطلين مؤهلاتهم الثانوية العامة فأقل، مؤكدا أن هذه المؤهلات ليست مطلوبة لشغل الوظائف المتاحة. وقال: «يجب ألا ننظر للعمل أنه صدقة، وإذا تعودنا على ذلك تضاعفت المشكلة». ولفت إلى أن 120 كلية تدريبية في مختلف مناطق المملكة مفتوحة أبوابها لخريجين الثانوية، مشيرا إلى أن مكاتب العمل تصر على طالبي العمل أن يحصلوا على فترة تدريبية للعمل في أي جهة.

وفي مداخلة لأحد أعضاء جمعية حقوق الإنسان بشأن هروب العمالة المنزلية، أوضح أن بعض العمالة اعترفت بتلقيها دعوة عن طريق أوراق تلقى من تحت أبواب المنازل، وجاء فيها دعوة بهروب الخادمة والحصول على راتب 1200 ريال شهريا وترك رقم جوال للاتصال إن أرادت الهروب، لافتا إلى أن هذا الأسلوب المتبع لهروب كثير من الخادمات.

وسئل عضو الجمعية عن دور وزارة العمل في هذا الشأن، ليؤكد القصيبي أن وزارته ليست جهة مقاومة، وإنما تعنى بحقوق العمالة الوافدة وفقا للأنظمة والقوانين، مشيرا إلى أن معالجتهم تتم عن طريق التأشيرة والتأمين ضد الهروب.