320 صورة نادرة للسعودية بكاميرا حفيدة الملكة فيكتوريا قبل 70 عاما

مكتبة الملك عبد العزيز توثق رحلة الأميرة أليس التاريخية * قابلت عائلة الملك عبد العزيز وأخته الأميرة نورة وتجولت في «المصمك».. ووصفته بالرجل العظيم والشهم النبيل والمتحدث اللبق والمرح * شربت وزوجها حليب الإبل وشاركا في رقصة «العرضة» وامتطيا الخيول وركبا الجمال

الملك عبد العزيز مع إيرل أثلون وإلى يمينه الأمير فيصل والأمير عبد الله في أول صورة ملونة
TT

شكلت رحلات وزيارات المستشرقين والرحالة إلى الجزيرة العربية في فترات مختلفة من القرون أو العقود الماضية، إضافة مهمة وكبرى أفادت الدارسين والباحثين، حيث رصدت هذه الرحلات أو الزيارات جوانب مختلفة من تاريخ المنطقة وصورت واقع الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها، وأضحت كتاباتهم وانطباعاتهم هدفا للباحثين والدارسين لأحوال الجزيرة العربية في جوانبها المختلفة، كما سبرت أغوار جوانب مهمة ساهمت في توثيق تاريخ الجزيرة العربية بشكل عام والسعودية بشكل خاص.

وجاءت زيارة الأميرة أليس كونتس أثلون، حفيدة الملكة فيكتوريا، وزوجها ايرل أثلون، في رحلتها الاستكشافية إلى السعودية عام 1938، لتضيف أبعادا أخرى لهدف الرحلات الاستكشافية ونتائجها، حيث نجحت هذه الزيارة التي تتسم بالطابع التشريفي ـ الودي في إبراز التقدم الحضاري الذي شهدته السعودية في فترة وجيزة من الزمن مقارنة بحضارات الدول الأخرى، كما نجحت الزيارة في ترسيخ أجواء الود والتعارف بين العائلة المالكة البريطانية والعائلة المالكة السعودية، وما لذلك من انعكاسات ايجابية على مسار وتطور العلاقات السعودية البريطانية، حيث حرص الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، على تدعيم همزة وصل البُعد الاستراتيجي مع بريطانيا أثناء المراحل الأولى من مراحل التأسيس، كما أن زيارة الأميرة البريطانية إلى السعودية مع زوجها، أخذت صفة متميزة تختلف شكلا ومضمونا وأهدافا عن الرحلات الأخرى، لأسباب تتعلق بأن الزيارة هي الأولى لفرد من الأسرة المالكة البريطانية، وحتى الأسر المالكة الأوروبية، يزور السعودية في ذلك الحين، وفي فترة ذات شأن من تاريخ المنطقة والعالم، كما أن الأميرة أليس قد قامت بتوثيق رحلتها هذه وصورت عددا من أحداثها بشكل نادر وغير مسبوق، إضافة إلى تسجيل الأميرة البريطانية مذكراتها حول الرحلة وإنجازها لفيلم سينمائي عنها، وهو ما دفع الوزير البريطاني المفوض في جدة تلك الفترة إلى وصف الرحلة بأنها لاقت نجاحا هائلا على الصعيدين الاجتماعي والدبلوماسي.

ونجحت مكتبة الملك عبد العزيز العامة التي تتخذ من العاصمة السعودية مقرا لها، في توثيق هذه الرحلة بصورها وفيلمها السينمائي وحفظها في المكتبة.

ومع زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز الأخيرة إلى بريطانيا، قدمت المكتبة إصداراً خاصاً يتضمن نخبة مما يتوفر لديها من مجموعة ثرية من الصور التاريخية النادرة التي التقطتها الأميرة أليس، وشمل الإصدار دراسة ضافية قدمها الباحث الدكتور شافي بن عبد الرحمن الدامر، رئيس قسم الدراسات العامة وأستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن عن أجواء الزيارة في ظل العلاقات بين البلدين وترسيخ أجواء الود والتعارف بين العائلة المالكة في كل من البلدين.

واعتبر فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، المشرف العام على مكتبة الملك عبد العزيز العامة الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في السعودية، هذا الإصدار، عملا وثائقيا حقق أملا ظل يراودنا لإتاحة هذه المجموعة من الصور النادرة أمام المتلقين والمثقفين في المملكتين خاصة، والعالم بشكل عام، لأنها تمنحنا شاهدا أمينا على التواصل والتفاعل بين الثقافات، مشددا على أهمية استمرار دور المثقفين والمهتمين في دعم التواصل بين البلدين ليبقى هذا التواصل جسرا ثقافيا ممتدا بينهما، معربا عن اعتقاده أن هذا الدور يعول عليه الجميع لتعميق المشاركة الثقافية والحضارية بالتواصل الفكري والحضاري: تعارفا وتعايشا وتآخيا ودفعا للمعرفة والقيم الإنسانية الراسخة.

ورأى المعمر انه يقع على قادة الرأي العام ورواد المجالين العلمي والثقافي في المملكتين دور رئيس في إبراز نقاط الالتقاء بين الثقافتين والمجتمعين، وتوسيع قاعدة الحوار والتبادل الفكري والثقافي ليسهل على كلا الطرفين فهم المنطلقات التي يقوم عليها فكر وعمل الآخرين.

ولفت المشرف على مكتبة الملك عبد العزيز العامة، التي قدمت الإصدار الوثائقي لرحلة الأميرة أليس الاستكشافية إلى السعودية قبل 70 عاما، إلى أن الصور التي التقطتها الأميرة البريطانية أثناء هذه الرحلة، تشير إلى أنها كانت بارعة في فن التصوير، وقد التقطت بعدستها أكثر من 320 صورة فوتوغرافية نادرة باللونين: الأبيض والأسود، وضمن هذه الصور بعض الصور الملونة، قام بالتقاطها شخص آخر، ويظن أنها أول صور ملونة تلتقط في السعودية على الإطلاق، بل إن إحدى هذه الصور التي جمعت الملك عبد العزيز مع زوج الأميرة البريطانية وظهر فيها الأمير فيصل، والأمير عبد الله بن عبد العزيز، ربما تكون أول صورة ملونة للملك عبد العزيز.

من جانبه، شدد الدكتور شافي بن عبد الرحمن الدامر، رئيس قسم الدراسات العامة وأستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، الذي ألف الدراسة عن هذه الرحلة التاريخية للأميرة أليس وزوجها، شدد على حرص كل من لندن والرياض على تأكيد أهمية علاقتهما في وقتنا الحاضر، وما توالي الزيارات التي يقوم بها قادة البلدين، إلا دليل واضح على أهمية ومتانة تلك العلاقات، وبهذا يبقى الطابع الاستراتيجي العام مسيطرا على سير العلاقات الوثيقة، وهي العلاقات التي رسمت ملامحها في أعماق تاريخ البلدين. وما تلك الزيارة التي قامت بها الأميرة أليس وزوجها ايرل اثلون في عام 1938، إلا شاهد واضح على الأهمية الاستراتيجية التي يوليها كل طرف تجاه الآخر.

وأضاف أن زيارة الأميرة أليس وايرل اثلون للسعودية، جاءت في فترة كانت العلاقات السعودية ـ البريطانية، فيها، تستحق التتويج بمثل تلك الزيارة. فما أن حل شتاء عام 1938، إلا وكانت العلاقات السياسية بين المملكتين قد قطعت مرحلة متقدمة من التطور الايجابي.

وقدم الدكتور الدامر تفاصيل عن هذه الزيارة وانعكاساتها الايجابية على علاقة الدولة الناشئة مع بريطانيا، وقال: «لقد كانت السعودية مدركة بأن نجاح هذه الزيارة الودية سوف ينعكس بشكل ايجابي على علاقاتها مع بريطانيا، لذلك أعدت كل ما من شأنه إنجاحها، لقد كانت استعدادات السلطات السعودية المسبقة لزيارة الوفد الملكي البريطاني واضحة لمتتبعي الأوضاع في جدة في ذلك الحين». فكما أورد الوزير البريطاني في جدة، السير ريد بولارد في التقرير المرسل إلى وزارة الخارجية البريطانية في يوم 21 مارس (آذار) 1938، فإنه لم يكن هناك مثيل سابق للاستعدادات التي قام بها المسؤولون السعوديون. فعلى سبيل المثال كانت الترتيبات المتعلقة بسكن الوفد في جدة جلية للعيان، حيث يذكر بولارد: «كان في بداية الأمر قلقا، بسبب عدم وجود سكن منساب ـ للوفد الملكي ـ في مدينة جدة في ذلك الوقت بالذات.. حتى كان سكن البعثة الدبلوماسية البريطانية ـ كما يراه ـ صغيرا وغير مناسب لمقام ذلك الوفد الرفيع». لكن وحسب ما ذكر نفس التقرير، فإن السلطات السعودية قد قامت وخلال مدة من ثلاثة إلى أربعة أسابيع بترميم وتفخيم قصر كبير في مشارف المدينة وذلك خصيصا لإسكان الوفد الزائر، لقد كان القصر هو القصر المعروف باسم قصر الكندرة، الذي استخدم بعد ذلك في مناسبات مماثلة كمبنى لضيافة الوفود المهمة الزائرة للمملكة. وجاءت تفاصيل الرحلة كما أوردها الدكتور الدامر كما يلي:

ما إن رست السفينة انتر برايس (H.M.S Enterprise) في ميناء جدة في يوم الجمعة 25 ذو الحجة 1365هـ الموافق 25 فبراير 1938، حتى صعد على ظهرها لتقديم التحية المبدئية للوفد الملكي كل من قائم مقام جدة، الشيخ إبراهيم بن معمر، والوزير السعودي في لندن، السيد حافظ وهبة، والوزير البريطاني في جدة، السير ريدر بولارد. في نفس اللحظة كان الأمير فيصل بن عبد العزيز على رأس عدد من الأمراء والرسميين الموجودين في المكان المعد للاستقبال على أرض الميناء. ومع انقضاء مراسم الاستقبال الرسمي، شرع الوفد الزائر في برنامج حافل بالنشاطات التي استمرت إلى أن غادر الوفد جدة في اتجاه الرياض في 1 مارس.

كان من ضمن فقرات ذلك البرنامج، حفل العشاء الذي أقامه الأمير فيصل على شرف الضيوف مساء ذلك اليوم. لقد تخلل الحفل كما يروي الوزير البريطاني، الكثير من النقاشات الودية، التي تجلت من خلال بعضها مدى اهتمام ومدى معرفة الأميرة أليس بالأحوال المعاصرة يومئذ ـ للمملكة العربية السعودية ـ حيث تحدثت الأميرة مطولا عن أحوال أراضي المملكة الصحراوية وعن درجات تأثرها بأحوال الطقس وعن الأعشاب الصحراوية والحالات المصاحبة لربيع تلك الأراضي بشكل عام. كذلك تحدثت وربما بدهشة مضيفها والحضور ـ عن حالات تنقل القبائل وعن القبائل والأقاليم المتميزة برعاة الأغنام، كذلك تلك المتميزة برعاة الإبل. ربما تكون تلك المعرفة وذلك الاهتمام من قِبل الأميرة بشؤون وأحوال مناطق المملكة الصحراوية، قد بلورت بعض أهم الدوافع التي جعلتها ترغب في القيام برحلة عبر الأراضي السعودية، وهي تلك الرغبة التي تحققت بالفعل أثناء هذه الزيارة.

في اليوم التالي أقام العاهل السعودي حفل شاي لضيوفه، وهو ذلك الحفل الذي دار فيه الكثير من الأحاديث الودية. يقول ردير بولارد: «لقد بدا الملك مسرورا خلال هذه المناسبة، لا سيما أنها شكلت المناسبة الأولى على الإطلاق التي يدعو فيها (من ضمن ضيوف) سيدة أوروبية بهذا الشكل. وأنها كذلك تشكل المناسبة الأولى التي يقابل فيها امرأة أجنبية على هذا المستوى من القدر والأهمية». لقد لاحظ بولارد، أن الملك عبد العزيز شعر بالراحة من الوهلة الأولى التي قابل فيها الأميرة وزوجها. لقد شرح بولارد كذلك أن أريحية تلك المقابلة جعلت الملك يداعب ضيوفه من فترة إلى أخرى أثناء اللقاء، فعلى سبيل المثال، علق الملك ـ مداعبا ـ على بدانة فؤاد حمزة ويوسف ياسين (وهما من كبار موظفيه، اللذين كانا حاضرين المقابلة، واللذين أوردا تعليقاتهما على تلك المداعبة)، وكيف أنها جعلتهما يصابان بدوار البحر عند مرافقتهما له في رحلة بحرية في مياه الخليج. لقد دونت الأميرة أليس انطباعها عن الملك عبد العزيز في هذا اللقاء في مذكراتها عن الزيارة، حيث وصفته في تلك المذكرات، التي أتت في صيغة رسائل موجهة لابنتها الليدي ميأبل سمث، بقولها: «لقد كان رجلا عظيما ذا أسلوب وخلق يشدك جاذبيته. لقد كان بالفعل رجلا شهما نبيلا. ومتحدثا لبقا ومرحا».

وفي يوم 27 فبراير (شباط)، أقام الأمير فيصل للضيوف وجبة غداء. وذلك من خلال نزهة برية في وادي فاطمة، وهي تلك النزهة التي دعي إليها العديد من الرسميين السعوديين وأعضاء السلك الدبلوماسي في جدة. وفي مساء اليوم نفسه أقام الملك مأدبة العشاء الكبرى لضيوفه وهي التي دار فيها الكثير من الحديث الايجابي، الذي كان قمة التشويق فيها هو: طلب الضيوف ـ اللبق ـ من الملك برواية قصة دخوله الشهيرة للرياض. لقد لاحظ بولارد «سرور الملك وحماسه بإثارة ذلك السؤال»، حيث ما لبث أن شرع في الحديث عن تفاصيل تلك المعركة الشهيرة.

وفي صباح اليوم التالي ـ وذلك أثناء قيام الأميرة أليس باستقبال النساء المسلمات في الجالية البريطانية في جدة ـ قام ايرل اثلون وبموافقة بولارد بزيارة الملك، حيث سلم اللورد للملك عبد العزيز رسالة شخصية من الملك جورج، التي أضفت بدورها المزيد من أجواء السعادة، كما لاحظ بولارد. وفي المقابلة نفسها قام الملك بتقديم الهدايا التي درج البروتوكول السعودي على تقديمها لضيوف المملكة البارزين والتي كان من ضمنها «سيف الشرف»، الذي قدم إلى اللورد. قبل انتهاء هذه المقابلة، قام حافظ وهبة بالتقاط عدد من الصور الفوتوغرافية للملك عبد العزيز وايرل اثلون. ولقد اتضح من تقرير بولارد: بأن هذه كانت بمثابة المناسبة الوحيدة التي تسنى لحافظ وهبة القيام بالتقاط عدد من الصور مع الملك عبد العزيز. ولعل هذا ما يفسر ظهور اللورد وحيدا في الصور التي التقطت مع الملك، وغياب الأميرة عن الظهور في هذه الصور بسبب انشغالها بمناسبة أخرى في الوقت نفسه، وهذا ربما أدى إلى غياب فرصة تصوير الأميرة مع الملك فوتوغرافيا.

لقد استغل الضيوف بعض الوقت الذي أتيح في ذلك اليوم وقاموا بالتجول في شوارع مدينة جدة وتسنى لهم فيها التقاط بعض الصور، لكن كما ذكرت الأميرة في وقت لاحق، فإن النتائج الأخيرة للأحوال الجوية لم تساعد كثيرا في تلك الجولة، حيث تسبب هطول الأمطار الغزيرة إلى تحويل الشوارع إلى بحيرة من الطين. في صباح يوم الثلاثاء 1 مارس، قضت الأميرة أليس بعض الوقت مع عائلة الملك عبد العزيز، حيث تسنى لها مقابلة زوجة الملك وبعض أفراد الأسرة الآخرين، حيث استمتعت الأميرة أليس بتلك المقابلة وبالحديث الذي دار فيها، التي وصفت طابعها العام بالشيق، بعد ذلك قام الضيوف بتوديع الملك عبد العزيز، لقد تكون ـ مع انقضاء مدة إقامتهم في مدينة جدة ـ انطباع جيد عن الملك ومملكته بوجه عام. لقد أكدت الأميرة في مذكراتها ـ مراسلاتها على صدق ونبل مشاعر الملك عبد العزيز لصداقته مع بريطانيا، حيث أبرزت ذلك بقولها: «لقد ودعنا صديقا حميما وذلك بكل ما تحمله الكلمات من معنى».

لقد أكد بولارد على أن تلك الزيارة كانت ناجحة بكل المقاييس، وأنها قد أنعشت الطابع الودي للعلاقات السعودية ـ البريطانية، حيث أدت حسب ما رأى ـ إلى إيجاد انطباع لا مثيل له لدى الملك عبد العزيز وأعضاء حكومته، لقد خاطب الوزير البريطاني في جدة وزير الخارجية البريطاني ـ وذلك في التقرير المرسل إلى لندن حول تلك الزيارة ـ بقوله: «كنت أتمنى أن تكون هنا لترى بنفسك النجاح الرائع لهذه الزيارة.. لا يمكن تخيل نجاح أكثر من هذا النجاح».

ثم أردف بولارد بالقول: «لقد أحيت الزيارة جوهر العلاقة، وهذا هو الأمر الذي قدره وامتن له الملك عبد العزيز ورجاله، حيث اتضح ذلك بدفء اللقاءات العديدة التي تمت أثناء الزيارة». بذلك تكون الزيارة الملكية البريطانية قد حققت أهم أهدافها، مع العلم أن قصتها الكاملة لم تنته بعد، بل إن الرحلة الشيقة التي قامت بها الأميرة أليس وايرل اثلون ومرافقوهما عبر أراضي المملكة كانت في بداية مسارها.

أضافت تلك الرحلة التي قام بها الوفد الزائر عبر الأراضي السعودية انطلاقا من جدة وانتهاء بالساحل الشرقي ـ لأعضاء الوفد والعائلة المالكة البريطانية انطباعا ايجابيا عن المملكة العربية السعودية. ولقد تجلى انعكاس هذا الأمر من خلال ما كتبته الأميرة أليس في مذكراتها ومراسلاتها عن الرحلة. فلا يمكن تجاهل انعكاسات البُعد الايجابي من خلال ما كتبته، كذلك ما قد تكون بالفعل قد روته لاحقا لعدد من الأعضاء البارزين في العائلة المالكة البريطانية.

لقد كانت السلطات السعودية حريصة على تجهيز حملة الرحلة بكل ما من شأنه توفير الراحة لضيوف الملك، فبجانب التجهيزات الأساسية كالسيارات والمؤونة وطاقم العاملين، كانت هناك تجهيزات إضافية فعلى سبيل المثال، رافقت الحملة بعد وصولها إلى مدينة الطائف، محطة برقيات متنقلة، وشيد وجهز عدد من المخيمات الجديدة والمخصصة لتلك الرحلة في عدد من النقاط التي مرت عليها، إضافة إلى ذلك كان في رفقة الوفد الزائر كل من حافظ وهبة وفولت نائب القنصل البريطاني في جدة اللذين لازماه في كامل تلك الرحلة عبر الأراضي السعودية.

لم يكن حال الطرق في المملكة العربية السعودية في تلك الأثناء مثل حالها التي آلت إليه في ما بعد، حيث تتمتع المملكة في وقتنا الحالي بشبكة طرق حديثة ومتميزة على المستوى العالمي، بل لم تكن الطرق في أثناء فترة الزيارة مسفلتة، عدا بعض الأجزاء التي حظيت بقدر لا بأس به من التعبيد والرصف. بهذا لم تكن هناك خيارات عديدة لمخطط سير تلك الرحلة، عدا ابتدائها بذلك الطريق المعبد بين جدة ومنجم مهد الذهب. وبذلك بدأت الرحلة في الاتجاه شمالا، ثم إلى الشمال الشرقي في اتجاه المخيم الذي نصب لكي يرتاح فيه الضيوف في طريقهم لمدينة الطائف ـ وهو نفس المخيم الذي ورد في مذكرات ـ مراسلات الاميرة أليس باسم: مخيم محدثة، لكن الأمطار الغزيرة لم تكن في صالح سير الرحلة بشكل عام، حيث أدى جنوح إحدى سيارات الحملة عن الطريق إلى نشوبها في وحل من الطين، الأمر الذي أعاق سير الرحلة قبل وصولها إلى المخيم المحدد. بهذا تعطل سير الحملة إلى أن تم إخراج تلك السيارة، حيث تم بعد ذلك مواصلة الرحلة التي وصلت إلى مخيم محدثة عند الساعة الثالثة من صباح الأربعاء 2 مارس. على الرغم من تلك البداية الشاقة، إلا أن الأميرة أليس كانت مع ايرل اثلون وفريق الرحلة في غاية السعادة والتشوق لتلك الرحلة المثيرة. واصلت الحملة مسيرتها في صباح اليوم التالي، وذلك بتعديل سيرها إلى الاتجاه الجنوبي ـ الغربي في اتجاه منطقة بئر عشيرة، حيث تسنى للأميرة فيها التقاط بعض الصور الفريدة، التي كانت منها صورة ورود بعض الإبل على تلك البئر المشهورة. أبدى الوفد إعجابه بمدينة الطائف لحظة دخولهم إليها، حيث لم تخل مذكرات ـ مراسلات الأميرة عن ذكر تلك الإطلالات الجميلة التي كان من أبرزها إطلالة مسجد العباس الشهير. لقد أقاموا لمدة يومين في المدينة، وتمكنوا خلالها من التنزه والتقاط الصور في ابرز مناطقها، حيث لم تستثن من تلك الجولات منطقة الهدى الجبلية الشهيرة، التي استقلوا فيها بعض الخيول المخصصة للأغراض السياحية في تلك الأيام.

شرعت الحملة في سيرها باتجاه الرياض في صباح يوم الجمعة 4 مارس 1938، حيث عرجت مجددا على بئر عشيرة، ثم واصلت السير بعدها. لقد كان إسهاب الأميرة في وصف سير الرحلة باتجاه مدينة الرياض لافتا حقا، حيث إن دقة توصيفها للمناطق والأماكن التي مروا عليها تبين بالفعل مدى الأهمية التي كانت تعطيها لهذه المسيرة، ذلك الوصف الذي لم يخف إعجاب الأميرة بطبيعة الأراضي السعودية، فبعد عشيرة، مرت الحملة في ذلك اليوم بمنطقة المويه، التي تمكنوا فيها من التحدث مع بعض أفراد البادية، بعد ذلك مروا بمنطقة الدفينة التي كان قد نصب بها مخيم معد لاستراحتهم.

في صباح اليوم التالي واصلوا سيرهم باتجاه منطقة عفيف، وتمكنوا فيها من التقاط عدد من الصور ولقد سرت الأميرة حينما تمكنت من التقاط صور معبرة لقافلة من الجمال، لقد دونت لاحقا، بأنها قد قامت بالتقاط صور رائعة لقافلة من الجمال على طرف بئر.

.. جمال جميلة وأشخاص يستريحون حولها. وبعد سيرهم بمحاذاة جبل نير ـ كما تذكر الأميرة ـ وصولا إلى مخيم آخر معد لمبيتهم تلك الليلة في منطقة القاعية.

وفي صباح 6 مارس غادروا في اتجاه الدوادمي ثم خف، إلى أن وصلوا إلى المخيم التالي في منطقة مراة، وبعد التجول والتقاط بعض الصور في مراة، انطلقوا في صباح 7 مارس باتجاه وادي حنيفة وعند وصولهم إلى المناطق الأولى للوادي وبالتحديد للمنطقة المعروفة باسم الجبيلة، وجدوا مخيما جميلا ـ كما تصفه الاميرة أليس ـ معدا من قِبل الأمير سعود للترحيب بهم. وبعد استراحة قصيرة تخللها تناول وجبة الغداء، انطلقوا عبر وادي حنيفة باتجاه الرياض. وفي طريقهم تلك، قابلهم ولي العهد السعودي الأمير سعود مرحبا، هنا اصطحبهم الأمير لمكان إقامتهم المعد في قصر البديعة الواقع في المناطق الزراعية عند مشارف مدينة الرياض. وفي المساء أقام لهم ولي العهد ـ في نفس القصر ـ حفل عشاء حضره عدد من الأمراء.

في صباح 8 مارس توجه الزائرون من مقر إقامتهم الى داخل مدينة الرياض، حيث لفت انتباههم ـ للوهلة الأولى ـ شكل المدينة القديم وجبالها، ولم يفوتوا في الوقت نفسه فرصة تتبع ابرز معالم المدينة إلى أن وصلوا لقصر الأمير، هناك استقبلهم الأمير سعود في مجلسه، الذي تم فيه تناول القهوة وتبادل الأحاديث الودية، بعد ذلك اصطحب الأمير ضيوفه في جولة على معالم القصر، ثم بعد ذلك في جولة بسيارة على ابرز مناطق الرياض، حيث تمكن الضيوف فيها من التقاط بعض الصور، وفي المساء قاموا بصحبة الأمير بالتنزه في آثار مدينة الدرعية القديمة، أعقب ذلك تناول الشاي في إحدى الحدائق التي أعدت في منطقة الدرعية لتلك المناسبة، ثم واصل الضيوف برنامجهم الحافل في ذلك اليوم، حيث قاموا بتناول العشاء مع الأمير، بعد العشاء قابلت الأميرة أليس والدة الأمير سعود وعددا من أخواته وبناته، لقد سعدت الأميرة بتلك المقابلة التي تخللها الكثير من الأحاديث الودية.

في يوم الأربعاء 9 مارس، تجول الوفد الزائر ـ مرة أخرى ـ في عدد من مناطق الرياض، حيث التقطوا خلالها العديد من الصور وحرصوا في هذه الجولة على رؤية القصر الذي وقعت فيه معركة فتح الرياض، خصوصا بعد أن روى لهم الملك عبد العزيز تفاصيل تلك المعركة. في هذا الصدد علقت أليس بقولها: لقد كنا متشوقين بشدة لرؤية المكان بعد أن قص علينا (الملك) وقائع ذلك الحدث. وفي وقت لاحق زارت الأميرة أليس، أخت الملك عبد العزيز، الأميرة نورة بنت عبد الرحمن. وهو اللقاء الذي أعجبت به الأميرة البريطانية، والذي التقطت خلاله صورة لفناء قصر الأميرة نورة بعد ذلك ـ وفي إحدى الحدائق ـ تم تناول غداء على الطريقة النجدية بصحبة الأمير سعود والتقطت الأميرة أليس أثناء ذلك الغداء عددا من الصور الفوتوغرافية.

قبل انقضاء مدة إقامتهم في الرياض، أهدى الأمير سعود إلى ايرل اثلون بعض الخيول الأصيلة، وفي يوم 10 مارس انطلق الوفد من مدينة الرياض في الاتجاه الشمالي الشرقي، وذلك لمرافقة الأمير سعود في رحلة صيد قبل أن يتجهوا إلى مدينة الاحساء، لقد استمتعوا في تلك الرحلة التي امتدت على مدى يومين، بعدد من التجارب الشيقة، فلقد دونت الأميرة عددا من تلك التجارب التي من ضمنها، شرب حليب الجمال وصيد طيور الحبارى بالصقور، ثم دخول خيام بعض البدو وهي المناسبة التي لم تفوّت الأميرة فرصة التقاط بعض الصور فيها. وفي الليلة الأخيرة لرحلة الصيد تلك، أقام الأمير لضيوفه حفل عشاء أعقبه رقصة «العرضة» النجدية الشهيرة.

في صباح 12 مارس، ودع الزائرون الأمير سعود، ثم انطلقوا في طريقهم باتجاه مدينة الاحساء، وفي المساء أقاموا آخر وأفضل مخيم، كما تقول الأميرة أليس. وفي اليوم التالي، غاصت اغلب عرباتهم في رمال منطقة الفروق، ما جعل مرافقيهم يقومون بسحبها واحدة تلو الأخرى، لقد خلفت عمليات شد السيارات مشاهد لم تهملها عدسة كاميرا الأميرة أليس، على مشارف الاحساء استقبل الوفد الأمير سعود بن جلوي مرحبا، الذي رافقهم بدوره في دخول المدينة.

في صباح يوم الاثنين 14 مارس قاموا بالتقاط العديد من الصور الشخصية، كما قاموا بالتنزه في واحات الاحساء، التي لم يخفوا إعجابهم بها، خصوصا ذلك الإعجاب المتعلق بغزارة المياه فيها، وفي المساء قاموا بالتنزه في أرجاء المدينة وهي تلك النزهة التي تخللها ـ كما في صباح ذلك اليوم ـ التقاط العديد من الصور. وفي صباح اليوم التالي قاموا بجولة على خيول الأمير، بعد ذلك تسنى لهم ركوب الجمال والتصوير من فوقها، كما اتيح لهم زيارة بعض بيوت عائلات الاحساء، وفي اليوم نفسه أقام لهم الأمير سعود بن جلوي في إحدى الحدائق حفل شاي، وفي المساء حفل عشاء على شرفهم.

قبل أن ينطلقوا إلى الظهران صباح 16 مارس، أهدى إليهم الأمير سعود بن جلوي حصانا عربيا، بعد الوداع انطلقوا باتجاه ميناء العقير التاريخي، حيث قضوا فيه بعض الوقت وفي المساء وصلوا إلى مقر شركة الزيت، حيث امضوا ليلتهم، ثم قام الوفد في صباح يوم الخميس 17 مارس بجولة على حقول آبار النفط التي كان العمل فيها يجري على قدم وساق، ففي صباح ذلك اليوم كان تدفق الزيت من البئر رقم 7، وهي نفس البئر التي وقف عليها الوفد، ينبعث بشكل لافت، لقد سجلت الأميرة تلك اللحظات التاريخية التي وقفت فيها على البئر 7بقولها: «عندما لمست الأنبوب، وعلى الرغم من أنني ارتدي قفازات، إلا أنني وجدته بالفعل ساخنا، لقد شعرت بالزيت يهز ذلك الأنبوب أثناء خروجه»، لقد بعث الملك جورج برسالة تهنئة إلى الملك عبد العزيز بمناسبة الاكتشافات البترولية تلك، التي تصادفت بسعادة ـ كما أشارت تلك الرسالة ـ مع زيارة الأميرة أليس وايرل اثلون.

لقد استمتعت الأميرة أليس بالزيارة والرحلة التي قامت بها خلال 21 يوما عبر المملكة العربية السعودية، فعند مغادرتها ميناء الخبر باتجاه البحرين في مساء 17 مارس، ذكرت مع كثير من الأسف: «كان ولا بد أن نختتم رحلتنا الجميلة والشيقة بصعودنا على قارب شركة الزيت في اتجاه المنامة».

بالإضافة إلى ما تقدم ذكره من نتاج طيبة للزيارة عند مغادرة الوفد لمدينة جدة، فانه لا يمكن إهمال النتائج الكلية عند انتهائها، فبالإضافة إلى الايجابيات المباشرة لتلك الزيارة والرحلة، على العلاقات السعودية ـ البريطانية فإنها قد حققت ايجابيات أخرى، فعلى سبيل المثال أعطت الرحلة انطباعا جيدا عن استتباب الأمن في المملكة، فقد أكدت جريدة «التايمز» البريطانية على أن الرحلة تتكلم بشكل جيد بليغ وأكثر من أي مادة دعائية عن استتباب الأمن والنظام الذي استطاع الملك عبد العزيز أن يحققه في أراضي مملكته الشاسعة.