«القابلة».. يد الثقة طوال التاريخ

خطوات لإعادتها إلى الخدمة وفق قواعد أكاديمية

تقوم الممرضة النظامية بعمل القابلة الذي عاد من جديد ضمن ضوابط محددة («الشرق الأوسط»)
TT

طوال السنوات الماضية ظلت «الداية» أو «القابلة» تمثل المصدر الموثوق للنساء، ليس فيما يليها من قضايا الحمل والولادة وصحة الوالدة والمولود، بل تعدتها الى تحولها الى خبيرة في الشؤون الاجتماعية بشكل عام.

ولادة النساء في العديد من دول العالم العربي ظلت، حتى سنوات قليلة مضت، تتم داخل البيوت، بسبب العادات والتقاليد من ناحية، ولأن الطب لم يكن قد حقق قفزات كبيرة في دنيا العلاج كما هو حادث الآن، كما أن النساء كن يكتفين بخبرات «الداية» العالمة بمسائل التوليد.

تغيرت الآن كثير من المفاهيم، إذ لم تعد مشاهدة أحد الازواج منتظرا أمام غرفة التوليد التي يديرها طبيب رجل أمرا غريبا بعد أن اضمحلت الصورة النمطية للقابلة، وازداد عدد الاطباء والطبيبات المتخصصين في أمراض النساء والتوليد، وقاد ذلك الى تضاعف عدد سكان العالم في السنوات الـ 50 الماضية، بل زاد حتى عن الضعف، فوفقا لصندوق الامم المتحدة للسكان فان عدد سكان العالم مرشح للارتفاع بنسبة 50 في المائة أيضا في السنوات الـ 25 المقبلة، وكل ذلك بسبب تقليل نسبة النساء اللائي يمتن نتيجة للحمل والولادة الى 600 الف امرأة في العام.

كان وصول القابلة الى احد البيوت للقيام بالتوليد يعد حدثا فريدا تنتظره النساء والفتيات والاطفال، فذاك الحضور يبشر باقتراب الاعلان عن اسم جديد ينضم لتلك الاسرة على يد «القابلة» التي تعرف «كل شيء».

تتكفل أكبر السيدات في البيت بالاهتمام بتلبية طلبات «القابلة» وتظل لصيقة معها الى حين الوضع، وتبدأ بتجهيز المعينات من قطن وشاش ومطهرات ومياه دافئة، توضع الى جانب حقيبة القابلة التي تمثل الديكور المكمل لهيبة حضور «الداية» وسط النساء المتجمعات في المكان، ذلك الحضور الذي يلعب دورا مهما في تهدئة نفسية الوالدة وطمأنتها بأنها في أيد أمينة. وكغيرها من المهن المختلفة، كانت القابلة ترث عملها عن والدتها او واحدة من افراد اسرتها، وتصقل الموهبة بالمران الطويل والعمل مع قابلات لهن باع طويل في هذا المضمار الخطير، حيث تركن النساء بحياة ابنائهن لهذه الخبيرة بكل تلطف، لانها تعتني بهم وبأمهاتهم وتقدم نصائحها لينمو طفلا سليما معافى عبر العديد من النصائح المتوارثة جيلاً عن جيل. ولا يتوقف دور القابلة على قيادة عملية التوليد فحسب بل انها تتمتع بشخصية قوية تخطف الاضواء من اي وسط نسائي توجد فيه، بل وتعد احد أهم المرجعيات، خاصة في القرى والتجمعات البعيدة عن المدن ولا تقل في ذلك عن العمدة او المسؤولين الرسميين في المنطقة.

عقب ارتفاع شأن الطب بدأت «القابلة» تواجه هجوما من المجتمع الذي بدأ التحول نحو المستشفيات والمراكز الصحية، لكن القابلة ظلت تتمسك بمكانتها مما قاد الى اشتقاق مسمى القابلة القانونية، وهي القابلة التي تدرس المهنة بدلا من استقائها بالتواتر والوراثة.

وانحصرت مهمتها في القيام بعملية التوليد العادية والعناية بصحة الحامل قبل الولادة وحين الوضع وبعده وخلال مدة النفاس، وتشرف على صحة المولود، ولكن تحت اشراف طبيب، بيد أن الامر انقلب رأسا على عقب، حيث يرى العديد من الاطباء المختصين أن معظم الحالات التي تباشرها القابلات تؤكد عجز الكثير منهن عن مواجهة المستجدات، وبعض الحالات تصل الى درجة الخطورة بسبب ممارسة القابلة التي قد تعرض الحامل الى اقصى حالات الاجهاد والتعب. ويشير المختصون الى أن هناك حالات لا يجوز لـ«القابلة» ان تتعامل معها، حتى لا يؤدي ذلك الى مضاعفات اكثر خطورة كإصابة الحامل بامراض ضغط الدم او الربو، خاصة عندما تكون الولادة لاول مرة «بكرية» او عندما يكون وضع الطفل مقلوباً او مستعرضاً.

في الآونة الخيرة أبدت السلطات الصحية في السعودية اهتمامها بعمل «القابلات»، وقررت اعادتها الى الخدمة قبل ان تنزوي في ذمة التاريخ، فأرست قواعد اكاديمية لتخريج اجيال جديدة من القابلات القانونيات يعملن في ذات المجال الذي عملت فيه «القابلة» ـ قديما ـ ولكن بأسس علمية حديثة.