توجه لإنشاء مركز لبحوث الطب النبوي في أبها

د. العسيري لـ«الشرق الأوسط»: يجمع العلوم الشرعية بالطبية ويحتاج الى تعاون «الصحة»

الحجامة أحد علاجات الطب النبوي وفي الاطار د. خالد العسيري
TT

«جرب الحبة السوداء، أو العسل»، «ما عليك سوى الحجامة»، عبارات كتلك كثيرا ما يسمعها المريض من أصدقائه وأقاربه حينما يعجز الطب الحديث عن إيجاد علاج لمرضه، واختلط العطار والطبيب والشيخ الديني في تقديم العلاج بالأدوية وبالأعشاب وبالرقى الشرعية، ولكثرة ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة من وسائل علاجية ووقائية للكثير من الأمراض ظهر مصطلح «الطب النبوي»، والذي كان لفترة طويلة في سبات، حتى انطلق المؤتمر الأول للطب النبوي الذي تبنى فكرته القطاع الخاص في أبها، بعيدا عن وزارة الصحة، ولما لهذا العلم من تشعب وعمق كان لـ «الشرق الأوسط» حوار مع الدكتور خالد عسيري رئيس اللجنة العلمية لمؤتمر الطب النبوي، واستشاري الطب الوقائي في مستشفى الحرس الوطني بأبها ليحدثنا عن الجدل الدائر في هذا الصدد.

* ماذا يقصد بالطب النبوي، وهل يدرج ضمن الطب البديل؟

ـ الطب النبوي هو الطب الذي مصدره القرآن والسنة الصحيحة، وله مسميات أخرى مثل طب الوحيين والطب الإسلامي، وكذلك طب الحضارة الإسلامية الذي اختلط بالطب اليوناني وفيه شيء من الطب النبوي، أما الطب البديل فهو مسمى جديد ظهر في الغرب ليكون بديلا عن الطب الحديث الذي اخفق في علاج الكثير من الأمراض، واندرج تحت هذا الطب البديل أنواع من الطب القديم، ولأنه عرف في الغرب فلم يدرج تحته الطب النبوي.

* هل ترى أن الطب النبوي يجب أن يدرج تحت الطب البديل في الوقت الحالي؟

ـ لا أرى ذلك مناسبا، لأن الطب النبوي هو علم مستقل مبني على ما جاء في القرآن والسنة النبوية كما ذكرت لك.

* هل الطب النبوي مفيد في علاج غير المسلمين؟ ـ في البداية يجب أن أوضح بأن الطب النبوي ينقسم إلى نوعين: مادي وغير مادي، فمثلا من الممكن علاج مرض الملاريا بالحبة السوداء، وعلاج وتخفيف آلام الرأس بالحجامة، وعلاج مرض تليف الكبد بألبان الإبل. فالعلاجات المادية تفيد في علاج جميع الناس ما دامت أثبتت صحتها من خلال البحوث العلمية، فالرسول عليه الصلاة والسلام جاء رحمة للعالمين وهذا ما يفسر الآية الكريمة، أما العلاج غير المادي فيقصد به الرقية الشرعية لعلاج السحر والحسد فهي مفيدة لمن يؤمن بها أي خاصة للمسلمين.

* ما سبب تأخر علماء المسلمين والسعوديين خاصة في البحث حول الطب النبوي؟

ـ ليس تأخرا بقدر أنه كان سباتا عميقا، وأفقنا بعد أن سبقنا الغرب في البحث عن علم الطب النبوي، فبحثوا عن صحة الشفاء بالعسل وماء زمزم والحبة السوداء وغيرها من المواد العلاجية التي ذكرت في أحاديث شريفة، وهذا كان سبب نهوضنا ومناداتنا للطب النبوي. كما أن الجانب الشرعي لم يفعل لأنه لم يكن هناك اندماج مع العلوم الطبية، فالإسلام ليس محصورا في نطاق المسجد فقط، فجهلنا ليس فقط في الجوانب الشرعية بل العلمية، لأننا لا نعرف الطريقة في البحث العلمي.

* وجدتم من يعارض فكرة دخول علم الطب النبوي، واتهموه بالرجعية كأن يعالج مرض السرطان بماء زمزم من دون اللجوء إلى الطب الحديث؟ كيف ترد على ذلك؟

ـ لا أريد أن يفهم بالمناداة للطب النبوي هو إلغاء الطب الحديث إطلاقا، وهذا تضييق وتحجير للخيارات المتاحة للمريض، يجب ألا نتطرف في طرح الطب النبوي، وعلى المريض حرية الاختيار، وأن نقلل مسألة القبول والرفض بأن الطب النبوي هو علاج شعبي وأنه خاص بالطبقة غير المثقفة والمتعلمة، لا بد من التعاون بين جميع أنواع الطب والمصالحة لأن الأهم هو توفير الوقاية والعلاج للجميع، وأود أن أوضح بأن الطب الحديث عجز عن إيجاد الحلول العلاجية للكثير من الأمراض، فعلى سبيل المثال مرض الدرن والملاريا يموت سنويا في العالم 3 ملايين مريض، و5 ملايين للمصابين بالإيدز وغيرها من الأمراض.

* إذاً هل وجد الطب النبوي العلاج لهذه الأمراض؟

ـ في البداية يجب أن أوضح للجميع بأن الطب النبوي يهتم في المقام الأول بالجانب الوقائي، فالوقاية خير من العلاج، كما أنها أساس الطب الذي للأسف أهملها الطب الحديث، فمثلا مرض البلهارسيا الذي يهدد حياة الملايين، علمنا الرسول عليه الصلاة والسلام سلوكيات لو اتبعناها لاختفى هذا المرض من الوجود وذلك بنهيه بالتبول في الماء الراكد الذي هو أساس ومنبع مرض البلهارسيا.

* لم تجب عن سؤالي، هل وجد الطب النبوي العلاج للأمراض التي كما تقول عجز الطب الحديث عن علاجها؟

ـ هناك بحوث علمية تدرس علاقة الحبة السوداء بالشفاء من كل الأمراض وكذلك العسل، فقد قدمت بحثي المتعلق بعلاج مرض الملاريا بالحبة السوداء ونوقش مع كبار العلماء من الدول المختلفة ومنها أميركا ونال التكريم في المؤتمر الأول للطب النبوي الذي عقد مؤخرا في أبها، إلا أنني لا أستطيع أن أعمم النتيجة التي توصلت إليها إلا بعد المزيد من البحوث فقد اخترت 34 عينة مصابة بالملاريا وعولجت بالحبة السوداء وكانت النتيجة نجاحها بنسبة 95 في المائة، ويجب ألا ننسى أن رسول الله فتح باب الأمل في الشفاء وقال «تداووا عباد الله، فانه لم ينزل داء إلا وله دواء، علم من علمه، وجهل من جهله».

* عقدتم أخيرا المؤتمر الأول للطب النبوي في أبها، هل هذا مؤشر بالاستيقاظ من هذا السبات؟

ـ عقد المؤتمر بتنظيم وفكرة نابعة من القطاع الخاص، فالطب النبوي علم كبير وعميق، كان لا بد من أن يلتقي علماء الطب النبوي في مكان ما للبحث والاستفادة من بحوث وتجارب البعض، وهذا ما دعا وشجع الأمير فيصل بن خالد أمير منطقة عسير بدعوته لإنشاء مركز الطب النبوي التطبيقي للبحوث العلمية.

* سيكون مركز الطب النبوي الأول على مستوى العالم، ما تصوركم له، وإلى ماذا يهدف؟

ـ المركز سيكون بإذن الله بؤرة تجمع العلماء من جميع أنحاء العالم وعلى اختلاف هويتهم متخصصين في البحوث العلمية الطبية التي لها علاقة بعلم الطب النبوي، فالمركز سيجمع علماء الشرع والطب، كما سنتعاون مع مراكز البحوث الطبية في أمريكا وأوروبا من أجل التوصل إلى نتيجة علمية تثبت صحة وسائل العلاج التي ذكرها رسول الله.

* وأين الجانب العلاجي في المركز، هل ستكون هناك عيادات للعلاج بالطب النبوي؟

ـ هذه خطوة ثانية، فالمقام الأول سيركز المركز للبحوث والدراسات، ليكون مرجعية علمية يخدم وزارة الصحة أيضا ويخرجها من الحرج، عن طريق تقديم البحوث العلمية التي اقرها علماء الطب والشرع، وسيكون شعار المركز «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، ليكون ردا مناسبا لمن أساء إلى رسول الله برسمهم لرسوم كاريكاتورية سيئة.. لكن بطريقة علمية، وذلك بتقديم الطب النبوي العلاج للكثير من الأمراض التي عجز أمامها الطب الحديث، فكما ذكرت سابقا بأن العلاج المادي هو لجميع الناس ومنهم من أساء إلى رسول الله.

* ذكرت في سياق حديثك بأن مركز الطب النبوي سيرفع الحرج عن وزارة الصحة، في رأيك هل ستؤيد وزارة الصحة الطب النبوي على الرغم من منعها لمزاولة الحجامة؟

ـ وزارة الصحة جهة تنفيذية، فمن المفترض أن تتبنى وزارة التعليم العالي علم وتخصص الطب النبوي وتقره بالجامعات كمنهج وبحث أو تخصص أكاديمي، حينما يكتمل البحث العلمي نصل إلى الجهة التنفيذية ومنها وزارة الصحة، وحول مسألة منعها لمزاولة الحجامة فأنا معها حينما تكون الحجامة وسيلة بديلة لأمراض معينة كعلاج السكر وهذا خطأ فادح بأن يختار مريض السكري العلاج بالحجامة، فالحجامة ليست علاجا لجميع الأمراض هي مناسبة للعلاج من آلام الرأس مثلا، لكن على وزارة الصحة أن تراجع البحوث العلمية التي أثبتت صحة العلاج بالحجامة، وأعتقد أنها منعت بسبب دخول الدخلاء واستخدامهم لأدوات غير صحية.