«تاماغوتشي».. ظاهرة تجتاح «أعناق» طالبات المدارس وتحولهن إلى «زوجات» إلكترونيات

قدرة اللعبة على الحب والإنجاب تخيف الأهالي.. واستشارية نفسية تحذر من «إدمانها»

«تاماغوتشي» للفتيات.. وآخر للأولاد
TT

«تاماغوتشي».. لعبة يابانية انتشرت حول العالم في منتصف التسعينات، لكنها تعود الآن بنسختها الجديدة لتتحول من حيوان أليف يأكل وينام ويمرض وينمو، إلى كائن مبتكر قادر على الوقوع في الحب والزواج والإنجاب، وهو ما جعلها لعبة جذابة للفتيات في السعودية، اللاتي أصبح تعليق «التاماغوتشي» الصغير بسلسال مربوط حول أعناقهن، مظهراً مألوفاً في الفترة الأخيرة.

وتعد «التاماغوتشي» لعبة ديجيتال إلكترونية صغيرة الحجم، تقع ضمن ما يعرف بـ «الرفيق الإلكتروني»، اخترعها الياباني آكى ميتا، وتعود تسميتها إلى كلمة tamago اليابانية التي تعني البيض، وكلمة chi التي تعني الشعور أو الميول، مما يعني أن ترجمة اسم اللعبة من اليابانية إلى العربية هو البيضة المحبوبة، وذلك لأن فكرتها تقوم على أن الطفل، عندما يفتحها لأول مرة، تكون عبارة عن بيضة، وظيفته تبدأ باختيار اسم مناسب لها ومن ثم الاعتناء بها من ناحية الأكل والشرب والنوم وإعطائها الدواء عندما تمرض ومراعاة وقت دخولها للحمام ومراحل نموها اليومية. وبينما تحظر المدارس الحضور إلى الدوام الرسمي برفقة الألعاب، تقوم مجموعة من الطالبات بإدخال الرفيق الإلكتروني داخل الملابس بسلسال مخفي، يسهل من ذلك كون اللعبة تأتي بحجم الجيب، بحيث تتمكن من متابعته وإطعامه والاطمئنان على صحته متى سنحت الفرصة، كما تفعل ابتسام المحمد (12 سنة)، التي أسمت ابنتها الالكترونية «سوزي»، وتقول إنها تحرص على أكلها وشربها والتأكد من ساعات دخولها لدورة المياه بانتظام. وتتفق معها دانة النعيم (12 سنة)، التي تقول إن ابنتها «مروانا»، أصبحت كبيرة وبدأت تميل بإشارات الكترونية لباقي أبناء جيل «التاماغوتشي»، وهو ما يجعلها تفكر في تزويجها بعد أن تختار الشريك المناسب.

ويكاد يكون التطوير الحاصل للعبة «التاماغوتشي» في جعلها كائنا قادرا على تبادل الحب ومواعدة الحبيب وزواجه، ومن ثم الإنجاب منه، أحد أكثر الأسباب الذي جعلت مجموعة من الأهالي يتخوفون من حمى انتشار هذه اللعبة ويمنعون أبناءهم منها، كما تقول عائشة الدوسري، تربوية وأم لثلاثة أطفال، التي ترى أن ما يتم غرسه داخل الطفل طيلة هذه السنوات من قيم وأخلاق، تعمل هذه اللعبة على نسفه خلال فترة وجيزة، مضيفة بأن فكرة الرفيق الإلكتروني لا تتوافق أبداً مع قيم وأفكار المجتمع السعودي المحافظ، وتعتقد أنها ستفتح المجال للكثير من الأمور السيئة في المستقبل.

من جانبها، أوضحت الدكتورة منى الصواف، استشارية نفسية ورئيسة وحدة الطب النفسي في مستشفى الملك فهد بجدة، أن الطفل بشكل عام يتأثر بالصرعات القادمة من الخارج، ويميل لتقليد أقرانه واقتناء أحدث الأجهزة والألعاب، مؤكدة أن لعبة «تاماغوتشي» بمثل ما لها من سلبيات، إلا أن لها بالمقابل مجموعة من الإيجابيات، أوجزتها بالقول: «إنها تنمي لدى الطفل السلوك الإنساني في التواصل، والإحساس بالمسؤولية، إلى جانب أنها تشعر الطفل بالانتماء لكائن آخر، وتحفزه على البحث والتحري وتعلم السلوك الإنساني عند البشر».

في حين حذرت الدكتورة الصواف في حديثها لـ «الشرق الأوسط»، من سلبيات هذه اللعبة، موضحة أنها قد تتحول إلى نوع من الإدمان مثل إدمان الإنترنت، حيث أشارت إلى الضرر الواقع على الطفل جراء استمراره طيلة الـ 24 ساعة في الغوص داخل عالم خيالي تصنعه له هذه اللعبة، وأكدت أنها قد تتسبب أيضاً بفقد النشاط الحركي وخلق جو من العزلة بين الأطفال، أو ربما تقلل من الوقت المخصص للاندماج الاجتماعي والدراسة، بحسب قولها.

من جهة أخرى، تؤكد الدكتورة الصواف على ضرورة التقنين من هذه اللعبة وشبيهاتها بعيداً عن سياسة المنع التي تقول إنها غير مجدية على الإطلاق، مرجعة ذلك لعدة أمور ترى أنها قد تتضح لاحقاً من إدمان «التاماغوتشي»، وأفصحت عن كونها تشمل تقليل المهارات اليدوية لدى الطفل، وأردفت الدكتورة الصواف «إلى أن ذلك ربما يتسبب لاحقاً في إيجاد جيل يسبح في عالم الخيال وغير قادر على وضع خطط واقعية ولا تظهر مهاراته الإبداعية بالشكل الكافي». ولا تمثل «تاماغوتشي» ظاهرة لدى الفتيات فقط، بل إن هناك نوعا آخر مصمم خصيصاً للأولاد، يأتي بألوان تتدرج ما بين الأزرق والأسود، وتكون مماثلة بالمواصفات، إلا أن مهمة الصبي هنا هي البحث عن شريكه «أنثى» عبارة عن «تاماغوتشي» آخر تمتلكه إحدى الفتيات، وذلك لأن اللعبة بشكلها المطور أصبحت مبرمجة على إقامة علاقة مودة مع الطرف الآخر، والتقدم في العلاقات من الصداقة إلى الوقوع في الحب ثم الزواج، وفي بعض الحالات يمكن أن يظهر على الشاشة مولود رقمي جديد، كدلالة على التناسل والإنجاب.