مكة المكرمة: البدء بإزالة 6 آلاف عقار.. يتسبب في «أزمة سكن»

أبراج ومبان تعتمد طريقة «خروج في الحج» للمستأجرين

مبنى للإيجار وقد علقت عليه لوحة «خروج للحج» («الشرق الأوسط»)
TT

«خروج للحج» باتت هذه العبارة هاجسا يؤرق سكان مكة المكرمة، خاصة بعد أعمال التوسعات والإزالة الأخيرة لتنفيذ مشاريع في العاصمة المقدسة.

اللوحة التي سجلت حضورها اللافت، أمام السكان والباحثون عن سكن للإيجار العائلي في معظم أحياء مكة المكرمة، خاصة العزيزية والششة ومخطط النسيم وستر اللحياني والعوالي التي تتميز بموقعها الحيوي القريب جداً من مواقع الحرم والمشاعر، ما أوجد مطامع كبيرة لدى ملاك العمائر والمباني الكبيرة في إخلاء سكان الإيجار السنوي إلى نظام الإيجار الموسمي الذي يعتمد على خروج المستأجرين في موسم الحج والعمرة.

ويعد الموسم الحالي نقطة تحول كبيرة في السعة الاستيعابية في هذه المناطق بعد أن تمت إزالة بعض مساكن الحجيج والمعتمرين في المنطقة الشمالية للحرم المكي.

عمليات إزالة مبان لتنفيذ مشاريع بلغت نحو 6 آلاف عقار في مكة المكرمة، شكلت أزمة أمام السكان الذين كانوا يقطنونها، حيث بدأت رحلة البحث عن مساكن لهم، والأمر نفسه بالنسبة لملاك المباني، فمعظم المساكن تخلى في موسم الحج.

الضحية هم سكان تلك المنطقة من المستأجرين الجدد والقدامى بعدما تم إرغامهم على اختيار احد الأمرين، إما الإيجار الموسمي أو الخروج نهائياً من المسكن ورحلة البحث من جديد عن سكن سنوي وهذا ما ولد أزمة حقيقية، بل ان الأمثلة كثيرة بعد نهاية موسم الحج الماضي.

وشكا مستأجرون في حديث لـ «الشرق الأوسط»، مالك احد المباني، حيث قام بتوقيع عقد طويل الأجل مع احد المستثمرين في منطقة العزيزية باستئجار مبنيين، كل مبنى يكتظ بعدد 40 شقة ليكون العدد الإجمالي للمستأجرين 80 أسرة تم إخراجهم رغبة في الاستفادة من العائد المالي لإيجار موسم الحج والعمرة، علماً أن مدة العقد الاستثماري وصلت إلى 10 ملايين ريال سنوياً.

ورغم أن السكان يجدون مبررا للملاك، فالمبالغ التي يحصلون عليها من العقود مربحة، إلا أنهم يؤكدون تضررهم من ذلك، حيث يؤكد أسامة عبد الحميد، أحد المستأجرين في المبنى، أنهم عانوا كثيراً من مطامع المستثمر الذي فكر في العائد المادي من دون مراعاة ظروف الأسر المتضررة، حيث يقول «كنا ننعم بالاستقرار في هذه الشقة منذ عشرين عاماً تقريباً، وبإيجار ثابت لا يقل عن 22 ألف ريال، إضافة إلى تكبدنا مبالغ كبيرة من اجل عمل تحسينات للشقة، سواء من طلاء الجدران أو السباكة والكهرباء والآن نخرج منها».

في المقابل أكد ملاك العمائر والمباني الكبيرة أن من ابسط حقوقهم استثمار أملاكهم بالعائد المالي الذي يوازي ما صرف من أموال على بنائها. معتبرين ان هذه الخطوة لها فوائد كبيرة في مقدمتها الراحة من المعاناة مع المستأجر، والمطاردة الدائمة في البحث عن الإيجار المتقطع على دفع شهرية، كذلك المحافظة على الاستهلاك لأدوات السباكة والكهرباء.

يقول سعيد الزهراني، أحد المستثمرين، انه لا يمانع من إسكان المستأجرين دون أوقات شهر الحج بطريقة الإيجار الموسمي، وهذا فيه فائدة كبيرة، حيث تتعدد مصادر الدخل، سواء في إيجار الحج الذي «يمثل اضعاف دخل الإيجار السنوي»، وهنالك إيجار موسمي «خروج حج»، الذي لا يتجاوز 14 ألف ريال ولا يقل عن 10 آلاف ريال، ويعتبر إجمالي المردود المادي ما يوازي 20 في المائة من قيمة المبنى.

وكان الشريف منصور أبو رياش، رئيس اللجنة العقارية في الغرفة التجارية بالعاصمة المقدسة، أكد في تصريحات صحافية سابقة «أن نسبة العجز في المساكن في العاصمة المقدسة بلغت نحو 15 في المائة من أصل 200 ألف وحدة يتطلب إنشاؤها نزع 6 آلاف عقار لصالح مشاريع تنموية قائمة»، مشيراً إلى أن جميع المستثمرين يتوجهون إلى بناء مساكن الحجاج بدلاً من المساكن الخاصة بالمواطنين والمقيمين، ذلك بسبب أن مساكن الحجاج ذات دخل مضمون ومجز خلافا لمساكن المواطنين والمقيمين، التي أشغلت بها الجهات الرقابية والتنفيذية في ظل التهرب الدائم من سداد قيمة الإيجارات، وهو الأمر الذي رفع حجم خسائر المستثمرين الى أرقام فلكية. وبين أن حجم الخسائر في المساكن بسبب التهرب من دفع أقساط الإيجارات بلغ 30 في المائة من حجم استثماراته، منها نحو أربعة ملايين ريال خلال الثلاثة أعوام الأخيرة.

ولان «مصائب قوم عند قوم فوائد» فقد نشطت حركة شركات نقل العفش في كثير من أحياء مكة المكرمة أخيرا، وبدا من الصعب الحصول على شاحنة تقل عفشك إلى موقع جديد.

إلى ذلك يقول محمود منشي، مدير مؤسسة لنقل الاثاث «بالفعل تشهد الفترة الحالية وفترة الحج بالذات، حركة غير طبيعية من ضغط العمل، حيث نجد أن طلبات نقل العفش على سبيل المثال في منطقة العزيزية، تزداد بما يعادل 40 في المائة من أوقات عملنا في الأيام العادية».

وتشير مصادر رسمية إلى أن حجم السعة الاستيعابية بمنطقة العزيزية ازداد بنسبة 25 في المائة هذا العام عن موسم 1425هـ، التي وصلت إلى 473565 حاجا، وتتوقع أن تتضاعف هذه الأرقام خلال الأعوام المقبلة بعد النمو العمراني في مخطط النسيم وستر اللحياني.