تربويون ومستثمرون: أرباح الاستثمار في التعليم تفوق مشاريع البتروكيماويات

شددوا على ضرورة وضوح «الرؤية» في ندوة «اقتصاديات التعليم» أقامتها «الشرق الاوسط»

بداية العام الدراسي في إحدى المدارس السعودية (تصوير: عبد الله عتيق)
TT

مفارقة جديرة بالتأمل في قطاع التعليم الخاص في السعودية، فالاستثمار في هذا القطاع اجتذب ولا يزال الكثير من المستثمرين اذ تبين المؤشرات أن العائد من الاستثمار في المدارس الخاصة يتراوح بين 25 بالمائة و35 بالمائة في العام. لكن المستثمرين نبهوا إلى خطورة خصخصة التعليم.

كثير من الرؤى المختلفة ساقها عدد من المختصين في المجال التربوي والمستثمرين في مجال التعليم حلوا ضيوفا على ندوة «الشرق الاوسط» التي عقدت تحت عنوان «اقتصاديات التعليم في السعودية» في مكتبها بمدينة جدة.

الدكتور حسن عائل، عميد كلية المعلمين بجدة، بادر باطلاق سؤال محوري حول المسؤول عن التعليم، هل هي الدولة ام المجتمع، ويجيب عن تساؤله بقوله "في رأيي الدولة هي المسئول الأول، وذلك ضمن أهدافها لإعداد المواطن الصالح" مشيرا إلى أن ذلك يأتي ضمن الهدف الرئيسي للتعليم وهو ضمن سياسة الدولة. واستند في ذلك إلى أن التعليم إلزامي، والدولة اعطت الأفراد فرصة لبناء المجتمعات عبر التعليم، من خلال إتاحة الفرصة لرجال الأعمال للاستثمار سواء مؤسسات او شركات أو أفراد لتخفيف العبء والمساعدة في بناء الافراد.

وتؤيد تلك الرؤية المشرفة التربوية بمدارس عالم الطفولة الدكتورة تغريد نجم بقولها «نعم الحكومة هي المسؤولة ولكني لا اعتقد ان المدارس الأهلية خففت العبء، ذلك لانها على العكس من ذلك زادت العبء من ناحية الإعانات السنوية، وعمليه السعودة وتوفر المناهج والأجور والرواتب».

عبد الرحيم المغربي مساعد مدير عام التربية والتعليم بمنطقة مكة المكرمة يعتبر ان الاستثمار في التعليم متعدد الاشكال والعائدات، ويتطرق إلى انفاق الدولة على التعليم الحكومي بغية الحصول على نتائج قومية، مفيدا أن المستثمرين ينفقون على التعليم غير الحكومي بهدف الحصول على ارباح، متطرق إلى الاستثمار في صناعة مواد التعليم والتي لها عائدات اقتصادية، لاسيما في مجال صناعة المواد الإلكترونية، زائدا على ذلك «وهذا ما نغفل عنه كدول عربية».

من جانبه يطرح الدكتور حسن عائل عميد كلية المعلمين بجدة بعدا آخر من خلال التساؤل حول مدى حل المدارس الخاصة مشاكل التعليم في المملكة، وهل يعتبر الاستثمار مجديا من الناحية الاقتصادية في هذا القطاع؟. وتلتقط الاجابة المشرفة التربوية الدكتورة تغريد نجم بأنها قد حلت مشكلة بالفعل.

ويؤكد الدكتور عائل ان هذا الاستثمار مجد وان كثرة الطلبات على افتتاح مدارس اهلية دليل على ذلك الى جانب شهادة كثير من المستثمرين بالمدراس الاهلية ان هذا النوع من الاستثمار مجد جدا في ظل دعم الدولة له من خلال الاعانات السنوية وتقديم الكتب مجانا، ويشدد بقوله «أستطيع القول إن الاستثمار مجد جدا». ويؤيده الدكتور خالد باجمال مدير مدارس دار الذكر الأهلية بجدة بقوله «الاستثمار في المدارس مربح جدا، وأجده خير الاستثمارات سواء من الجانب المادي أو من ناحية الأجر والمثوبة أو من ناحية صناعة الإنسان» مشيرا في هذا السياق إلى مقولة وزير التربية والتعليم الأردني عندما وصفها بالصناعات الثقيلة، مؤكدا ذلك بقوله «الاستثمار في رأس المال البشري من أهم انواع الاستثمارات وافضلها».

ويعتبر عادل بترجي رجل الاعمال واستشاري التربية والتعليم في مدارس دار الذكر في جدة أن هامش الربح لدى التاجر الذي ليس لديه هدف تربوي سيكون مرتفعا جدا، فمتوسط الربح لا يقل عن 25 في المائة سنويا. وتزيد النسبة ـ بحسب بترجي ـ في اقتصاديات التعليم لتصل إلى 35 في المائة، واكثر احيانا من بعض مصانع البتروكيماويات لكن المهم جدا لرجل الأعمال أن تكون لديه رؤية ورسالة ورغبة في تقديم شيء نوعي. وترى الدكتورة تغريد نجم أن الاستثمار مجد للغاية في هذا القطاع، وتقول «بخبرتي التي تتجاوز 27 سنة في القطاع الخاص، يمكنني أن اؤكد أنه عمل مجد وبه أرباح كبيره تتغير وفق الكوادر والهياكل التنظيمية والنوعية الجيدة للمدرس والمدرسين». الموازنة بين المكاسب التربوية والاقتصادية

* ويسير على النسق الدكتور خالد باجمال بقوله إن الاستثمار في التعليم من انجح الاستثمارات، مبينا أن اقتصاديات التعليم تؤكد ذلك، شرط أن تكون عند المستثمر النظرة المستقبلية بعيدة المدى، والتي تشير الدراسات الاقتصادية من خلال دراسة جدوى المدارس والتي أثبتت أنها لن تكون بعيدة كثيرا. الدكتور حسن عائل يطالب بتصنيف حقيقي للمدارس في هذا القطاع بقوله «نعم مثلها مثل المستشفيات الخاصة متى ما كان المستشفى مصنفا جيدا وبه كافة الإمكانات، لذلك لا بد أن تخضع المدارس لتصنيف حقيقي».

ويقول إن الاستثمار في التعليم انتقل الآن الى الجامعات ومعاهد التدريب بسبب الأرباح الكبيرة والضرورة الكبيرة لوجودها من خلال حلها لمشاكل السفر وتغرب الطلاب، مؤكدا ضرورة مجانية التعليم والزاميته. الدكتورة تغريد نجم كانت لديها مداخلة في هذا الصدد اجملتها في ضرورة إلزام الطلاب بدفع مبلغ مالي حتى لو كان رمزيا لمساعدة المدارس، على الا تتعدى 500 ريال للعام لدعم وتطوير العمل. وقالت ان هناك مدارس اغلقت ابوابها بسبب قلة الطلاب. لكن الدكتور حسن عائل عارضها بقوله ان الاستثمار في المدارس الخاصة مجد بسبب زيادة عدد السكان وان المدارس التي أغلقت كانت بسبب غياب الإدارة والجودة والسمعة وعدم مواكبة التقدم والنوعية الجيدة. ويبين عادل بترجي ان الاستثمار في التعليم يحتاج لنفس طويل بسبب التعامل مع عدة جهات حكوميه لتوفير المتطلبات، ويجب أن تكون الإجراءات سهلة، ناصحا الراغبين الاستثمار في هذا المجال بأن يكون لديهم صبر وجلد لتحقيق الرغبات. ويدلل على ذلك أن موضوع تأشيرات العاملين في المدارس لا بد ان تكون مختلفة تصنيفاتها عن التأشيرات الأخرى، فالمدرسة ليست شركة أو مصنعا، بل هي محضن تربوي تتعامل فيه مع فئات من مراحل عمرية مختلفة تحتاج نوعية خاصة من المتعاملين، لذلك لا بد من تغيير معايير الاختيار، بحيث لا تفرض جنسية معينة بل فرض نوعية معينة.

المحسوبيات

* وتحدث ضيوف الندوة عن المحسوبيات في تصنيف درجات المدارس، وقالت الدكتورة نجم إن الامر مرتبط بعلاقات ومحسوبيات، وهي موجودة حتى في المدارس الحكومية ولكن المدارس الحكومية تحكمها ضوابط اكثر. ويؤيدها الدكتور عائل بتأكيده ان التصاريح لا يمكن الحصول عليها إلا بالمحسوبيات، لكنه استدرك بالقول، «ليس كل المدارس الأهلية سيئة في تصنيفها، هناك مدارس أهلية التسجيل فيها بمقابل مادي، يستلزم الحصول على وساطة للتسجيل من جودتها، وهناك مدارس في التعليم العام ذات موصفات عالية، ولكن الحقيقة ان المدير والإدارة هما الأساس الحقيقي لأي مدرسة سواء اهلية او حكومية من خلال تطبيق النظام واللوائح». وقال «هناك مشكلة أن وزارة التربية والتعليم بين أمرين، الأول: تحتاج إلى مدارس بسبب الزيادة في أعداد السكان والثاني إذا رفعت المعايير لن تجد مدارس، والفجوة تتسع بسبب الزيادة في معدل السكان. لذا ارى أن الحل في وضع معايير متوسطة ومتوازنة ويجب أن يحفز الممتاز ولا يعامل معاملة العادي».

التسيب وهروب المعلمين من المدارس الأهلية

* وتداول المجتمعون ما اسموه هروب المعلمين من المدارس الاهلية، حيث يعيد الدكتور حسن عائل السبب الأول الى عدم وجود الأمان الوظيفي وانخفاض الرواتب، بينما تعتبر الدكتورة تغريد نجم ان السبب ايضا يتركز في عدم وجود اللوائح والنظم والعقد غير الملزم لأي من الطرفين. وحول نقص رواتب السعوديين في المدارس الخاصة يقول باجمال «موضوع نقص الراتب غير صحيح، فهناك مدارس تستقطب مدرسين من امريكا والأردن برواتب عاليه جدا»، نافيا وجود مشاكل في الرواتب لدى المدارس الخاصة، «لكن الثقافة المحلية تقول الوظيفة الحكومية آمن وتحقق أماني وظيفية بعكس الوظيفة في المرافق الخاصة». وعن تقصير المدارس الأهلية في السعودة ابان عادل بترجي ان «السعودة تجبرنا على اخذ الموجود، والموجود قد لا يكون مناسبا لسياسة العملية التربوية المطلوبة لبعض المدارس».

وعن الحلول التي يراها لهذا الموضوع، يفترض باجمال إيجاد نظام إعارة، ويقول «في احدى السنوات فقدت 12 معلما للتربية الإسلامية دفعة واحدة، هناك حل يتمثل في تقديم صندوق تنمية الموارد نصف راتب الموظف على أن لا يتجاوز راتبه 4 آلاف ولكنه مطبق في الإعمال الادارية ولكنه غير مطبق في التعليم». حقوق المعلم

* الدكتور حسن عائل تحدث عن حقوق المعلم مبينا غياب التأمين الصحي كحق للمعلم، بينما ترى الدكتورة تغريد أن هذه الحقوق تغيب حتى في المدارس الخاصة مع الرواتب الاقل والعقود غير الملزمة وللمالك الحق في التخلي عن المدرس في اي في وقت. وطالب الدكتور عائل بحل هذه القضايا وإيجاد العقود الملزمة للطرفين ووضع لائحة للحقوق والواجبات للطرفين، بينما طالبت الدكتورة تغريد بايجاد رقابة حكوميه صارمة وزيادة المفتشين.

أما المغربي فيقول «من خلال تجربة في الميدان التربوي لمست ان المعلم السعودي متى ما توفرت لدية عناصر الدعم المعنوي والنفسي يعطي بلا حدود مع الاهتمام بتقليص الحصص من 24 حصة الى 18 حصة كذلك توفير الدورات التدريبية له في شتى العلوم والمعارف». واعتبرت الدكتورة تغريد نجم اعانة المدارس امرا ضروريا لكن هناك مدارس مكتفية، مشيرة إلى ضرورة وضع الحوافز من قبل الوزارة على سبيل المثال الاعانة السنوية التي تعتبر متواضعة اضافة إلى وضع مسابقات لتميز التربويين ورصد مكافآت للمتميزين. خصخصة المدارس الحكومية

* ودار سجال حول فكرة خصخصة المدارس في السعودية حيث قال الدكتور حسن عائل ان الوزارة لو قامت بهذه الخطوة تكون قد تخلت عن دورها، فالخصخصة ستؤدي الى نتائج عكسية جدا. وقال إن هذه الخطوة اذا كانت لحل القضايا والعجز في المداخل فهناك خلل في تطبيق القوانين وليس من خلال إدارة المدارس.

ويضيف «فالمستثمر يبحث عن الدخل والمردود المادي»، ويشير إلى أن الحل الصحيح يكمن في اختيار الإدارة الكفاءة وإيجاد اللوائح والنظم الحقيقية بدلا من الهروب من المسؤولية.

تجميل نتيجة الطلاب في المدارس الأهلية

* وبرز سؤال مهم فحواه: لماذا يتجه بعض الطلاب الى المدارس الاهلية وتتحسن درجاتهم بعد ان كانت متدنية في التعليم العام.. عميد كلية المعلمين بجدة يقول «بصراحة، نعم، بعض المدارس تضع إجابات الامتحانات لطلابها». وتقول المشرفة التربوية بمدارس عالم الطفولة «هذا الامر يوجد حتى في بعض المدارس الحكومية حيث تقدم (ملزمات) جاهزة، وهذا خطأ، ولكن مهما يكن فان المدارس تخضع للرقابة، والمدير الجيد والإدارة الجيدة هما اللذان يتحكمان في الأمر».