ناشطون يدعون إلى إنشاء برنامج وطني لتزويج ذوي الاحتياجات

مدير الشؤون الاجتماعية في مكة لـ"الشرق الأوسط": غالبية المعاقين متزوجون من خارج السعودية

ذوو احتياجات خاصة يكافحون لنيل فرص حياة أفضل لتحقيق أحلامهم
TT

أحد الإشكالات الكبرى لدى ذوي الاحتياجات الخاصة في السعودية، الكبار منهم، والشبان أحياناً، تتمثل في الزواج من داخل البلاد. ويأتي الوعي الاجتماعي العدو الرئيس لأفراد هذه الفئة الذين يعانون شر الأمرين، وهما: الزواج من فتاة غير سعودية خارج البلاد، والعودة بها ومن ثم الاصطدام بواقع أن الزواج بني على مصلحة كما حدث للكثير، أو البقاء في قفص العزوبية من دون إنجاب ولد قد يحمل هم أبيه إذا كبر.

فزواج من يواجه تحديات طبية من هذا النوع من فتاة سعودية أصبح حلما يصعب تحقيقه، ولم يعد أمامهم سوى الزواج من خارج البلاد، خصوصا من البلدان العربية كاليمن وسورية والمغرب. وتقدم وزارتا الداخلية والخارجية السعوديتان كافة التسهيلات لهم، التي لا تزيد إجراءاتها على مدة أسبوع واحد من تاريخ استيفاء الأوراق اللازمة لمقدم الطلب، إضافة إلى تكفل وزارة الداخلية برسوم استخراج وثيقة الإقامة للزوجة.

وخير مثال على الصعوبات الاجتماعية التي يواجهها ذوو التحديات الخاصة، يتمثل في قصة أبي خالد، وهو رجل في عقده الثالث، رفض عمه (شقيق والده) تزويجه واحدة من بناته الست. يتحدث أبو خالد، الذي يعاني من شلل أطفال، عن معاناته في الزواج «رغم عدم ارتباط بنات عمي إلا أنهن رفضن فكرة الزواج مني، كوني أعاني من شلل الأطفال، ولاعتقادهن أن أي مولود سأرزق فيه سيصاب بنفس المرض الذي أعانيه».

المهم، حدث ما هو متوقع طبيا، وليس اجتماعيا بطبيعة الحال، تزوج أبو خالد من فتاة يمنية، تعاني من نفس ما يعاني منه (شلل الأطفال)، وأنجبا ابنهما البكر خالد، البالغ من العمر سنة وخمسة أشهر الذي لا يعاني من أي إعاقة، وخرج للحياة بصحة ووزن سليم معافى. يقول أبو خالد «بدأ مشروع الزواج عبر الأهل، وبحمد الله نحن متزوجان منذ عامين، ورزقنا بخالد الذي ولد بصحة وعافية ولا يختلف عن أي طفل ولد لأبوين صحيحين».

ومن قصة أبا خالد إلى مبارك الغامدي،41 عاما، وهو متزوج من امرأة عربية أنجبت له طفلتين هما أميرة وأروى (6، 3 أعوام)، ومعاناته لا تختلف في الشكل والجوهر عن أبي خالد إلا في القليل من التفاصيل المتمثلة في تكاليف الزواج. وقال الغامدي «صدقني أن هناك من بلغوا 40 و50 عاما من الأخوة المعوقين لم يستطيعوا الزواج بسبب نظرة المجتمع السلبية، ومنهم أخي الأصغر محمد الذي يعاني من إعاقة وما زلنا حتى الساعة نبحث عن مصادر تمويل لزواجه».

ويوضح الغامدي أن «المشكلة لا تتمثل في الإجراءات الحكومية للزواج من الخارج بقدر ما تتركز في مشكلة التكاليف المادية المصاحبة للزواج من فتاة غير سعودية، كذلك البحث عن فتاة طيبة الأخلاق وصبورة وتبحث عن الستر». ويطرح الغامدي، وهو رغم إعاقته ناشط في حقوق أفراد التحديات الخاصة، فكرة طموحة لحل مشكلة زواج ذوي التحديات الخاصة تستحق الذكر، وتتمثل في إنشاء وزارة الشؤون الاجتماعية، بالتعاون مع الجمعيات المعنية بذوي الاحتياجات الخاصة، برنامجا وطنيا يبحث ويطور ويدعم مشاريع تزويجهم، خصوصا في ما بين الذكور والإناث الذين يعانون من نفس الوضع.

ويضيف الغامدي «أتمنى أن يستعين البرنامج بأصحاب الخبرة في التعامل مع المعوقين من اختصاصين نفسيين واجتماعيين، والإشراف من قِبلهم على تأهيل ومتابعة الزوجين بعد الزواج، كذلك أن يخصص حفل زواج جماعي لهم في تاريخ معلوم وبشكل سنوي». يشار إلى أن جمعية الأطفال المعوقين نظمت في وقت سابق في المدينة المنورة، ندوة علمية تحت عنوان «زواج المعوقين.. الواقع والمأمول»، التي خرجت بالعديد من التوصيات. وتضمنت التوصيات تشكيل لجان لتسهيل زواج المعوقين في مختلف مناطق البلاد، ودعوة الجهات ذات العلاقة إلى تبني هذه القضية من خلال عقد مؤتمر علمي وطني.

كذلك دعا المشاركون، في الندوة العلمية، إلى ضرورة تسهيل أمور زواج المعوقين عبر زيادة القروض المخصصة للزواج، وتخصيص المهور وتخفيض الرسوم الناتجة عن الزواج.

كذلك المطالبة بتفعيل النظام الوطني لرعاية المعوقين، وتكثيف الجانب الدعوي والاهتمام الإعلامي لقضية زواج المعوقين.

من جانبه، يوضح يحيى الزهراني، وهو المتحدث باسم الأشخاص الذين يعانون من إعاقة حركية في جدة، أن السبب الرئيس في مشكلة الزواج لديهم يتمثل في «القبول الاجتماعي»، مضيفاً «أقولها بكل تأكيد أن 90 بالمائة من المعوقين متزوجون من خارج البلاد، والسبب رفض الأسر تزويج بناتهم لأشخاص يعانون من إعاقات حتى لو كان هذا الشخص المتقدم يملك عملا بدخل جيد ومن عائلة كريمة وذا خُلق، ورغم كل هذا لا نسمع سوى كلمتي: يرزقك الله».

وناشد الزهراني، الذي تسبب حادث مروري بإعاقته، وسائل الإعلام المقروء والمرئي أن تتناول هذه المشكلة وطرح حلول لها، مؤكدا أن الكثير من الأطفال الذين يولدون لأب أو أم (معوقة) يكونون بصحة وعافية ولا يتأثرون بما يعاني منه والدوهم.

يقول الزهراني «للأسف نحن مجتمع إسلامي، لكن نتعامل بعيدا عن أخلاق هذا الدين، والأسر لدينا تخشى من تزويجنا خوفا من انتقال المرض عبر الوراثة إلى المولود، علما أن النسبة الكبرى من المعوقين لم يولدوا على هذا الحال، بل من الحوادث المرورية».

ويطرح الزهراني سؤالا يستحق الإجابة، وهو «لماذا لا يتم التعامل معنا في مواضيع الزواج كما يحدث مع الاخوة الأيتام؟!».

وبعد نقل القصص والمقترحات السابقة إلى علي الحناكي، مدير الشؤون الاجتماعية في منطقة مكة المكرمة، خلال لقائه بـ«الشرق الأوسط»، أكد أنها من أهم المشاكل التي يعاني منها أفراد التحديات الخاصة، موضحا أن الأرقام تؤكد أن نسبة كبيرة منهم متزوجون من خارج البلاد لأسباب اجتماعية غير مبررة، بحسب قوله. ويقول الحناكي «خلال استضافتي عبر هاتف إحدى الصحف المحلية، اتصلت فتاة سعودية فاجأتني وآلمتني بالوقت نفسه، حيث كانت تسأل عن كيفية زواج من هم مثلها.. بالمناسبة، كانت نبرتها مليئة بالحياء وهذا ما آلمني كون اتصالها لم يكن بالسهل على نفسيتها حسب اعتقادي».

ورحب مدير الشؤون الاجتماعية في منطقة مكة المكرمة بفكرة إنشاء برنامج وطني لتزويجهم، معتبرا أنهم في الشؤون الاجتماعية سيسعون لحل هذه المشكلة الإنسانية بكل المقاييس. وأضاف «لا بد أن نعتمد على قاعدة بيانات تحتوي على معلومات عن أفراد هذه الفئة، خصوصا من هم في سن الزواج، كذلك التوعية الاجتماعية ونشر قصص المعوقين الذين تزوجوا ورزقوا بمواليد في صحة وعافية».