ندوة تاريخ الملك فيصل تختتم أعمالها بالتركيز على سياسته العميقة وشخصيته الإسلامية ودوره العالمي في إدارة النفط

الأمير خالد الفيصل ترأس الجلسة الختامية بمشاركة ثلاثة وزراء سردوا ذكرياتهم مع الملك

احدى جلسات ندوة تاريخ الملك فيصل التي شهدتها العاصمة الرياض خلال اليومين الماضيين («الشرق الاوسط»)
TT

توالت أعمال الندوة العلمية لتاريخ الملك فيصل بن عبد العزيز، التي تنظمها دارة الملك عبد العزيز في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات لليوم الثاني والأخير، حيث ترأس الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، الجلسة الختامية للندوة، وافتتحت الجلسات صباح أمس الخميس بالجلسة التي ترأسها الدكتور عبد الله بن إبراهيم السعادات، وكيل جامعة الملك فيصل للدراسات العليا والبحث العلمي التي تنوعت أوراقها العلمية بين محوري السياسة والاقتصاد في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز، حيث قدم الدكتور عيد بن مسعود الجهني، من مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية بالرياض، ورقة علمية بعنوان (دور الملك فيصل بن عبد العزيز في دعم منظمة الأوبك وأثره على أسعار النفط)، تناول فيها الباحث الدور القيادي الذي قام به الملك فيصل بن عبد العزيز في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، عند قيام المملكة العربية السعودية عام 1973، بقطع الإمدادات النفطية عن الدول الغربية المؤيدة لإسرائيل واستخدام النفط كسلاح ضد هذه الدول، ما جعلها تراجع سياستها ومواقفها العربية.

وأشار الباحث إلى أن هذا القرار التاريخي للملك فيصل بن عبد العزيز أحدث النظرة الأولى إلى أهمية النفط ونقل سعره من نفط رخيص تدير إنتاجه وأسعاره ـ إلى حد كبير ـ شركات النفط الكبرى، إلى نفط ثمين يجب المحافظة عليه، وبرزت إثر ذلك منظمة الدول المصدرة للبترول بحزم وعزم الفيصل وأصبحت منظمة ذات قوة ونفوذ في سوق النفط العالمي.

بعد ذلك قدم الدكتور عبد الرحيم العلمي، ورقة في (فكر الملك فيصل بن عبد العزيز بين العمق الديني والتدبير السياسي)، تناول فيها عددا من العناصر الشاملة، حيث ألقى الضوء على الخلفيات الدينية والقومية والأخلاقية التي جعلت من القضية الفلسطينية القضية الأولى في فكر وعمل وتدابير الملك فيصل بن عبد العزيز حيال ذلك.

وأعطى البحث لمحات ونماذج لدعم الفيصل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتربوي والصحي لهذه القضية وامتدادات هذا الدعم في السياسة السعودية بعد وفاته، كما تطرق الباحث الدكتور العلمي إلى مكانة القضية الفلسطينية في خطب الملك الراحل، كما قدمت الباحثة الدكتورة دلال بنت مخلد الحربي، عضو هيئة التدريس بجامعة البنات بالرياض، ومن خلال الاعتماد على وثائق أصلية عربية رسمية لم تدرس من قبل دراسة وثائقية عنوانها (رحلة الأمير فيصل بن عبد العزيز إلى الولايات المتحدة الأميركية ومشاركته في الاحتفال بتوقيع ميثاق هيئة الأمم المتحدة عام 1945)، أبرزت فيها دور الأمير فيصل بن عبد العزيز في تكوين هيئة الأمم المتحدة من خلال مشاركته بالتوقيع على ميثاقها ممثلا عن والده الملك عبد العزيز وما نتج عن ذلك من إيجابيات أهمها أن السعودية أصبحت عضوا مؤسسا لهذه الهيئة الدولية، كما تناولت الباحثة ما واكب تلك الزيارة من أحداث ساهمت في توثيق الصلات السعودية ـ الأميركية.

من جهة أخرى وفي نفس هذا الحدث، تناول الدكتور يوسف بن علي الثقفي، من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، براعة دبلوماسية الأمير فيصل بن عبد العزيز أثناء مؤتمر سان فرانسيسكو الذي أقر فيه إنشاء وقيام هيئة الأمم المتحدة، وذلك من خلال دراسة وثائقية تطرق فيها إلى ملامح هذه الدبلوماسية وعمقها القائم على مبادئ الحوار والسلم والعدالة، وما بذله من تفوق في نقل وجهة نظر بلاده تجاه الآخرين في العالم القائمة على نبذ العنف ومبادئ السلام والمشاركة في عمارة الأرض، وعرض الباحث حرص الأمير فيصل بن عبد العزيز كونه وزيرا للخارجية يمتلك ميزات شخصية وخبرات سياسية على الاجتماع بممثلي الدول الغربية قبل انعقاد مؤتمر سان فرانسيسكو للم الشمل العربي وتوحيد الجهود ودعا من خلال الكلمات التي ألقاها في المؤتمر بأن تتخذ الدول موقفا داعما للقضايا العربية والإسلامية، وحرصه أثناء مشاركته على توثيق علاقات المملكة العربية السعودية مع الأمم المتحدة في توجهها القائم على أن مبادئ السلم والعدالة والحق يجب أن تسود العالم وأن العلاقات الدولية يجب أن تقوم على هذه المبادئ.

واختتمت الجلسة بورقة الدكتورة فاطمة بنت محمد الفريحي، من كلية البنات في بريدة، التي حللت من خلالها أبعاد موقف الملك فيصل بن عبد العزيز من حرب اكتوبر 1973، وجهوده في التنسيق السعودي ـ المصري لهذه الحرب، ودور الفيصل المشرف في قيادة معركة سلاح النفط ودعم مصر والآثار التي ترتبت على ذلك، وموقفه الشجاع والثابت في توقف تعميق العلاقات السعودية ـ الأميركية، مما جعلها تقف بشكل عادل في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، كوسيط محايد والعمل على حل المشكلة الفلسطينية بما يكفل حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في العودة إلى أرضه، وختمت الباحثة بالإشارة إلى جهود الملك فيصل بعد الحرب لتحقيق التضامن العربي.

وترأس الدكتور محمد بن عبد الرحمن الربيع، من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الجلسة السادسة من جلسات الندوة، التي عقدت أمس، وتركزت على المحور الأدبي والثقافي، حيث قدم الدكتور عبد الله بن محمد أبو داهش، من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ورقته العلمية «الملك فيصل بن عبد العزيز في الشعر اليمني»، تناول فيها جانبين، الجانب الأول أهمية الدوريات المحلية، وما تصدر عنها من مادة عملية مهمة، وضرب الباحث لذلك مثلا بجريدة «أم القرى» وغيرها من المؤلفات المطبوعة المنشورة.

الجانب الثاني تناول فيه ما انطوت عليه هذه الدراسة من شعر عدد من شعراء اليمن البارزين ممن شهدوا بعض مواسم الحج، إلى جانب من سواهم من الشعراء اليمانيين الآخرين الذين كانوا على صلة بالمملكة وقادتها وشعبها، وأبرزت الدراسة منزلة الملك فيصل في أعين أولئك الشعراء الذين أظهروا حزنهم وما مسهم من الألم تجاه فقده، إذ دلت قصائدهم على صدق مشاعرهم وألمهم عندما رثوه، كما كان لحديثهم عن السعودية أثر في إيضاح نهضتها ودورها تجاه قضايا العالم العربي والإسلامي، وهو ما يعكس رسالة هذه البلاد وريادتها، مستدلا بذلك على منزلة الملك فيصل بن عبد العزيز في الساحة السياسية.

ومن القارة الأفريقية تناول الدكتور الخضر عبد الباقي محمد، من المركز النيجيري للدراسات العربية بنيجيريا، أبرز ما حفلت به الكتابات الوطنية للنيجيريين عن الملك فيصل بن عبد العزيز، وتتبع السياقات والأطر العامة التي تتمحور حولها تلك الكتابات، ولم يقتصر الدكتور الخضر عبد الباقي في بحثه «الملك فيصل بن عبد العزيز في الكتابات النيجيرية: الملامح والسمات»، على مجرد الرصد، بل تجاوزه إلى التعرف على طبيعة الاتجاهات التي تسود الأفكار والموضوعات المطروحة فيها وتناول الباحث في مقدمة بحثه حيثيات الارتباط ودوافع الاهتمام بالملك فيصل وتاريخه في الوسط الثقافي النيجيري، كما عرض بعض النماذج من الكتابات النيجيرية وفق أطر التصنيفات العامة.

وفي نفس السياق، قدمت الورقة العلمية «الملك فيصل بن عبد العزيز في الكتابات اليابانية»، للدكتور سمير عبد الحميد نوح، من جامعة دوشيشا في اليابان، دراسة الأثر الواضح للزيارة من خلال ما كتب في الصحف والمجلات اليابانية وسجلات الندوات العلمية، وما تبع ذلك من اهتمام بعض الكتّاب والباحثين اليابانيين بالكتابة عن الملك فيصل في كتب منفصلة أو ضمن كتب تناولت تاريخ السعودية وسياستها الدولية وبخاصة في الشرق الأوسط وتجاه اليابان، أو ترجمة كتب صدرت عن الملك بلغات أخرى، وتتناول الصفحات الأخيرة من البحث رؤية الباحث لاهتمامات اليابانيين بشخصية الملك فيصل وسياسته الحكيمة من خلال ما ورد في الكتابات اليابانية.

وقدم الدكتور جلال السيد الحفناوي، من جامعة القاهرة، ورقة علمية تحت عنوان «مكانة الملك فيصل بن عبد العزيز في المصادر الأردية»، أظهر فيها ما ناله الملك الراحل من الحب والتأييد من مسلمي شبه القارة الهندية «الهند، باكستان، وبنغلاديش»، لتأييده لهم ولقضاياهم السياسية وأبرزها حروب الهند وباكستان، وآخرها حرب 1971، ثم تناول الدكتور الحفناوي دور الملك فيصل بن عبد العزيز بصفته أحد المهندسين البارزين للتضامن الإسلامي والدعوة إليه من خلال رابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وبخاصة في سياسته الخارجية وتحركاته نحو التضامن الإسلامي مع شعوب شبه القارة الهندية من المسلمين، حيث ظلت سياسة التضامن الإسلامي حجر الأساس في السياسة الخارجية السعودية، وبالتالي ما حققه من خلال هذه السياسة العميقة في حشد التأييد الإسلامي في الهند وباكستان للكفاح العربي ونصرة القضايا الإسلامية والعربية، كما تناول البحث بالدراسة شخصية الملك فيصل بن عبد العزيز، وأثرها في قلوب مسلمي شبه القارة الهندية الباكستانية، من خلال المصادر الأردية وكتابات مؤرخي الهند وباكستان في التاريخ والأدب الأردي وتحليل مضمون الصحف الأردية في عهده، فضلا عن تناول البحث تأثير السياسة الحكيمة للملك فيصل على شعوب تلك المنطقة من خلال الخدمات الجليلة التي قدمها لهم وهي لا تزال شاخصة حية أمام دارسي وزوار الهند وباكستان، حيث ساهم الملك فيصل في إنشاء جامعات ومدارس ومستشفيات ومدن وهيئات بحث تحمل اسمه ساهمت في تنمية الوعي الإسلامي والديني، لدى شعوب شبه القارة الهندية.

وتداخل الحضور مع الأوراق العلمية المقدمة، داعين إلى مزيد من التوسع في هذا الجانب في استقصاء تأثير شخصية الملك فيصل بن عبد العزيز على كتابات إعلامية أخرى في مناطق جغرافية أخرى في العالم، وما حفزته هذه الشخصية التاريخية من تأليف وترجمة في النتاج الأدبي والثقافي والإعلامي.

وافتتح الدكتور أحمد بن محمد الحميد، من جامعة الملك خالد في أبها، أعمال الجلسة السابعة من الجلسات الختامية للندوة التي بدأت بالورقة العلمية (العلاقات السعودية ـ الإيرانية ومشكلات الأمن الإقليمي في الخليج العربي على عهد الملك فيصل بن عبد العزيز 1964 ـ 1975)، والمقدمة من الراحل الدكتور جمال زكريا قاسم ـ من جامعة عين شمس، وألقاها نيابة عند الدكتور محمد صابر عرب، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، وتناولت الورقة جانبا مهما من السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية في عهد الملك فيصل من خلال حرصه على ترسيخ أركان الأمن الإقليمي وتدعيم أسسه من خلال دبلوماسيته الهادئة في التقارب مع إيران وساهم في هذا التقارب، عاملان رئيسان حصرهما الباحث في انحصار المد القومي العربي إثر هزيمة يونيو (حزيران) 1967، وقرار الانسحاب البريطاني من منطقة الخليج في يناير 1968، ما أدى إلى نشوء فراغ سياسي وعسكري نشأت معه أهمية التقارب بين البلدين للمحافظة على الاستقرار السياسي ومواجهة الحركات الراديكالية التي استهدفت إحداث تغيرات سياسية فضلا عما أفرزته من تهديد لمضيق هرمز الذي يصدر ما يقرب من 40% من إنتاج النفط إلى العالم الخارجي، فارتكزت جهود الملك فيصل على سد الفراغ الناتج عن الانسحاب البريطاني من داخل المنطقة وليس من خارجها، وذلك بالتعامل الدبلوماسي مع إيران وعدم استبعادها من مسؤولية أمن الخليج، مما كان له الأثر في تحقيق مزيد من التقارب معها، وفي منحى آخر تطرق الباحث إلى دور الملك فيصل في أزمة الطاقة العالمية أثناء دعوته التي آزرتها دول الخليج إلى حظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأميركية، ما لم تتخذ سياسة متوازنة بين العرب وإسرائيل، ما جعل لها دورا فاعلا في الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

وقدم الدكتور محمد مراح، من جامعة العربي بن مهيدي الجزائرية، ورقة عن العلاقات الجزائرية ـ السعودية من خلال الصحف العربية الجزائرية 1946 ـ 1975، مستعرضا الدور المشترك بين الزعيمين العربيين الراحلين الرئيس الجزائري هواري بومدين، والملك فيصل، وما أداه البلدان من أدوار حاسمة في الأحداث الكبيرة على المستوى العربي والدولي في تلك الفترة بقيادة هذين الزعيمين، وتناول الدكتور مراح هذا التوحد في الاتجاه والمواقف السياسية بين الجزائر والسعودية من خلال الصحف العربية التي كانت تصدر في الجزائر في تلك الفترة.

وفي نفس مسار العلاقات المغاربية ـ السعودية، تطرقت الدكتورة لطيفة الكندوز، من جامعة محمد الخامس بالمغرب، إلى ملامح وشواهد من العلاقات المغربية ـ السعودية ذات الجذور التاريخية وتنامي هذه العلاقة في عهد الملك فيصل نتيجة تطابق وجهات النظر والتنسيق العميق بشأن الاهتمامات المشتركة بينهما، بعد أن خصه الملك فيصل بست زيارات خلال مدة حكمه، كانت تمليها ظروف سياسية تحتاج إلى التشاور وتنسيق العمل بين البلدين، واستدل الباحث من خلال تحليل الخطب والكلمات للملك فيصل والملك الحسن الثاني على مدى التوافق والتجانس والتنسيق في القضايا الأساسية التي تواجه البلدين داخليا وخارجيا، وتطابق الخطة الأساسية لسياستها المبنية على التطور والتجديد الهادف مع المحافظة على الثوابت الدينية والثقافية.

ومن تركيا قدم الدكتور مصطفى أوزتورك، من جامعة الفرات بتركيا، تتبعا لمسيرة العلاقات بين تركيا والسعودية من عام 1932ـ2006، من خلال ورقته عن العلاقات البينية بين البلدين والأسباب التي ساعدت على توثيق هذه العلاقات بين الدولتين منذ بدايات تأسيسها، وتطرق الدكتور أوزتورك بالحديث إلى زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز إلى تركيا وكونها أول خطوة في تطوير العلاقات بين الطرفين على أعلى مستوى، كما تناول الباحث أصداء الزيارة على المستوى الشعبي والإعلامي في تركيا.

واختتمت الجلسة أعمالها بورقة علمية عن (أنشطة الأمير فيصل بن عبد العزيز السياسية في الفترة من 1926ـ1929: قراءة في الوثائق الفرنسية)، والمقدمة من الدكتور عبد الفتاح حسن أبو علية، من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتناول فيها من خلال دراسة وتحليل الوثائق الفرنسية معلومات تاريخية سياسية عن أنشطة الأمير فيصل بن عبد العزيز السياسية وبيان دوره الفاعل في هذا المجال خلال الفترة بعد دخول الملك عبد العزيز الحجاز وقبل تسلم الأمير فيصل بن عبد العزيز وزارة الخارجية السعودية.

وتحدث في الجلسة الثامنة التي كانت ختام فعاليات الندوة وترأسها الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة، كل من جميل بن إبراهيم الحجيلان، أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية السابق، ومحمد بن علي أبا الخيل، وزير المالية والاقتصاد الوطني سابقا، وهشام بن محيي الدين ناظر، سفير خادم الحرمين الشريفين في مصر والوزير السابق وهم ممن عملوا في عهد الملك فيصل تحدثوا فيها عن الانجازات العديدة التي شهدتها المملكة في عهده في شتى المجالات التي أسهمت في تنمية البلاد، كما تطرق المتحدثون عن سمات شخصية الملك فيصل في إدارة شؤون البلاد.