الأطفال المصابون بمرض السرطان يتقبلون إصابتهم أكثر من ذويهم

مديرة مركز الأورام لـ «الشرق الأوسط» : ثلث مرضى المركز من الأطفال

TT

«بقدر ما ينهك المرض أجسامهم الغضة الصغيرة ويفتك بها بسرعة، بقدر ما تستوعب أرواحهم النقية وضمائرهم الصافية هذا القدر محاولين بعث ابتسامة واهنة بين الحين والآخر تذيب قلوب الآباء والأمهات».. بهذه العبارة الكئيبة يتشكل الانطباع الأول لزائر قسم الأطفال بمركز الأورام التابع لمستشفى الملك عبد العزيز بجدة.

التجوال في أروقة القسم الهادئة إجلالاً لآلام البراءة، لا تقطعه إلا خطوات طبيب أو أب قرر الهروب بدموع عجزه من أمام فلذة كبده التي تصارع الموت، والضحكة الوحيدة التي يمكن ان تسمعها في هذا القسم الصامت هي لطفل مريض يتابع التلفاز في حالة تحسن مفاجئ، فالأطفال كما تقول المشرفة والطبيبة في هذا القسم أكثر شجاعة من الكبار وأكثر تقبلا واستسلاماً لواقع المرض الخبيث.

الدكتورة حسنا الغامدي، مديرة مركز الأورام بمستشفى الملك عبد العزيز، وهو أحد أكبر المستشفيات الحكومية بجدة والأكثر استقبالا لحالات مرضى السرطان خاصة بعد افتتاح مركز خاص بالأورام تابع للمستشفى قبل 14 عاماً، وتم افتتاح قسم خاص للأطفال بالمستشفى قبل قرابة العامين فقط لحل مشكلة قلة الأسرة المتوفرة للأطفال المرضى.

وتقول الدكتور حسنا الغامدي بأن نسب الإصابة بالسرطان في السعودية شهدت ولا تزال تشهد ارتفاعاً ملحوظاً من حيث نسب الإصابة بشكل عام، والإصابة في صفوف الأطفال بشكل خاص، وتستشهد على ذلك بالزيادة التي شهدتها بشكل شخصي من خلال أعداد المترددين على المركز في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث قفز متوسط الحالات التي كان يستقبلها المركز من 600 إلى 750 حالة جديدة سنوياً منذ افتتاحه عام 9419، ليصل إلى أكثر من 1000 حالة جديدة سنوياً أخيراً، ويشكل الأطفال ثلث هذه النسبة.

أما أكثر أنواع السرطانات شيوعاً في صفوف المرضى من الأطفال، فتقول الكتورة حسنا الغامدي بأن سرطان الدم اللمفاوي هو الأكثر شيوعاً بالنسبة للأطفال مرضى السرطان في السعودية، ويأتي بعده سرطان النخاع. وتؤكد في الوقت نفسه أنه ليست هناك أسباب مباشرة للإصابة بالسرطان لحد الآن، لكن هناك عوامل مساعدة، واحتمالات تزيد من نسب الإصابة بالسرطان في صفوف الأطفال بحسب الدراسات العلمية.

وتأتي الأسباب الوراثية، والتعرض للاشعاعات، أو المبيدات الحشرية، واستخدام الأدوية الكيماوية، إضافة إلى دور بعض الفيروسات التي تصيب الأطفال في طليعة الأسباب التي تؤدي إلى إصابة الأطفال بالسرطان في السعودية كما تقول الغامدي، التي يقتصر عمل المركز الذي تديره على متابعة الحالات وتشخيصها ومعالجتها فقط.

علاج السرطان مكلف جداً، وفي أحيان كثيرة لا يكون في استطاعة الأسر تحمل تكاليفه، وغالباً تتراوح طرق العلاج بين التدخل الجراحي، أو العلاج الكيماوي، أو العلاج بالأشعة العلاجية، أو العلاج الهرموني، أو زراعة النخاع العظمي لبعض الحالات، وفي بعض الأحيان لا يكون في وسع الأهل تحمل هذه الكلفة كما تقول الغامدي، إلا أن قسم الخدمة الاجتماعية بالمستشفى يحاول مساعدة هذه الحالات عبر التواصل مع جمعيات خيرية خاصة برعاية مرضى السرطان.

وتقول الغامدي بأن الطفل المصاب بالسرطان عادة يكون منهكاً بفعل المرض القاسي، وبحاجة إلى لمسة حانية وعطوفة بقدر حاجته إلى العلاج الناجع، وبالتالي فإن هناك حاجة ماسة لمتابعة الطبيب النفسي للأطفال المرضى بشكل خاص، ولهذا يحاول المركز إحاطة الأطفال بجو أسري ويسمح لعائلاتهم بقضاء ساعات طويلة معهم، إلى جانب الخدمات الأخرى التي يقدمها قسم الخدمة الاجتماعية بالمستشفى في هذا السياق، حيث يقوم القسم بإعداد فعاليات ترفيهية بالتعاون مع جمعيات خيرية عاملة في هذا المجال.

الشعور بالعزلة والوحدة والألم يحاصر الأطفال المرضى، وبشكل خاص أولئك الذين يخضعون لجلسات علاجية طويلة تضطرهم إلى البقاء داخل المستشفى لشهور طويلة، إلا أن إدارة المركز قررت منذ شهرين افتتاح فصول دراسية خاصة للأطفال المنومين بالمركز لفترات طويلة حتى لا تتعطل مسيرتهم التعليمية بالتعاون مع جمعية سند لمرضى السرطان، وهي تثير حماسة الأطفال وتملأ وقتهم وتدعمهم معنوياً كما تقول الغامدي.

وترى الغامدي بناءً على خبرتها في التعامل مع حالات كثيرة صعبة، بأن الأهل في الغالب هم الذين يواجهون صعوبة كبرى في تقبل مرض أبنائهم بالسرطان، وهم ميالون إلى إخفاء الخبر عن أطفالهم بحجة حمايتهم من هذا الخبر المفجع الذي يفوق احتمال الأهالي، إلا أنها تنصح الأهالي بعكس ذلك لأن الأطفال الآن أكثر قدرة على التقبل والتفهم والنقاش، وهم أذكياء جداً ويحسون بأكثر مما نحس به، وبالتالي فإن إخفاء الحقيقة عنهم يؤذيهم أكثر مما ينفعهم، كما تقول، إضافة إلى أن إخفاء الأمر فقط يزيد من الإرهاق النفسي للطفل والأهل.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها جمعيات خيرية معدودة بدأت نشاطها خلال السنوات القليلة الماضية، وهي تركز على العناية بمرضى السرطان بشكل عام إلا أن رغبات صغيرة للأطفال المرضى وذويهم يمكن أن تصنع فرقاً كبيراً كما تقول أم محمد التي تأتي من قرية قريبة من مكة المكرمة بابنها ليحصل على جرعاته العلاجية ولا تجد مكاناً لإقامتها، فتضطر هي وابنها للإقامة في شقة مفروشة إلى حين انتهاء برنامجه العلاجي في كل مرة، وكما تقول الغامدي فإن دور الضيافة للأهالي والأطفال المراجعين من خارج جدة، هو أمر غير موجود حالياً، ويمكن أن يساعد الكثير من الحالات التي تعاني من محدودية الدخل وفي الوقت نفسه من هموم معالجة ابن مريض.

وتتابع الغامدي، نتمنى أن يكون هناك مركز خاص بما يسمى «العناية التلطفية للأطفال» أسوة بمراكز موجودة في البلدان الأخرى، وهو يخصص عادة للحالات المتأخرة التي لا علاج لها ويمكن أن يستضيف الطفل وبعض أفراد عائلته ويقدم له رعاية طبية وتدخلاً تلطفياً يخفف عنه الآلام ويحاول أن يرسم على شفاهه البريئة ابتسامة رضا عن طريق تلبية رغباته الصغيرة البريئة قبل رحيله، أيضاً نتمنى أن تدخل برامج رعاية مرضى السرطان وخاصة الأطفال في مراحل المرض النهائية الميؤوس منها مرحلة جديدة ومتطورة وتقدم إليهم خدمات عن طريق الجمعيات الخيرية والجهات المختصة مثل توفير الزيارات الميدانية للمرضى في الحالات المتأخرة، وجمع تبرعات الدم.