مصاب يودع أهله «يوميا» بـ3 وصايا منذ سنة

إحدى بناته أدمنت المواقع الطبية.. وأخرى تتصدق شهريا بمكافأتها الجامعية

TT

«تحمل المسؤولية، الاعتماد على النفس، صلة الأرحام» هي آخر 3 وصايا يقدمها أب سعودي مصاب بمرض السرطان يومياً لبناته الست وابنه الوحيد قبل أن ينام، قلقاً على مصيرهم وتخوفاً من أن لا يصحو مرة أخرى، بعد أن داهمه المرض فجأة قبل سنة و3 أشهر، لينهش جسده ويصيب القولون والمستقيم والكبد، مع بقاء احتمالية انتشار الورم بعد أن وصل لمرحلة متقدمة.

ويختصر عبد العزيز الحمود (66 سنة) وضعه الصحي بالقول: «الحمد لله على كل حال»، موضحاً أن ما يعيشه اليوم مع الورم الخبيث عاشه قبله أخوه الأكبر الذي توفي منذ عامين وأخته الوحيدة التي لحقت به قبل أشهر، وهو ما جعل الحمود متخوفاً من مصير أبنائه، حيث يدعو الله أن يمنحه متسعاً من الوقت فقط كي يعيش لأجلهم، مما دفعه للحرص على توصيتهم ونصحهم بما يفيدهم بشكل يومي، وهو يردد «ربما يكون هذا اليوم هو الأخير لي معهم».

وتتكون عائلة الحمود، التي تسكن في حي الشفاء جنوب مدينة الرياض، من 6 فتيات، اثنتان منهن متزوجتان فيما الباقيات ما زلن طالبات على صفوف التعليم المختلفة إلى جانب شاب وحيد يعمل في إحدى شركات القطاع الخاص دون أن يكمل تعليمه الجامعي، ووالدتهم التي تحولت مع الوقت إلى ممرضة ملازمة للمنزل، بعد أن ألغت كافة التزاماتها الاجتماعية والأسرية وأصبح برنامجها اليومي متفقاً مع مواعيد نوم واستيقاظ وعلاج زوجها المريض، الذي كان قد ترك عمله في تجارة الأقمشة قبل أكثر من 3 سنوات.

وتصف حنان، ابنة الحمود الكبرى، حال والدها بالقول «هو يتألم في كل لحظة، ولا تتحسن نفسيته إلا حين مراجعته في مدينة الملك فهد الطبية بعد أن يرى الكثير من الحالات المأساوية لأناس آخرين يعانون من المرض»، وتؤكد حنان أن أصعب ما يمرون به اليوم هو تخليصه من حالة الاكتئاب التي ألمت به، لكنها تعود للقول «شعور مريض السرطان بالاكتئاب طبيعي، وحسب ما قرأت يعاني حوالي 25 في المائة من مرضى السرطان من الكآبة».

وقد انعكس الاستياء النفسي لأفراد أسرة الحمود على طباعهم وعاداتهم، كما تقول حنان، التي أوضحت أنها اليوم أصبحت تمتلك حصيلة ضخمة من المعلومات الطبية التي قرأتها في أكثر من 50 كتاباً وبحثت عنها في مئات المواقع الإلكترونية، إلى جانب ما لمسته من وضع أخواتها الصغار في الاعتماد على النفس والتقليل من الطلبات الكمالية التي كان والدهم يتكفل بإحضارها، قائلة: «أدرك أخواتي أن مرض والدي يعني عدم المقدرة على الذهاب لشراء الأغراض فتحولت طلباتهن من يومية إلى أسبوعية، وأحياناً شهرية».

ويعود الحمود الذي فقد نحو 60 في المائة من وزنه خلال سنة، للقول «هذه الحياة رحلة قصيرة، وأنا مؤمن تماماً برضا الله وقدره»، فيما تؤكد زوجته، أم عبد الله، أن حالته الصحية تدهورت نتيجة الإهمال لكونه لم يكن حريصاً على المراجعة والتحاليل ويتجاهل الآلام التي كان يشعر بها، وأضافت قائلة: «لا أحد يحس بمرض السرطان مثل متابع الحالة، لا طبيب ولا باحث ولا المريض نفسه، فكثيراً ما يغيب زوجي عن الوعي لساعات وأجلس بجانبه ثم يفيق فجأة دون أن يعلم ببكائي ودعائي».

ورغم أن الطبيب المشرف على حالة أبي عبد الله أفاد عائلته قبل مدة أنه قد لا يعيش لأكثر من الـ6 أشهر المقبلة، إلا أن أسرة الحمود رفضت تصديق ذلك، مرجعة ذلك لكون الموت من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله، وهو ما جعل ابنته الوسطى التي تدرس بالجامعة تخصص جزءاً من مكافأتها الجامعية للتصدق لوالدها بمبلغ شهري مستقطع، تتمنى أن يكون شفيعاً لإطالة عمره.

فيما ترجع حنان لتقول «إصابة والدي المفاجئة بالمرض وتخوفه الدائم من الموت علمت أخواتي أن الحياة قصيرة وأننا مطالبون باحترام الوقت وإنجاز الكثير»، مؤكدة أن أصعب ما مر بها هو رؤية دموع والدها وهي تنهمر يومياً، قائلة بتفاؤل «وضعنا الصعب هذا تمر به العديد من الأسر خاصة مع الانتشار المريع لمرض السرطان»، وهو تماماً الأمر الذي تؤكده أحدث بيانات السجل الوطني للأورام، حيث سجل 8 آلاف حالة سنوياً بالسعودية لأفراد أصيبوا بالمرض، ويحملون داخلهم ألف قصة، وقصة.