معرض التراث العمراني.. تناغم فريد بين الطين والرواشين

إفتتح فعالياته في جدة بمشاركة الأمير خالد الفيصل والأمير سلطان بن سلمان

قصر المصمك في الرياض
TT

تناغم فريد بين الطين والرواشين، وامتزاج عمراني فني يعانق التراث بالحاضر، معاني اجتمعت في أرجاء معرض جائزة الأمير سلطان للتراث والعمران بجدة، التي اقيم حفل تكريم الفائزين بها يوم أمس، في متحف ابرق الرغامة في جدة، بحضور الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، والأمير سلطان بن سلمان رئيس مؤسسة التراث، ورئيس اللجنة العليا للجائزة، وامتلأ المكان بعجائب البناء المشيدة بسواعد الأجداد منذ مئات السنين لتحكي شموخا لحنكة العظماء، وحاضرا جميلا يباهي الهندسة والعمار في دول العالم.

ما بين قصر المصمك في الدرعية بالرياض، الذي يعد علامة بارزة في فن البناء القديم، الى مباني المدينة التاريخية في جدة القديمة، برواشينها المشهورة، مرورا بقرية المفتاحة، بمنطقة عسير بألوانها وبنائها الخاص، وسوق المجلس بمحافظة المذنب بالقصيم، لوحة متكاملة تحكي روعة المكان وتشير الى وحدة المكان ضمن فلسفة التنوع والاختلاف.

ليس ذلك فحسب، بل كان للطابع البناء الاسلامي وجوده ايضا، بداية من الحرم المكي الشريف والمسجد النبوي والمساجد الأخرى، التي تميزت برسومها الاسلامي وخطوطها العربية والعثمانية، ومن كل البقاع الاسلامية والمساجد الحديثة، ولعل أبرزها ذلك المسجد الذي على شكل صدفة بحرية، صممته ماجدة الحسيني طالبة قسم التصميم الداخلي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.

البناء العربي التاريخي سجل ايضا حضورا قويا عبر مباني شبام بحضرموت والمباني السورية بحلب، وجرش في الأردن وقرطاج في تونس، كما تميزت صور المباني الأوروبية بطابعها الحربي القديم. وكانت لجنة جائزة الأمير سلطان للتراث العمراني لهذا العام، قد أعلنت امس في حفل حصلت خلاله قرية المفتاحة في منطقة عسير على جائزة مشروع التراث العمراني، في حين فاز سوق المجلس في محافظة المذنب على جائزة مجال الحفاظ على التراث العمراني، وحصل المهندس صدقة بن سعيد بن صدقة فقيه على جائزة بحوث التراث العمراني عن بحث تأصيل الطابع المعماري المكي في عمارتها الحديثة.

ومنحت جائزة مشروع التراث العمراني لقرية المفتاحة في منطقة عسير لحفاظها على نمطها العمراني، الذي يمتد من ماض موغل في القدم، وحتى عصرنا الحاضر، ولاهتمامها بتعريف الأجيال المقبلة بحضارة وتقاليد منطقتهم وتاريخ أجدادهم، وتشجيع الفنانين والمبدعين على جميع مستوياتهم لإحياء تراثهم وحمايته.

في حين تم منح جائزة الحفاظ على التراث العمراني لسوق المجلس في محافظة المذنب، لإسهامه في توثيق واستدامة القيم الاجتماعية والتقاليد والأعراف، والتواصل بين الأجيال، إلى جانب كونه موردا اقتصاديا للمدينة.

كما تم اختيار بحث تأصيل الطابع المعماري المكي في عمارتها الحديثة للمهندس صدقة بن سعيد بن صدقة فقيه عن جائزة بحوث التراث العمراني، وذلك لعمق البحث وثرائه وتميزه، حيث أبرز الباحث جهدا ملموسا في توثيق مراحل تطور نسيج مكة البيئي بنسيجها العمراني.

ومنحت جائزة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني في دورتها الثانية مؤسسة الآغاخان للثقافة، جائزة الإنجاز مدى الحياة في مجال التراث العمراني، تقديرا لدورها الرائد ودعمها للعمارة والثقافة والتنمية.

في حين حصل الطالب محمد المحمود من كلية العمارة والتخطيط في جامعة الملك فيصل، على جائزة الطلاب عن مشروع تطوير المنطقة المركزية لمدينة البكيرية، والطالبة منى التونسي من كلية دار الحكمة عن مشروع محطة الحجاز الحديدية، والطالبة ميسان عرفات مأمون من قسم العمارة في كلية عفت عن تقرير متنزه جدة الوطني.

الأمير سلطان بن سلمان رئيس مؤسسة التراث، ورئيس اللجنة العليا للجائزة قال إن مؤسسة التراث أنشأت كمؤسسة لا ربحية عام 1996، ومع تعدد اهتماماتها بجوانب التراث المختلفة جاءت فكرة إنشاء هذه الجائزة عام 1999، بهدف تشجيع العناية بالتراث العمراني وترسيخ الوعي بأهميته كمورد ثقافي واقتصادي، وتأكيد ما يتسم به التراث العمراني للمملكة العربية السعودية من تميز، وإبراز النماذج والتجارب العمرانية الحديثة، التي تنطلق من استلهام تراثنا العريق.

وأضاف الأمير سلطان «لقد تنامى الإدراك بأهمية المحافظة على تراثنا الوطني، على أنه جزء مهم من هويتنا وشاهد على حضارتنا، باعتباره الجزء المرئي من التاريخ، وتطور هذا الاهتمام إلى تقدير جدواه كمورد اقتصادي، ولقد استنفرت الجهود في التضافر للعناية به عبر العديد من الجهات الحكومية».

وأشار الأمير سلطان الى أنه أثار مع آخرين أهمية التراث العمراني كقضية قبل عشرين سنة في مؤتمر رؤساء البلديات والمجمعات القروية في أبها عام 1408 (1988) حين عرضت لأهمية العناية بالتراث العمراني والخطر على الهوية العمرانية، ودعوت إلى وضع برنامج للحفاظ على هذا التراث واستلهامه في التنمية الحضرية. وأضاف أن «تحضر الإنسان هو أحد أبرز مظاهر انتمائه للعالم الأول، فكلما تقدمت الدول في اقتصادها وإنجازاتها العلمية والتنموية، لاحظنا تنامي اهتمام سكانها بتراثهم وحضارتهم، والشواهد على ذلك واضحة للعيان في الدول التي نعدها اليوم تقود العالم الأول، ونحن في منشأ الإسلام أولى بأن نكون متحضرين، ولا مكان لنا إلا في الصف الأول».

من جانبه ارتجل الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، كلمة لم تكن معدة ضمن البرنامج، بالقول «في مثل هذه المناسبات لا يسع الإنسان، إلا أن يشعر بالسعادة العارمة وبالفخر وبالاعتزاز، أولا لأننا نعيش في هذا العصر والعهد المتميز في المملكة عصر الإبداع والمبادرات والابتكار، الذي تقدمه قيادة هذه البلاد ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز».

وقال «نحن، وبالفعل، نعيش هذه الأيام وفي هذه السنوات، مرحلة انتقالية ونعتز بالرجال الذين يجعلون مهمة الانتقال ميسرة، ومن هؤلاء الرجال الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز الأمين العام للهيئة العامة للسياحة والآثار».

واضاف الفيصل «أنا سعيد في هذا المساء، بأنني أجد أن قرية رجال ألمع، قد فازت بالجائزة في العام الماضي، وقرية المفتاحة في جائزة هذا العام، وأنا لي علاقة تاريخية بتلك القرى، وأولئك الإخوة والأخوات الذين قامت تلك القرى على أكتافهم، والذين حافظوا على الطراز المعماري في تلك المنطقة، وأتمنى من الله سبحانه وتعالى ان نقف في هذا المكان في السنوات المقبلة، لنتسلم نحن في هذه المنطقة، منطقة مكة المكرمة، الجوائز العديدة للمحافظة على التراث العمراني، وأن تكون من ضمن الجوائز المستقبلية هي المشاريع التي يشاركنا فيها وفي الإعداد لها الأمير سلطان بن سلمان، وهي مدينة سوق عكاظ في الطائف، والوردة السياحية في الشفاء والهدا في الطائف، ومشروع الساحل الجنوبي لمدينة جدة، وفي محافظة الليث بالذات في السنوات القليلة القادمة، إن شاء الله ومشروع جدة القديمة كذلك، فنحن على موعد مع 4 جوائز ولنكن طماعين».