«الشعيبة 3».. الحلم المنتظر

ينتظر أن تزود منطقتي مكة والباحة بـ880 ألف متر مكعب من المياه المحلاة يوميا

TT

لم يعد لائقاً أن يعلن إنسان غضبه في وجه إنسان آخر، مطالباً إياه أن يشرب «من البحر»، إذا لم يعجبه أمر ما، وليس لائقاً أن يغضب الآخر من هذه الجملة، خاصة في السعودية، بعد أن تحولت هذه الشتيمة غير المقبولة إلى مطلب شعبي عام بالذات لأهالي وسكان جدة.

رغم أن قصة تحلية المياه في السعودية، وفي مدينة جدة تحديداً بدأت قبل 80 عاماً، وتحديداً في عام 1928، حينما وجه الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، بإنشاء جهازين لتقطير مياه البحر، عرفا في ما بعد باسم الكنداسة «المكثف» لتأمين المياه للعاصمة الاقتصادية للبلاد.

واستمرت فصول هذه القصة حتى الآن، لكن الحديث عنها هذه المرة، يأتي في حين تعيش أول مدينة تشرب ماء البحر الملح الأجاج عذباً فراتاً، أزمة مياه خانقة، بعد أن تجاوز حجم الطلب على المياه كثيراً حجم المعروض من إنتاج محطات التحلية.

وعلى مسافة لا تزيد عن 110 كيلومترات جنوبا من الطوابير المرصوصة أمام شبابيك «أشياب الفيصلية» للحصول على بطاقة تعبئة مياه من أحد الصهاريج لفترة زمنية لا تقل عن اليومين، تقع محطتا تحلية المياه المالحة، «الشعيبة 1»، و«الشعيبة 2»، إضافة إلى المشروع الحُلم الذي يبنى صرحاً على الأرض «الشعيبة 3»، علها تروي صاحب عطش من صاح ألماً هذه المرة لا ولهاً: «عطشان يا صبايا دلوني على السبيل».

ويفصل الواقفين في الطوابير عن وفرة المياه المنتظر توفرها، اكتمال بناء المشروع الثالث ضمن محطات الشعيبة لتحلية المياه ستة أشهر فقط، عندما تتدفق أول قطرة ماء عذبة في يناير (كانون الثاني) 2009.

ومع انطلاقتها في العمل، ستوفر «الشعيبة 3» لأهالي منطقة مكة المكرمة، بمدنها الثلاث الكبرى (مكة، جدة، الطائف)، إضافة إلى أهالي منطقة الباحة 880 ألف متر مكعب من المياه المحلاة يوميا، وستمتد هذه التغطية حتى الـ 25 عاماً المقبلة.

وذلك ما جاء على لسان المهندس فهيد الشريف محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه، عند إجابته سؤالاً لـ «الشرق الأوسط» عند مرافقته في زيارته التفقدية للمشروع، وقال أيضاً «روعي في المشروع كافة الجوانب المتعلقة بالتطورات المستقبلية كالكثافة السكانية، عبر دراسات علمية أعدت لهذا الشأن».

وما أن تبدأ عملية الضخ في محطة الشعيبة 3، حتى يتنفس أهالي وسكان جدة الصعداء لانتهاء هذه الأزمة الممتدة طوال عقد من الزمان. وسد عجز المياه الذي وصل إلى نحو 40 في المائة من احتياجاتهم، وفق تصريحات المسؤولين عن إدارة مياه جدة.

وفي الوقت الذي احتفلت شركة الشقيق للمياه والكهرباء بمرور مليوني ساعة عمل دون إصابات منتصف يونيو (حزيران) الجاري، كانت الإصابات تقع في الطوابير الممتدة من شباك حجوزات صهاريج المياه في «أشياب الفيصلية» جدة، بسبب كثرة الزحام والتدافع بين المواطنين الذين اضطر بعضهم للوقوف نحو الأسبوع للحصول على ورقة حجز لا يتعدى طولها وعرضها السنتيمترات.

ستة أشهر، هي الزمن المتبقي من مشروع «الشعيبة 3» الذي يأتي امتدادا لمشاريع محطات الشعيبة لتحلية المياه والكهرباء (الشعيبة 1، الشعيبة 2) في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات الميلادية من القرن الماضي، الذي افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي كان حينها ولياً للعهد.

في الأول من يوليو 2007، شهدت قصة تحلية المياه المالحة في السعودية انطلاقة فصل جديد، بعد أن أصدر وزير التجارة والصناعة السابق الدكتور هاشم يماني، قراراً بتأسيس مشروع توسعة الشعيبة كشركة مساهمة مقفلة برأسمال قدره مليونا ريال سعودي.

وتتمثل أغراضها في تطوير وإنشاء وامتلاك وتشغيل وصيانة مشروع توسعة الشعيبة، لإنتاج المياه ونقل وبيع المياه والقيام بالأعمال والأنشطة المتصلة والمتعلقة بذلك.

وقد شهد تاريخ 15 يوليو 2007، نقلة أخرى تخص مشروع «الشعيبة 3» نفسه، بعد توقيع اتفاقيات تنفيذ مشروع توسعة محطة الشعيبة لتحلية المياه المالحة وتوليد الطاقة الكهربائية «المرحلة الثالثة»، بين شركة الماء والكهرباء المحدودة، وشركة مشروع توسعة الشعيبة، تقوم بموجبها شركة المشروع المكونة من شركات سعودية وماليزية بتنفيذ التوسعة التي تصل تكلفتها إلى 870 مليون ريال، وبطاقة إنتاجية قدرها 150 ألف متر مكعب من المياه المحلاة، مخصصة لمدينة جدة.

ويؤكد المسؤولون أن التوسعات الحالية في مشاريع المياه ستغطي احتياجات منطقة مكة المكرمة كاملة حتى الـ25 سنة المقبلة، مشيرين إلى أن المشاريع الحالية تشمل مشروع محطات التناطح العكسي في جدة، والذي تبلغ تكاليفه نحو 1.2 مليار ريال.

لكن، وبينما تصدرت «الشعيبة 3» تصريحات مسؤولي قطاع المياه في السعودية لطمأنة أهالي جدة حول قرب انفراج الأزمة، ونجاح الوزارة في إيجاد حلول عملية لسد العجز في كميات المياه، علا «صوت المعركة» في أحاديث المواطنين، حين وجدت وزارة المياه «سلاحاً» جديداً لمواجهة شح المياه.

تمثل هذا السلاح الذي أشهرته وزارة المياه السعودية في وجه أزمة مياه جدة الخانقة، في «بارجتين بحريتين»، باشرت الأولى منهما الإنتاج أخيراً، بطاقة إنتاجية تبلغ 25 ألف متر مكعب، إلا أن تعديلات طرأت عليها أسهمت في زيادة طاقتها الإنتاجية إلى 30 ألف متر مكعب، فيما يتوقع أن تبدأ البارجة الثانية العمل قريباً بنفس مستوى الطاقة الإنتاجية.

وتتجاوز تكاليف البارجتين 400 مليون ريال، وهما أكبر بارجتين تجاريتين في العالم، من حيث الكميات التي تضخها، وطريقة التصميم، وابتكار أدوات جديدة للمعالجة الدقيقة.

يشار إلى أن عدد محـطات المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة يبلغ 30 محطة، منتشرة على الساحلين الشرقي والغربي من السعودية، منها 6 محطات على ساحل الخليج العربي و24 محطة على ساحل البحر الأحمر. وبلغ حجم إنتاج المياه المحلاة فعلياً خلال العامين الماضيين، أكثر من بليون متر مكعب، وهي تقريباً الكمية التي تلتزم بها المؤسسة تجاه الجهات المستفيدة، وتم إنتاج 532.4 مليون متر مكعب من محطات الساحل الغربي، وبنسبة 49.4 في المائة من إجمالي إنتـاج المؤسسـة، و534.4 مليون متر مكعب من محطات الساحل الشرقي وبنسبة 50.6 في المائة. بينما بلغت، في العامين الماضيين أيضا، الطاقة الكهربائية 21 مليون ميغاواط في الساعة، تتوزع بواقع 7.8 مليون ميغاواط في الساعة من محطات الساحل الغربي، و13.2 مليون ميغاواط في الساعة من محطات الساحل الشرقي. وتجاوز حجم الاستثمار في مشاريع المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة منذ إنشائها 80 بليون ريال، ويشمل جميع أنواع المشاريع من محطات تحلية المياه المالحة، وتوليد الطاقة الكهربائية، وخطوط الأنابيب، وخزانات ومحطات الضخ والخلط، والمجمعات السكنية والخدمات المساندة، وغيرها. وعلى الرغم من الإحصاءات والبيانات السابقة إلا أنها لم تشفع لوزارة المياه والكهرباء والمؤسسة العام لتحلية المياه أمام أعضاء مجلس الشورى السعودي الذين انتقدوهم بحدة الأسبوع الماضي، بحيث تساءلوا عن مصير 1.8 مليار ريال سعودي، خصصت لحل أزمة المياه.

وكانت المؤسسة العامة لتحلية المياه على لسان محافظها في 10 من يونيو (حزيران) الجاري، أعلنت أن بداية إنتاج الوحدة الأولى من مشروع «الشعيبة 3»، والبالغة 293 ألف متر مكعب من المياه، ستضخ في 28 فبراير (شباط) من العام المقبل، بينما ستعمل الوحدة الثانية بعد أربعة اشهر من الأولى وستضخ 587 ألف متر مكعب من المياه.

وفي يوليو (تموز) 2009، تصل المحطة إلى طاقتها القصوى، عبر وحدتها الثالثة، ليصبح مجموع ما يضخ إلى مدن منطقة مكة المكرمة (مكة، جدة، الطائف) ومنطقة الباحة أيضا، 880 ألف متر مكعب مياه وهو ما يعني اكتمال إنتاج محطة الشعيبة 3 لتحلية المياه.

وهكذا يضاف إلى الستة الأشهر المتبقية من العام 2008 الجاري، ستة أشهر أخرى من عام 2009 المقبل. ليبقى أمام جميع الأهالي وسكان جدة 12 شهرا، للعيش في الحلم المنتظر الذي يتمثل في عدم انقطاع المياه أو الوقوف في طوابير والخضوع لاستغلال السوق السوداء لأصحاب بعض صهاريج المياه التي يصل سعر التعبئة الواحدة «الرد» أكثر من 500 ريال. بينما يبقى موعد يناير (كانون الثاني) 2009، المُعلن عنه موعدا لتدفق المياه إلى السكان مجرد موعد مبدئي يمتد إلى نصف العام. ولا يعلم أحد إذا ما كانت النهاية في يوليو 2009، أم تتجدد المأساة بفصل تراجيديا جديد. يذكر أن المؤسسة العامة لتحلية المياه أعلنت الانتهاء عن 92 في المائة من أعمال الإنشاء في مشروع «الشعيبة 3» في الـ 10 من يونيو (حزيران) الجاري، بحيث أوضحت أن الفترة المقبلة هي فترة استكمال باقي الإنشاءات، وكذلك إجراء التجارب قبل بدء التشغيل.