بعد 50 عاما.. السعودية تودّع «الملف العلاقي الأخضر».. رمز البطالة الأول

تباع منه 10 ملايين قطعة سنويا ويستورد من أميركا وبريطانيا وألمانيا

«الملف العلاقي الأخضر» ظل مرتبطا طوال السنوات الماضية بالباحثين عن عمل («الشرق الأوسط»)
TT

عندما أعلنت وزارة الخدمة المدنية في السعودية عزمها التخلي عن «الملف العلاقي الأخضر» في حال التقدم لطلب وظيفة، عمت الفرحة من قبل العاطلين في البلاد، ولكن التجربة الأولى للتقدم الإلكتروني صاحبها الكثير من الإحباط والأخطاء.

تقول إحدى العاطلات: «تسمّرت أمام جهاز الحاسب الآلي في منزلي طيلة أسبوع كامل، منذ أن أعلنت وزارة الخدمة المدنية عن وجود 18 ألف وظيفة تعليمية شاغرة للفتيات، وطوال ذلك الأسبوع لم أتمكن من الدخول بشكل سليم لتعبئة نموذج طلب الوظيفة، على الرغم من أني حاولت الدخول للموقع الإلكتروني في ساعات مختلفة من النهار والليل، وحتى الآن لم أفلح في تعبئة النموذج وقد أصبت بإحباط شديد». وعلى الرغم من حرص وزير الخدمة المدنية على تطوير آليات العمل بوزارته، وحماسه الشديد لهذا المشروع، وفقا لتصريح أحد مسؤولي الوزارة لـ «الشرق الأوسط» إلا أن الكثير من المتقدمات أحبطن من عدم الاستعداد بالشكل الجيد لاستقبال الكم الهائل من العاطلات اللائي يحاولن التسجيل في الموقع الالكتروني، حيث إن التزاحم انتقل من أرض الواقع إلى موقع الوزارة على شبكة الانترنت، مما أدى إلى مشكلة تحتاج إلى حل سريع لإعطائهن فرصة التسجيل قبل نهاية الموعد المحدد.

وفي الثامن من أبريل الماضي أعلنت رسميا وزارة الخدمة المدنية «الجهة المسؤولة عن توظيف السعوديين في القطاع الحكومي» عن مشروعها للتحول إلى العمل الإلكتروني، حيث قالت على لسان نائب الوزير إنها انتهت من إعداد برنامج حاسوبي للتقديم عن طريق الشبكة العنكبوتية كجزء من برنامج تطويري عام سيبدأ بالوظائف التعليمية، وأن المشروع يهدف إلى تسهيل عملية التقديم لراغبي العمل، وسيتيح البرنامج للمتقدم إمكانية تسجيل معلوماته وتحديثها من قبله في الأوقات التي تحددها الوزارة، حيث يمكن للخريجين ممن تتوفر لديهم المؤهلات العلمية المطلوبة للتعليم العام، عند بدء القبول، زيارة موقع الوزارة على الانترنت واتباع الإرشادات التي تتيح لهم تسجيل بياناتهم في الحقول المخصصة لذلك وسيتولى البرنامج حفظ معلومات كل متقدم وإعطاءه رقما لطلبه.

ويعد الإجراء الذي اتخذته وزارة الخدمة المدنية في التحول إلى العمل الالكتروني توجها عاما في السعودية، حيث تحولت الجامعات في السعودية من الحضور للتسجيل والقبول لديها إلى التسجيل الالكتروني، وكذلك الأمر في الكليات التقنية المنتشرة في البلاد، كما أن السعودية أعلنت عن خطة وطنية للتعاملات الالكترونية تتبناها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.

ويعود تاريخ «الملف العلاقي الأخضر» في السعودية إلى أكثر من 50 عاما، إلا أن هذه السنوات لم تجعله صديقا حميما للسعوديين الذين يكرهون حمله، لأنه يرمز للبطالة والحاجة، ويقول أحمد النافع، الذي يحمل الدرجة الجامعية، تخصص جغرافيا، «طالما اشتريت هذا الملف الأخضر عند إعلانات الوظائف من الشركات والجهات الحكومية، ولم يوفقني الحظ في الحصول على وظيفة جيدة، حيث أعمل مندوب مبيعات منذ 5 سنوات في شركة خاصة، ولكن طموحي في وظيفة أفضل دخلا، وعلى الرغم من كرهي الشديد لرؤية هذا الملف إلا انه يعتبر شرطا لحفظ أوراق العاطلين».

يشير، أحمد الكود مشرف المبيعات الخارجية بمكتبة جرير، إلى أن المبيعات لهذا النوع من الملفات قد تصل إلى 10 ملايين ملف سنويا في مختلف المكتبات السعودية، مؤكدا أن أكثر الجهات استخداما له هي القطاعات الحكومية والمستشفيات والبنوك والشركات الكبيرة، حيث يستخدم لحفظ الأوراق على الرغم من تطوير أنظمة الأرشفة.

ويقول الكود: «إن بعض الدول العربية أصبحت تصنع هذا الملف محليا، وهناك دول أخرى تستورده من أميركا وبريطانيا وألمانيا، وللملف «العلاقي الأخضر» مسميات أخرى، حيث يسمى بملف تعليق، وملف شالون، والملف العلاقي، وله عدة ألوان، أشهرها الأخضر، وله مقاسات مختلفة».

الزائر لمدينة الرياض في فصل الصيف سيرى مشهدا يتكرر كل عام، بحكم أنها العاصمة وتحتضن جميع الوزارات وأغلب إدارات الشركات الكبرى، ويتلخص المشهد في الشاب في مقتبل العمر يحمل بيده ملفا أخضر وقنينة ماء»، حيث إن أغلب الوظائف يتم التقدم لها صيفا مع ارتفاع درجات الحرارة التي قد تلامس 50 درجة مئوية وقد تزيد أو تنخفض قليلا عن ذلك، الأمر الذي يحتم على من يبحث عن وظيفة في هذه الحرارة شرب الماء باستمرار، خصوصا أن أغلب الوزارات يقع في شارع المطار القديم أكثر شوارع المدينة ازدحاما طوال فترة الدوام الرسمي. وطالما طالب السعوديون أن يترك العمل بالملف العلاقي الأخضر طوال السنوات الماضية، حيث تكررت هذه المطالبات في الصحافة المحلية بهدف تطوير العمل عند التقدم للوظائف والابتعاد عن البيروقراطية وتخفيف الشروط والإجراءات.

وعنون أحد الشعراء الشعبيين إحدى قصائده بعنوان «ملف علاقي أخضر»، ويشير في قصيدته إلى الهم والتعب والبحث الطويل عن الوظيفة في حرارة الطقس وبرودة استقبال العاطلين من قبل الموظفين، ويقول مقطع من القصيدة: «هذا صوت اللي أكل خبز الوطن، وارتمى بين الشوارع والزمن، شايل أخضر في يمينه، الملف أخضر، وصار القلب أخضر، والله إن القلب أخضر، يا وطن هو ملف علاقي أخضر يعني.. لف، وإن تتعب من اللف.. لف».