«الاختراق» و«الانتحال» العدوان المشتركان للكتاب والإعلاميين ورجال الدين في السعودية

ثقافة اجتماعية تعلي من شأن المجرم الإلكتروني وراء انتشار جرائم الإنترنت

إجماع سعودي على عداء منتحل الشخصية («كي آر تي»)
TT

يواجه العديد من الكتاب والإعلاميين وحتى رجال الدين على اختلاف آرائهم الفكرية في السعودية، هذه الأيام، عدواً واحداً يتربص بهم في فضاءات الإنترنت ومجاهلها الخفية، ويوحد بينهم في حرب قاسمها المشترك محاربة عدو غامض، يسطو على الأسماء وعلى حسابات البريد الإلكتروني ويحملهم تبعات آرائه وأفكاره الخاصة، ويوحدهم إلى جانب عدوهم المجهول اقتناعهم بعدم جدوى ملاحقته.

لائحة المتضررين ضمت أسماء كثيرة في مختلف التوجهات، لعل أكثرهم جرأة في مواجهة الاحتيال الداعية الإسلامي المعروف عائض القرني، الذي هدد بحسب خبر منشور، بملاحقة منتحل شخصيته الذي نسب إليه مقالاً تم تناقله عبر أكثر من 140 ألف رابط بعنوان «الفرق نقطة» وهو يسخر من العرب.

ووصف القرني كلمات المقال المنسوب إليه بالزندقة والكفر، كما وصف كاتبه بالكاذب بعد أن كال له الدعاء في بيان تكذيبه.

وتضم لائحة المتضررين إلى جانب الداعية عائض القرني، الإعلامي تركي الدخيل، الذي يعد من أشهر المتضررين خاصة بعد نشره لمقالة حول الواقعة وتكذيبه لمعلومات شخصية خاطئة أشاعها منتحل شخصيته، يقول «هذه هي المرة الأولى التي أتعرض فيها للقرصنة وسرقة إيميلي الخاص، وهو أمر عادة يحدث لعدة أسباب، لكنني أرجح بأنه حدث هذه المرة بهدف الإيذاء، لأن السارق حينما لم يجد في إيميلي الخاص بصحيفة الوطن إلا مطالبات وتعليقات للقراء ولا شيئاً آخر للاستفادة منه و«فضحه»، لجأ إلى حيلة أخرى هي استخدام اسمي، حيث وجد رسالة من أحد المنتديات التي تطلب إجراء حوار، ووافق المنتحل باسمي وبالفعل أجرى الحوار، والمسألة إلى هنا هي مجرد فنتازيا لرجل يريد ممارسة أدوار الآخرين، لكن الإيذاء تبدى في إجاباته التي أساء فيها إلى أشخاص مثل الدكتور تركي الحمد، وهيفاء المنصور وغيرهم، وكان يدس السم بالعسل ويجيب بشكل عادي ثم يمرر معلومات سلبية سواءً فيما يتعلق بجوانب فكرية أو أخلاقية.

الدخيل الذي اختار أسلوب تعامل خاص مع الحادثة يكتفي بالإجابة فقط عن الإشكالية التي أثارها المنتحل في جوانب إنسانية تمس شخصيات بعينها، وتجاهل ما عداها وتكذيب الحوار المنتحل باسمه، قال «أنا لا أستطيع متابعة كل ما يكتب حولي في الشبكة العنكبوتية، لكن المشكلة التي أزعجتني أكثر من غيرها هي إساءة المنتحل شخصيتي للأشخاص، والمعلومات الخاطئة التي نشرها على لساني عنهم، وهو ما دفعني إلى الكتابة حول الموضوع من خلال زاويتي وتصحيح الخطأ، لكن لحسن الحظ حتى أعضاء المنتدى الذي نشر فيه الحوار المزعوم لم يقتنعوا بأن الذي يجيب هو تركي الدخيل».

الكاتب الصحافي عبد العزيز السويد، هو الآخر عانى من الاعتداء على ملكيته الفكرية بطرق مختلفة، منها قرصنة فيلم كارتون سعودي شارك السويد في إنتاجه، دون أن يحصل على أي حق مادي أو معنوي بعد لجوئه إلى الجهة المختصة، وكانت آخر حالات الاعتداء تعرضه لانتحال الشخصية واستخدام اسمه للتوقيع على مقال ينتقد فيه وزير التجارة السابق، تم تداوله بشكل كبير على الشبكة في توقيت وصفه السويد بالسيئ جدا، كونه تزامن مع مشكلات تخص الوزارة وتخص الكاتب وصحيفته وغيرها، مما ساهم في انتشار الموضوع المزور.

وعلى الرغم من عدم إيمان السويد بجدوى اللجوء للجهات الرسمية في قضايا الاعتداء على الملكية الفكرية، وشكواه من أن العقاب الذي توقعه وزارة الإعلام على سبيل المثال بالفاعل لا يعوض المتضرر فكرياً ولا معنوياً وهو يقتصر في كثير من الأحيان على التغريم ويحول المتضرر إلى وسيلة جباية لها.

أما فيما يختص بمسألة انتحال الشخصية وتلفيق المقالات المسيئة فقد أكد السويد بأنه لم يلق أي ردة فعل شافية من الجهات التي لجأ إليها، وقال: «بداية قمت بنفي أي علاقة لي عما يتداول عبر مواقع الإنترنت عن طريق أحد مقالاتي، وبعد انتشار المقال المزور بشكل أكبر قمنا عن طريق الصحيفة وبشكل رسمي بمخاطبة الجهات المعنية ومنها وزارة الإعلام وهيئة الاتصالات، وغيرهما، وبعد أن لمسنا عدم تجاوبها استثمرت حضوري في برنامج إضاءات مع الصديق تركي الدخيل لنفي أي مسؤولية عن المقال المذكور، وقمت بإرسال خطاب شخصي لوزير التجارة الأسبق لإيضاح موقفي وعدم مسؤوليتي عن المقال المنسوب لي». وفي الوقت الذي يسخر فيه السويد من منتحل شخصيته وكاتب المقال كونه ربما يشعر بالندم الشديد لعدم نشره المقال باسمه الحقيقي، وبالتالي استثمار الشهرة التي ساقتها هذه الحادثة للسويد والتي ربما تدفعه في يوم من الأيام لإعلان مسؤوليته الشخصية عنها، يؤكد السويد بأن الجهة المنظمة للإنترنت وهي هيئة الاتصالات مطالبة بوضع نظام أكثر إحكاماً يضمن الحقوق، وأن لا تترك المسألة بشكل فوضوي، برغم عدم تعرضه لقيم حرية التعبير عن الرأي، «خاصة أن مواقع انترنت كثيرة تتعرض لأشخاص بعينهم متاحة وغير محجوبة، دون أن يكون هناك اسم صريح واحد يتحمل مسؤولية ما ينشر داخل هذه المواقع». مشعل السديري كاتب صحافي معروف، تعرض في مناسبات كثيرة إلى انتحال الشخصية كان آخرها مقال مذيل باسمه، يتعرض لشخص مفتي المملكة، قال «من حين لآخر أتعرض لمثل هذه الاختراقات ومع أنني لا أتابعها إلا أنني دائماً أجد من يخبرني بأن هناك من نشر مقالا مزوراً باسمي، لكن ما أثار حفيظتي فعلا ودفعني للرد والتكذيب كان موضوع المفتي الذي نشر أخيراً لأنه كان سخيفاً، وأنا لست بحاجة إلى هذا النوع من الإشكالات».

وتابع السديري «لدي بعض التحفظات على المؤسسة الدينية وعلى بعض رموزها، لكن لدي الشجاعة الكافية لأن أقول ذلك بنفسي دون أن يضع أحد كلامه على لساني»، ويؤكد السديري بأن الإشكالات التي وضعه فيها هذا التعدي وانتحال الشخصية لم تتجاوز بعض الأسئلة الممتعضة والمستفهمة في مناسبات مختلفة يضطر إما للضحك كنوع من الرد عليها أو إيضاح حقيقة الموقف».

وحول الموقف القانوني الذي يود السديري اتباعه تجاه هذه القضية، قال: «لو أنني أعلم من وراء هذا الموضوع لرفعت عليه دعوة، لكن المشكلة في الإنترنت أنها ساحة مفتوحة لمن يريد أن ينشر أي شائعة وافتراءات وأكاذيب من دون أن تنكشف هوياتهم، ولهذا السبب لا أملك إلا التكذيب، فالإنسان في إزاء مثل هذه المواقف لا يمكنه أن يكون دون كيشوت ليحارب طواحين الهواء».

الطريف في مسألة تزوير المقالات والمضامين، هو أن الفاعلين يحاولون السير على نمط وأسلوب الكاتب الذي يتم انتحال شخصيته في كل مرة، الأمر الذي يثير لغطاً وشائعات حول مدى جدية اتهامات الكاتب نفسه بالتزوير وبانتحال اسمه، وهو ما علق عليه السديري بقوله: «يمكن أن يحاكي المزور أسلوب الكاتب لأن الأسلوب قابل للتقليد، كل كاتب له بصمة لكن يمكن تقليدها كما تقلد الأصوات تماماً، لكن أي مطلع يدرك على الفور بأنه تقليد غير أصلي وهناك اختلافات جوهرية بين الأسلوبين، فعلى سبيل المثال بالنسبة للمقالة التي تم تزويرها باسمي فأنا لا يمكن أبداً أن أتطرق إلى الأمور الشخصية التي تمس شخص الرجل وعائلته، يمكن أن أنتقد الأفكار والمنطلقات والأهداف والأسس والمضامين لكنني أترفع عن تناول الأشخاص».

وفي حين يوافق السويد بأن المنتحل في حالته حاول أن يلجأ لأسلوب ساخر مشابه بشكل كبير إلى أسلوبه في الكتابة، أكد الدخيل أن منتحل شخصيته لم يكن موفقاً إلى هذا الحد في تقليد إجاباته وأسلوبه في الكتابة، وهو ما فضحه سريعاً ودفعه إلى الأكتفاء بالعبارات السريعة والبسيطة ليحاول إيصال إجابات صادمة.

وفي الوقت الذي اعتذر فيه وكيل وزارة الإعلام، الدكتور صالح النملة عن المشاركة في الموضوع بسبب انشغاله، أكد أستاذ الإعلام بجامعة الملك عبد العزيز الدكتور شارع البقمي بأن كشف المنتحلين والفاعلين في حالات السطو الثقافي وانتحال شخصية الكتاب هو الطريقة الملائمة للقضاء على هذه الظاهرة، وقال: «اسميها ظاهرة لأن هناك تزايداً في مثل هذا الأمر، ونحن نرى كثيراً من المقالات الصحافية التي تكون تحت اسم كاتب، على الرغم من أن، الموضوع يكون سبق ونشر في وسيلة إعلامية أو صحيفة أخرى، ويقحم القارئ في المساجلات الصحفية بالتكذيب والتصحيح، مما يولد هزة ثقافية لدى القراء بسبب تلك التصرفات غير المسؤولة من قبل أشخاص لديهم اضطرابات شخصية، ويجب التركيز على محاربة تلك الظاهرة من خلال كشف أولئك المجرمين الذين يعتبرون من المجرمين الذين يمارسون السطو الثقافي».

الدكتور فايز الشهري، الباحث والكاتب المتخصص في استخدامات الإنترنت أكد من جانبه أن مستويات حماية البريد الإلكتروني تبدأ من الشخص نفسه، لأنه عادة لا يمكن اختراق جهاز أي شخص إلا بوجود مشكلة أمنية بالجهاز أو من خلال الرسائل الإلكترونية التي يتلقاها، وقد درجت العادة بحسب الشهري بأن المخترقين يقومون بإرسال رسائل تحمل برمجيات صغيرة، تفتح باباً للمخترق على الجهاز، وبالتالي تسمح له باختراقه والحصول على المعلومات بهذه الطريقة.

لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن هناك مجموعة من الاحتياطات يجب اتخاذها، سواء الحرص على سرية الأرقام الخاصة بالدخول والتي يصعب تخمينها، واستخدام برامج معينة للكشف عن محاولات اختراق الجهاز وصدها، واستخدام برامج خاصة ومواقع خاصة للبريد الإلكتروني، وعدم استخدام البريد المجاني لأن المواقع المجانية هي عبارة عن بطاقات دعوة لأي مخترق ليجرب أدواته، في حين أن الإيميلات الخاصة تحظى بمستوى حماية أكبر، وفنياً هناك محاولات لتأمين قدر أكبر من الحماية لكن الإنترنت هي عبارة عن ساحة حرب وحرب مضادة بين المخربين ومطوري البرامج.

وحول إمكانية تعقب المنتحلين والمتسللين الإلكترونيين، قال الشهري بأن الوصول إلى المخرب والمنتحل ممكن، والقانون ينص على معاقبته لكن المشكلة التي تكتنف تتبع المخترقين والمنتحلين هي أنهم أصبحوا كثيرين لدرجة أن الأمر لو تطور الى قضية أمنية فسوف يشغل الأجهزة الأمنية عن أعمال أساسية، وأضاف «من الممكن أن يخفف المستخدم 70 بالمائة من هذه المشكلات عن طريق استخدام اجراءات السلامة والبرمجيات المناسبة، والقواعد الأمنية التي يستخدمها أي شخص، وعلى الرغم من ذلك فسيظل هناك من يخترق البريد الإلكتروني، كما أن هناك من يخترق البريد العادي ويتلصص على الرسائل، ففي النهاية هي ظاهرة إنسانية».

ويحمل الشهري جزءاً من مسؤولية انتشار ظاهرة الاختراق والانتحال الإلكتروني للثقافة الاجتماعية التي ما زالت تنظر إلى المجرم الإلكتروني بصورة مختلفة عن المجرم العادي، لا تتسم بنفس النظرة الدونية، وعادة ما يرتبط المجرم الإلكتروني بصفات البطولة والعبقرية، إلا أنه يشدد على ضرورة أن تقوم وسائل الإعلام المختلفة بتغيير هذه الصورة لأن الصورة السائدة التي تتسم بالعبقرية تخفف عقدة الذنب لدى المخترق والمنتحل وهو يرتكب هذه الجرائم،وتجعله يشعر بأنه يدخل في خانة الأبطال والأذكياء، وأنه في حرب إلكترونية يستخدم فيها مهاراته، في حين أن الدراسات النفسية تثبت بأن المجرم الإلكتروني هو شخص يعاني من مشكلات نفسية، ومريض يستحق العلاج.

وإذا كان الشهري يؤيد المقولة التي تؤكد بأن المشاهير والكتاب أهداف متحركة لهذا النوع من الممارسات بسبب مواقفهم الفكرية، وهم هدف للتيارات الأخرى المضادة، وبالتالي فإن هذا جزء من الضريبة التي يدفعها الكاتب حينما يخوض في قضايا لها خصومها وعليها جدل اجتماعي كبير، وأحياناً تنتحل مقالاته كاملة وتشوه، لكنه يؤكد بأن القضية شائكة ولها أكثر من جانب وتطرح مشكلة أخلاقية أخرى يجدر التنبه لها وهي أن صاحب الإيميل أحياناً وحتى يتملص من بعض التزاماته جراء تصرفاته في حالة ثورة أو غضب أو انفعال فكري أو عاطفي يدعي سرقة إيميله، وهي حلقة مفرغة تضعنا أمام تساؤلات عديدة.