الباحة: 120 ألف شاب يواجهون أزمة البحث عن متنفس في وقت الفراغ

رجل أعمال قص شريط مبادرات الحلول.. وغضب من تحويل ساحة شعبية إلى مركز تجاري

شبان يفترشون أحد الأرصفة ويلعبون «البلوت» على أحد الطرق المؤدية إلى الباحة («الشرق الأوسط»)
TT

يواجه نحو 120 الف شاب تقريبا في منطقة الباحة (جنوب السعودية)، ازمة حقيقية نتيجة غياب الأماكن المخصصة للشباب، سواء الترفيهية او الرياضية او الثقافية التي يقضون فيها وقت فراغهم ويستطيعون ممارسة حياتهم من دون ان يشكلوا أي ازعاج للسكان.

وتحتضن منطقة الباحة الأم متنزها ومدينة ملاه ترفيهية يتيمة خاصة بالعائلات، وعددا من المقاهي التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ولا تفي بعشر حاجات المنطقة، وملعبا رسميا يبعد مسافة عن المدينة وعشرات الكيلومترات عن القرى.

ويعيش الشباب في مدينة الباحة وضواحيها مساحة كبيرة من الفراغ معظم ساعات النهار عدا الأوقات التي يقضونها على مقاعد الدراسة، ويتفاقم الوضع ويزيد كلما اقترب الصيف وبدأت اجازة آخر العام، وهو ما دفع بهم واجبرهم على التسكع في الشوارع والميادين حتى أصبح الامر لافتا للنظر، لا سيما ان المجتمع لا يزال يعيش كثيرا من نبذ الكثير من العادات الوافدة ومنها قضاء وقت كبير خارج البيت الذي يؤرق أولياء أمورهم فيما يقع البعض فريسة لأصحاب النفوس الضعيفة الذين يصطادون هؤلاء الشباب في الماء العكر مما قد يوقع بعضهم في براثن الجريمة والمخدرات. ورغم ان المسؤولين في المنطقة تنبهوا لهذه الظاهرة اخيرا، الا ان الانظار ما زالت تترقب الحلول، حيث نوقشت في مجلس المنطقة أكثر من مرة ووجه الأمير الدكتور فيصل بن محمد بن سعود نائب أمير المنطقة بتكوين لجنة لدراسة هذه الظاهرة.

ولان خيارات الشباب محدودة في قضاء وقت فراغهم وطاقاتهم كبيرة فان الامر اصبح مشكلة كبيرة يعترف بها الشباب ويدركها الكبار، يقول عبد الرحمن سعيد أحمد الغامدي وهو شاب من ابناء منطقة الباحة «الجهات المسؤولة في أمانة المنطقة وخدماتها قبل عدة سنوات صادرت حرية الشباب بعد أن استثمرت الساحة الشعبية القريبة من فندق قصر الباحة، التي كانت المتنفس الوحيد للشباب وكانت ساحة لإقامة الحفلات الشعبية والرسمية وبرامج التنشيط السياحي ومقابل حفنة من المال سلمتها لاحد المستثمرين الذي حولها إلى سوق للمواد الغذائية ومحلات تجارية لبيع الملابس والعطور وغيرها فقضت على هذا الموقع بوعود إيجاد البديل الذي صرح به المسؤولون في الصحف وحتى تاريخه لم ير المشروع النور ولا أظن أنه في دائرة الاهتمام».

ويتساءل عبد الرحمن «أين يريدوننا ان نقضي أوقات الفراغ في ظل غياب المرافق التي تستوعب الشباب حتى ولو مقابل رسوم رمزية كما هو في المدن، إذ لا يوجد في الباحة سوى حديقة أطفال واحدة تغص بعشرات الأسر وليس للشباب فيها مكان».

ويتفق معه الشاب غرم الله علي الزهراني بقوله «الباحة من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها اليوم خالية من مواقع تجمع الشباب ولا توجد حدائق خاصة بالشباب ولا صالات رياضية في المؤسسات المعنية بخدمة المجتمع من خلال الجامعة والكليات الموجودة».

ويستطرد «لذلك اختار الشباب أحد الشوارع لتجمعهم ومع ذلك يجدون مضايقة من رجال الأمن بالتفتيش تارة وتارة أخرى بقسائم المخالفة والتمركز في الموقع ما يحد من حريتنا». وأضاف «أن الشباب اتخذ من ميدان المئوية رأس عقبة الباحة باتجاه محافظات تهامة موقعا لتجمعهم والاستماع لبعض هواياتهم في مجال الطرب والغناء وإطلاق النكت ولعب البلوت على الرصيف فيما يتخوف من ظاهرة السرعة بين هذه الجموع، حيث يستعرض بعضهم بسيارته في شوارع لا تصلح لمثل هذه الأنواع من الرياضة لعدم وجود ميادين تفي بالغرض.

ويبدو ان الشق اكبر من الرقعة كما يقول المثل العامي، فالخدمات الموجودة لا تفي بالحاجة ولا تحل مشكلة، حيث يقول الشاب عبد الرحمن عبد الله الزهراني «ان الشباب بحاجة ماسة إلى موقع يجمعهم تحت مظلة رسمية وأخرى أهلية، كما يجب توفير حدائق عامة للشباب أسوة بالعائلات وأن تكون مزودة بالخدمات العامة ومحلات بيع المشروبات الساخنة والباردة».

المشكلة بات يدركها العامة والمسؤولون ورجال الدين، ويصفها الشيخ أحمد سفر الزهراني إمام أحد الجوامع في منطقة الباحة «بالمشكلة»، مطالبا بتكثيف برامج توعية الشباب داخل مدارسهم وكلياتهم.

ورغم اعترافه بعدم وجود اماكن لقضاء وقت فراغهم فيها، الا انه يرى ان استغلال المساجد من خلال الأئمة امر ضروري لتوعية أولياء أمور هؤلاء الشبان بالمخاطر التي تتصيدهم وتصرفهم عن واجباتهم الدينية والوطنية والأسرية وتجاه المجتمع معولا على هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في متابعة بعض الملابس التي تشوه منظر الشباب بألوان وموضات.

محمد بن ناحي الغامدي صاحب مقهى المساء وهو مقهى يتيم على شفا الباحة يقول لـ «الشرق الأوسط»: ان الشباب بحاجة إلى أكثر من مرفق شبابي، فالذين يوجدون في المقهى لدينا معظمهم من النخبة، يأتون لتناول بعض المشروبات الساخنة والباردة، منها العربية والغربية ومتابعة المباريات الرياضية المهمة التي لا تنقلها القنوات، وتكون حصرية على قنوات مشفرة، يشاهدونها بالمجان وبعضهم لممارسة لعبة البلياردو والبلايستيشن، حيث خصص مكان لاستقطابهم».

وتابع «وبعض رواد المقهى من المنتمين للثقافة، حيث تدور حواراتهم حول النشاطات الثقافية داخل المنطقة وخارجها من الشعراء والقاصين».

ووسط دعوة وجهها ابناء المنطقة لحل قضيتهم وايجاد متنفس لهم، وبإدراك من بعض رجال الاعمال من ابناء المنطقة، قص رجل الاعمال سعيد العنقري شريط المبادرات باقامة منشأة رياضية، تضم ملعبا قانونيا لكرة القدم وملاعب للكرة الطائرة واليد والسلة ومرافق خدمية تابعة لها في مدخل الباحة من الجهة الشمالية تجاه بداية طريق الباحة الطائف، مغطاة بالنجيلة الصناعية ومحاطة بمدرج للجمهور، حيث من المتوقع افتتاحه في صيف هذا العام في الشهر المقبل، وإقامة دورة رياضية للشباب، وطالب بأكثر من موقع مماثل في محافظات المنطقة.

وما زالت الكرة في ملعب الجهات الحكومية التي وجهت بدراسة المشكلة وتلك التي تدرسها وهو ما علق عليه مطر أحمد رزق الله مدير عام التربية والتعليم بمنطقة الباحة ورئيس لجنة دراسة هذه القضية في حديث لـ «الشرق الأوسط»، بأن اللجنة التي تم تشكيلها برئاسته، درست الظاهرة بناء على توجيه نائب أمير المنطقة الأمير فيصل بن محمد بن سعود، وتم تكليف أحد المشرفين التربويين في قسم الإرشاد الطلابي الذي قام بمقابلة هؤلاء الشباب في مواقع تجمعاتهم داخل الباحة ورصد ما لديهم من مشاكل ورؤى حول إيجاد الحلول وتابع بعض الألعاب التي يمارسها الشباب.

وأضاف رزق الله «وخلص إلى عدة نتائج حددت انتماءاتهم وجهات عملهم أو دراستهم وأسباب وجودهم في هذه الشوارع والميادين والمواقع، حيث قدم تقريرا للجنة وصلت من خلاله الى عدد من الحلول التي ترى أنها سبيل لتقليص هذه الظاهرة، ومن المتوقع عرضها على مجلس المنطقة لدراستها وإيجاد الحلول اللازمة ودعوة الجهات ذات العلاقة للقيام بدورها لضمان راحة الشباب وقضائهم لأوقات فراغهم في ما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالفائدة ويعزز وطنيتهم الصادقة». وفي السياق نفسه، يحمل الرائد صالح بن طراد الغامدي الناطق باسم شرطة منطقة الباحة، الأمانة مسؤولية ايجاد مقرات للشباب مؤكدا «ان دور الجهات الامنية يقتصر على مراقبة الوضع الأمني، واذا التزموا بالآداب وعدم عرقلة السير في الشوارع من خلال الوقوف النظامي، الذي لا يترتب عليه أي مخالفة، فيبقى الوضع آمنا».

ويستطرد «بالتالي لهم حرية الجلوس من خلال المواقع التي يختارونها من دون مضايقات لاصحاب المساكن ومن في حكمهم».

وشدد الناطق باسم شرطة الباحة، على ضرورة ايجاد ساحة شعبية تعوضهم عن الساحة السابقة التي استثمرت حتى لا يفترشوا الارصفة او يجوبوا الشوارع بحثا عن اماكن تلبي حاجتهم».

وهنا يرد المهندس محمد مجلي امين منطقة الباحة بقوله:«لقد قمنا بتنفيذ جلسات وخدمات للشباب بجوار جامعة الباحة على شريط يمتد مسافة كيلومتر محاذ للشارع العام ويطل على الباحة والظفير مزود بالانارة.

واضاف «ليس من الضرورة وجود ساحة شعبية لمثل هذه التجمعات، وانما للشباب حرية اختيار المكان المناسب لهم، سواء في داخل الباحة او في المتنزهات وهو ما تعمل عليه الامانة حاليا بتوطير هذه المتنزهات».

وفي سياق ذي صلة انطلقت الاسبوع الماضي، فعاليات المعسكر الترويحي بمكتب رعاية الشباب في منطقة الباحة بمشاركة طلاب من مختلف مناطق المملكة، حيث أوضح مدير مكتب رعاية الشباب بالمنطقة احمد بن محمد روزي، ان المعسكر الذي تستمر فعالياته اسبوعا، يأتي ضمن برامج الرئاسة العامة لرعاية الشباب التي تنظمها في منطقة الباحة خلال صيف هذا العام، مشيراً إلى انه تم إعداد جدول حافل للمعسكر، يتضمن الجولات السياحية والزيارات المختلفة.

ويأتي ذلك في وقت حذر فيه اختصاصيون في التربية، من وجود علاقة بين فراغ الشباب وما قد يتعرضون له من انحرافات، خاصة خلال أيام العطلات، وأشار التربويون إلى أن الشباب لديهم طاقات هائلة ووقت فراغ كبير يضرهم إن لم يتم استثمار هذا الوقت واستغلاله بالشكل الأمثل. كما حذر تربويون من أن عدم مساعدة الشباب على استغلال فترات العطلات الاستغلال الامثل، يدفع بالشباب خلف مغريات قد تكون مدمرة لمستقبله بشكل يعجز عن متابعة مستقبله.

يقول محمد السعدي الخبير والمرشد النفسي والسلوكي في تعليم جدة لـ«الشرق الأوسط»: يعتبر الفراغ اول بوابة للتوجه، اما الى الخير او الى الشر، باعتبار الطريقة التي يتم توجيه الشخص او توجهه اليها، سواء لوحده او مدفوعا من احد.

ويضيف «كثيرون كان الفراغ بوابة لتدميرهم، وقادهم الى المهالك في حالة عدم وجود ما يمكن ان يقوموا به في ذلك الفراغ، خاصة شريحة الشباب، لذلك من الضروري توفير كل الوسائل التي تساعدهم على ان يستفيدوا من وقتهم وجهدهم ونشاطهم، خاصة انهم في مرحلة عطاء في جميع الجوانب».

ويحذر السعدي من ان شبان منطقة الباحة كغيرهم من المناطق يجب ان يحظوا بالرعاية وقبل كل ذلك توفير اماكن ومتنفسات مناسبة لهم، بدلا من حبسهم في جو المجتمع العام الذي دائما لا يعرف طريقة التعامل معهم وهو ما يقودهم الى طرق الانحراف بأشكاله.

ودعا السعدي الجهات الحكومية والخدمية والخاصة، الى فتح مواقع تليق بشبابنا واستثمار طاقاتهم بدلا من توجيه اللوم عليهم على أخطاء لم يرتكبوها، من تجمعات أو خلافه، نظرا لعدم وجود خيار آخر أمامهم.