الشرقية: قلة المعروض والأحوال الجوية ترفعان أسعار الأسماك 100%

الصيادون يلقون باللوم على الغبار.. والمسؤولون يرجعون السبب إلى نفوقها في المياه الإقليمية

قلة المعروض تتسب في ارتفاع أسعار الأسماك في المنطقة الشرقية (تصوير: بطرس عياد)
TT

شهدت أسعار الأسماك على الساحل الخليجي للمملكة، ارتفاعاً كبيراً وصل إلى نحو 100 في المائة، مع بداية فصل الصيف الذي عادة ما يشهد انخفاضاً ملحوظاً في أسعار الأسماك.

ففي حين كان كيلو السمك من نوع (الصافي) لا يتجاوز 12 ريالاً، تخطى سعره بالأمس حاجز الـ 25 ريالا، لكن يبقى سمك (الهامور) القائد لمؤشر أسعار السمك لدى الخليجيين وسكان المنطقة الشرقية بالذات، فخلال الفترة الماضية ارتفع سعره من 25 ريالاً إلى 60 ريالاً للكيلو.

ويعد سوق القطيف للأسماك، أهم مراكز صيد الاسماك في المنطقة الشرقية وينتج نسبة كبيرة من كمية الصيد في السعودية التي يزيد الانتاج فيها على 60 الف طن. ويزيد حجم التداول في سوق القطيف على 170 طناً من الاسماك والروبيان يومياً، يمثل الانتاج المحلي منه أكثر من 70 في المائة. وحديثا اتجه عدد من بائعي وموزعي الاسماك للاسواق الخليجية للحصول على فائض الصيد هناك لتسويقه في السعودية، ويقول ابو علي، وهو صاحب مطعم للوجبات البحرية: انه يلجأ إلى سوق السمك في البحرين لشراء كميات من سمك الهامور. وفي الوقت الذي تشهد فيه الأسواق نقصاً في المعروض من السمك، عزا البعض ذلك إلى الأحوال الجوية التي شهدتها المنطقة الشرقية اخيراً التي تمثلت في موجة طويلة من الغبار حجبت الرؤية وأدت إلى عزوف الصيادين عن الإبحار.

وقد انخفض بحسب تصريح لمسؤول في حرس الحدود لـ«الشرق الأوسط» عدد التصاريح اليومية التي يحصل عليها الصيادون خلال فترة التغيرات المناخية الاخيرة بنسبة 50 في المائة. ليتراجع عدد المراكب التي صرح لها بالخروج في رحلات الصيد من 400 إلى 200 مركب. في حين أشار بعض الصيادين إلى أن السبب الكامن وراء هذه الحالة، هو ما تتعرض له البيئة من تدمير، حيث تتعرض شواطئ المنطقة الشرقية للردم، مما يؤدي إلى تدمير البيئات التي يحتاجها السمك في مراحل نموه الأولى. يقول الدكتور سعد الجمعان مدير صحة البيئة في بلدية القطيف: «إن حجم المعروض في سوق الأسماك في القطيف، تراجع بشكل كبير عما كان عليه في العام الماضي، ما يعطي دلالات واضحة حول مشكلة حقيقية تحف بهذا القطاع».

وأشار الجمعان إلى أن نفوق الأسماك بشكل كبير هذا العام أثر في الإنتاج المحلي من السمك، كما كان له الأثر السلبي في كثير من مصائد الأسماك التي تقع ضمن المياه الاقليمية السعودية، مبيناً أن تراجع المحصول بشكل كبير هو السبب المباشر في التأثير في الأسعار. مضيفا أجريت دراسة على شواطئ المنطقة الشرقية أظهرات أن 7 مناطق تضررت بشكل كبير. وأبان الجمعان أن من أهم الأسباب التي أثرت في المحصول السمكي هذا العام، والتي سيكون لها آثار مستقبلية هو طرح مخلفات الصرف الصحي بشكل مباشر في مياه البحر. من جانبه ذكر المهندس فهد الجامع، مدير إدارة الثروة السمكية في فرع القطيف، ان إجراءات اتبعتها إدارته، أعادت كثيرا من مصائد الأسماك الشهيرة في المنطقة الشرقية إلى وضعها سابقاً من حيث وفرة الإنتاج، معتبراً أن ارتفاع الأسعار له علاقة بالأحوال الجوية، حيث ينخفض عدد المراكب التي يصرح لها بالصيد وبالتالي يقل الإنتاج المحلي من السمك.

وقال الجامع: «إن الإنتاج المحلي من السمك يعادل 50 في المائة من المعروض في أسواق المنطقة الشرقية بينما يشكل المستورد من دول الخليج 50 في المائة، الذي عادة يكون أقل سعراً لأنه تم تخزينه لفترة أطول».

وبين الجامع، ان إدارته منعت الصيد باستخدم شباك السحب، إضافة إلى تحديد موسم للربيان، مشيراً إلى أن الإجراءات التي اتبعتها إدارته جعلت كثيرا من المصائد الشهيرة في أفضل حالاتها.

وقال الجامع: «ان الإنتاج السمكي على مدار العام أصبح يتراوح ما بين 34 إلى 40 الف طن من مختلف أنواع الأسماك، بعد أن كان في فترات سابقة يتراوح ما بين 20 إلى 25 الف طن فقط»، مضيفاً أن هذا مؤشر على تحسن وارتفاع المحصول السنوي من الصيد في مياه الخليج، الذي تفوق حتى على محصول الصيد في البحر الأحمر، على حد قوله. وقلل الجامع من نتائج دراسة أشارت إلى أن طرح مياه الصرف الصحي عبر شواطئ المنطقة الشرقية له تأثير في حجم المحصول السمكي، وقال ان المناطق الساحلية لا يمارس فيها الصيد، لأن السمك الموجود فيها يكون صغيراً، ودائماً ما ننصح الصيادين بالصيد في المناطق العميقة. وأضاف «نتائج الأبحاث التي توصلنا لها أثبتت أن الكنعد من الأسماك المهاجرة، بحيث ينتقل من منطقة إلى أخرى، كذلك سمك الهامور أثناء التكاثر يمتنع عن الدخول إلى الشباك والجراجير ـ نوع من الشباك لصيد سمك الهامور ـ مما يوحي لبعض الصيادين بأنه بدأ يختفي من مياه الخليج».

على الطرف الآخر من معادلة الصيد والحفاظ على البيئة يقول الصياد داود آل سعيد، وهو من سكان مدينة صفوى بمحافظة القطيف: «إن السنوات المقبلة ستشهد اختفاء كثير من الأسماك التي اشتهرت بها مياه الخليج، لأن معظمها الآن يأتي من على الحدود الايرانية، مثل سمك الهامور».

ويضيف آل سعيد ان سمك الهامور تراجع محصوله خلال الـ 10 سنوات الماضية بنسبة 80 في المائة، كذلك بالنسبة لسمك السبيطي والعندك اللذين تراجع إنتاجهما بنسبة 50 في المائة، ويضع السبب الأول الذي أدى إلى تراجع محصول الهامور، الى استخدام الجراجير في عملية صيده، حيث لا ترفع كل شباك الجراجير عند العودة من رحلة الصيد، مما يجعل كثيرا من السمك محتجزا داخلها مما يؤدي إلى موتها.

ويرى آل سعيد ان ارتفاع المحصول السنوي من الصيد إلى 40 الف طن، شكل من أشكال استنزاف الثروة السمكية ومؤشر على تراجع الإنتاج بشكل كبير، ويتساءل كيف أتت هذه الكمية، ويجيب عن ذلك بأنها جاءت نتيجة ارتفاع عدد مراكب الصيد من 1000 إلى ما يقارب الـ 5000، ويضيف كثرة الصيادين هم السبب في رفع الإنتاج وليس وفرة السمك.

ويقول آل سعيد: إن 30 في المائة من الذين يمارسون مهنة الصيد في المنطقة الشرقية، هم بالفعل صيادون وأبناء صيادين، بينما النسبة المتبقية هم من المستثمرين وشركات الصيد، وهذا ما يجعل وفرة الصيد تبدو ظاهرية فقط، لأننا كنا نعود من رحلات الصيد بما يقارب العشر ثلاجات خلال يومين فقط، أما الآن فرحلة الصيد تستمر أربعة أيام ولا نجمع إلا ما يتراوح ما بين ثلاجة إلى ثلاجة ونصف الثلاجة فقط.