المرور في السعودية.. قصة لا تنتهي بتطبيق نظام جديد

مطالب بتخفيض السرعة داخل المدن إلى 60 كلم.. وزيادة تأهيل المتقدمين للرخصة للتقليل من الحوادث

تتسبب الحوادث سنويا في خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات نتيجة السرعة واهمال القوانين المرورية («الشرق الأوسط»)
TT

في الأول من سبتمبر (أيلول) 2007، كان صالح الدوسري، وهو أستاذ في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وزوجته وابناه عبد الله ومحمد، وابنتاه سناء وسارة، على موعد مع القدر، جراء حادث مروري أليم، وقع لهم وهم في طريقهم لمكة المكرمة لأداء العمرة، وكان ذلك في شعبان الماضي، حيث لم ينج من الحادث الذي تعرضت له هذه العائلة، سوى 3 فتيات في عمر الزهور، لم تتعافَ آخرهن إلا قبل أشهر قليلة، فيما حصد الموت أرواح 6 من أفراد العائلة، حينما كانت تسير على الخط البري الواصل بين المدينة المنورة ومكة المكرمة.

وتحصد الحوادث المرورية في السعودية، سنويا، أرواح آلاف الأشخاص، فيما تخلف عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين والمعوقين.

وعلى الطرق الواقعة خارج المدينة المنورة وحدها، وقع في عام 2006، أكثر من 4 آلاف حادث سير، فيما ناهز عدد الحوادث التي وقعت داخل المدينة حاجز الـ10 آلاف حادث مروري، خلفت مجتمعة 447 حالة وفاة، وأكثر من 2300 مصاب. وتتسبب حوادث السير هنا، في قرابة الـ5 آلاف إعاقة حركية، وذلك بحسب بحث ديمغرافي، أجرته مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في عام 2007.

وتجمع يوم أمس في مدينة جدة الساحلية، ناشطون مناهضون للحوادث المرورية، ومسؤولون أمنيون، لمناقشة أرقام وصفها طلال قستي عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بـ «الكارثية»، عكست في مجملها أن السعودية من أعلى دول العالم في تسجيل الحوادث المرورية.

ومن بين 9 دول عربية، تأتي السعودية في مقدمة الدول الأكثر تسجيلا للحوادث المرورية بما يزيد عن 435 ألف حادث في عام 2007، توفي بسببها ما يزيد عن الـ 6 آلاف شخص، وأصيب 36 ألفا آخرون، فيما كانت الإمارات من أقل الدول تسجيلا للحوادث بـ7 آلاف حادث تقريبا، لكنها حصدت أرواح ألف شخص، خلافا للبحرين التي شهدت 59 ألف حادث مروري، لم يتوفَ على إثرها سوى 87 شخصا فقط.

وفي عام 2006 وحده، وقع في السعودية 296 ألف حادث مروري، لقي قرابة الـ 6 آلاف شخص مصرعهم بسببها، وخلفت إصابات تزيد عن الـ 34 ألف حالة.

ويقول لـ «الشرق الأوسط» الدكتور موفق البيوك، مدير عام الخدمات الطبية الطارئة في الهلال الأحمر السعودي، ان جهازه باشر العام الماضي وحده، نقل 48 ألف مصاب جراء الحوادث المرورية، بزيادة 7 إلى 8 في المائة عن العام الذي سبقه، وهو ما اعتبرها «نسبة زيادة سيئة».

وتعتبر مكة المكرمة، من أكثر المناطق السعودية تسجيلا للحوادث المرورية، تليها المنطقة الشرقية، فمنطقة الرياض.

وتعكس الأرقام التي عرضت ليل أمس الثلاثاء، أمام تجمع حقوقي وأمني، كان منصبا لدراسة هذه الأرقام، أن الحوادث التي تقع داخل المدن السعودية، تفوق أرقام الحوادث التي تقع على الطرق البرية الرابطة بين مدن ومحافظات البلاد.

وفي الرياض، علمت «الشرق الأوسط»، أن 4 أقسام تحقيق في حوادث المرور، تباشر بين 100 إلى 160 حادثا يوميا، تقع داخل المدينة.

وسجَل طلال قستي، الناشط الحقوقي في مناهضة الحوادث المرورية، اعتراضا، على ما ورد في جدول المخالفات رقم 1 في نظام المرور الجديد، والذي نص طبقا للمادة رقم 12، على أن «تجاوز السرعة المحددة بأكثر من 25 كيلومترا في الساعة، يعتبر مخالفة». وشدد في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، على ضرورة أن تقوم الإدارة العامة للمرور، بتخفيض هذه السرعة، لاعتبارات كثيرة، من أهمها كثرة أعداد المركبات في السعودية، وما تبع ذلك من ازدحام للطرقات، الأمر الذي يجعل القيادة بهذه السرعة «أمرا خطيرا للغاية».

ويفوق عدد المركبات في السعودية، بحسب الكتاب الإحصائي السنوي لعام 2006، لمصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، الـ 13 مليون مركبة بشكل عام. واعتبر طلال قستي هذا الرقم «كبيرا جدا مقارنة بعدد سكان المملكة».

وطبقا للمسح الديمغرافي الذي أعدته وزارة الاقتصاد والتخطيط، العام الماضي، فإن 2.5 مليون أسرة سعودية، تملك أكثر من 4 ملايين مركبة. وناهز عدد الأسر السعودية التي تملك أكثر من 10 سيارات حاجز الـ 1000 أسرة. وبحسب توصيف الإدارة العامة للمرور، لأسباب الحوادث، فإنها تنتج لـ3 أسباب، هي: أسباب تتعلق بالسائق، وأخرى بالمركبة، وثالثة بالطريق.

وتؤكد الإدارة العامة للمرور، أن من أهم ما يمكن أن يحد من الحوادث، هي سلوكيات قائد المركبة، وهو الأمر الذي دفعها ومشرعي نظام المرور الجديد، لفرض غرامات مالية لبعض الممارسات السلوكية التي يمارسها سائق السيارة، كالحديث عبر الهاتف المحمول، ورمي النفايات، والسرعة الفائقة.

وقسم نظام المرور الجديد، الذي بدأ العمل به خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، مخالفات السرعة، إلى فئتين؛ تتعلق الأولى بالحد الأدنى لمتجاوزي السرعة المحددة، وحددت لها غرامة تتراوح ما بين 300 إلى 500 ريال، وحداً أعلى تصل غرامته إلى 900 ريال، مع حجز المركبة لكلتا الحالتين.

ويقترح طلال قستي، وهو عضو في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، العمل على خفض الحد الأعلى للسرعة في شوارع المدن من 70 إلى 60 كيلومترا في الساعة، مع تحديد السرعة الأقل لشوارع الخدمة.

ويرى قستي، أن من الأسباب التي تزيد الحوادث المرورية، ضعف تأهيل السائق المتقدم لطلب الرخصة، وسهولة الامتحان العملي داخل ميدان مدرسة القيادة. ويقترح في هذا الشأن، ضرورة خضوع المتقدم لطلب الرخصة لاختبار قيادة في الشوارع الحقيقية.

وكانت السعودية، قد طوت، بتطبيق النظام المروري الجديد، صفحات نظام مروري مضى على تطبيقه 36 عاما، وذلك بعد إقرار مجلس الوزراء للنظام الذي رفع بشأنه الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية للمقام السامي، في 27 يوليو (تموز) 1982. وحمل أول نظام للمرور يعمل به هنا، اسم «نظام السيارات وتعليمات سائقي السيارات الحكومية»، والذي صدر في عام 1942، قبل أن يعدل مسماه في 1968 لـ«نظام المرور المعدل في المملكة». ودفع عجز أول نظام مروري عن استيعاب المعطيات الجديدة الناشئة عن سرعة التطور، بالمسؤولين لإصدار نظام المرور الثاني، الذي صدر بمرسوم ملكي في 2 يناير (كانون الثاني) 1972. ويشتمل النظام المروري القديم على 210 مواد، على خلاف نظيره الجديد الواقع في 79 مادة. وشكلت الزيادة الطارئة في نسبة ملكية الأفراد للسيارات، وما ترتب على ذلك من مشاكل مرورية بالغة التعقيد، محورا مهما، في ناحية وضع نظام جديد يتلافى القصور الحاصل في النظام القديم. وبادرت وزارة الداخلية السعودية، بمراجعة نظام المرور القديم، وقامت بإعداد مشروع له رفع إلى المقام السامي قبل 25 عاما. وأجريت بعض التعديلات على النظام المروري القديم في تاريخ 15 ديسمبر (كانون الأول) 1997. وبعد 3 سنوات من هذا التاريخ أنهت لجنة الخبراء بمجلس الوزراء السعودي دراسة مشروع النظام الجديد، قبل أن تحيله إلى مجلس الشورى في 29 سبتمبر (أيلول) 2000، والذي استمر في دراسته منذ ذلك الحين، إلى أن أقره مجلس الوزراء في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حتى بات أمراً واقعا منذ قرابة الـ 3 أسابيع.