الدفاع المدني يدق ناقوس الخطر وسط تخوف من تحول المسابح لـ«توابيت» للأطفال

مسؤول أمني لـ«الشرق الأوسط»: الإهمال السبب الرئيسي

تحذيرات رسمية من خطورة ترك الأطفال عند المسابح دون رقابة («الشرق الأوسط»)
TT

لم يكن في علم أبي صالح أن 7 دقائق فقط، انشغل فيها عن متابعة ابنه البكر الذي لم يتجاوز ربيعه الثالث، ستكون كفيلة بفقدانه إلى الأبد، إذ ان صالح الذي كان يلعب برفقة أطفال آخرين، قد لقي حتفه في بركة مائية وسط استراحة استأجرته عائلته لتقضي أوقاتا ممتعة في شرق البلاد، شكلت بمجملها الفصل ما قبل الأخير من حياة الطفل الغريق. تسابق أفراد أسرة صالح، بعد أن تعالت أصوات صغارهم، طالبة النجدة لإنقاذ الصغير، تخالجت المشاعر الإنسانية في ثوان بين ما حدث وما الممكن عمله؟.

والدة صالح في لحظة «الصاعقة» وجدت فلذة كبدها «طافيا» فوق سطح الماء، مدت يدها سحبته وجدته «باردا» على غير العادة، ضمته إلى صدرها لعلها تنقل له من داخلها «حرارة» تستطيع أن تحرك أطرافه. لكن القدر كان أسبق منها لم تتمالك نفسها فكادت تهوي في ذات المسبح قبل أن تلتقطها سيدة أخرى كانت بمثابة «المنجاة» للأم.

تسابق أفراد الأسرة ومن حولهم من جيران في شاليهات أخرى، بعد أن تعالت الأصوات، الكل يسعى لإنقاذ حياة «الغريق الصغير» يحدوهم الأمل أو تلوح في الأفق بارقة أمل صغيرة لعلها تسهم في إعادة الحياة من جديد للطفل الصغير. لكن محاولات الاسعافات الأولية خيبت آمالهم فـ «الطفل» ظل جثة بلا حراك تزايدت معه الصرخات، والعويل متجاوزا أفراد الأسرة إلى من كان حولهم يتابع الموقف ولو من بعيد.

هذه القصة الحقيقية لا تختلف كثيرا عن أخرى شبيهة تحدث في مناطق السعودية، فقط تختلف تفاصيل الأحداث والأسماء، ما دفع إدارة الدفاع المدني إلى دق ناقوس الخطر، محذرة الأهالي بضرورة أخذ الحيطة والحذر عند خروجهم إلى منتجعات توجد بها مسابح أو حتى التي في بيوتهم.

وتشكل حالات غرق الأطفال في المسابح، احدى المشاكل التي تعكر صفو جو الأهالي في موسم الصيف، خصوصاً في العاصمة الرياض التي تشهد إقبالاً كبيراً على الشاليهات والمنتجعات الترفيهية، وذلك نظراً لما تتسم به هذه المتنفسات من مساحات خضراء وأجواء هادئة، فضلا عن احتوائها على صالات ترفيهية، وحمامات سباحة تساعدهم في ممارسة الأنشطة الصيفية من دون عناء الذهاب للمناطق الساحلية البعيدة. من جهته أكد النقيب عبد الله القفاري، المتحدث الرسمي باسم الدفاع المدني بمنطقة الرياض، ان أكثر حالات غرق الأطفال التي شهدتها العاصمة خلال فصل الصيف، احتضنتها مسابح الاستراحات والمتنزهات الترفيهية التي يرتادها الأهالي بكثرة خلال موسم الإجازات، متخوفا في الوقت ذاته من أن يتطور الوضع ليشكل ظاهرة تهدد حياة الكثير من الأبرياء. وقال القفاري لـ«الشرق الأوسط»:«إن الدفاع المدني في موسم الصيف يقوم بعمل خطة لاعمال السلامة، سواء في المنتجعات أو المدن الترفيهية، مبيناً أن أهم الاعمال التي تقوم بها إدارته تكمن في الجانب التوعوي في الدرجة الأولى، حيث ان المساعي الحثيثة مستمرة لإيجاد ثقافة عامة عند الناس للإحاطة بمخاطر ودواعي الغرق في الأماكن كثيرة الارتياد من استراحات ومتنزهات. وأشار المتحدث الرسمي باسم الدفاع المدني بمنطقة الرياض إلى أن الأسباب الرئيسية لحالات الغرق تأتي من إهمال الأسر لأبنائهم، وعدم وضع حواجز على المسابح وخزانات المياه، حيث شهدت الفترات الأخيرة حالات غرق بسبب ترك المسابح مفتوحة من دون حسيب أو رقيب، وانشغال الأهالي عن الأبناء.

وزاد النقيب القفاري أنه يوجد إقبال على السباحة من قبل الأطفال، حيث ان تعلم السباحة مهم جداً، ولكن ترك الطفل فيما دون سن الثانية عشرة بمفرده، يعد عامل خطر، فلو ترك الأطفال بمفردهم من دون رقابة من الأم والأب ستكون النتائج مأساوية، موضحاً أن الدفاع المدني يحث على توفير وسائل السلامة في المسابح بإيجاد سياج حديدي إلى جانب وجود أهم عنصر وهو المدرب أو المراقب لأعمال السباحة، حتى يقوم بإنقاذ الغريق، كما لا بد من توخي الحذر واستخدام أمور السلامة وعدم ترك الأطفال بمفردهم.

وعن آخر إحصائية لمعدلات غرق الأطفال في الرياض ذكر القفاري أنه لا يوجد رقم معين يمكن الاستناد اليه، مبيناً أن موسم الصيف لم ينته بعد للإفصاح عن أي إحصائية، إلا أنه اعتبر أن لكل موسم طبيعته، فعلى سبيل المثال تشهد الأيام الماطرة أيضاً حالات غرق تتفاوت نسبها مع حالات الغرق في موسم الصيف، لكنه شدد على أن كثرة الأنشطة في فصل الصيف، خصوصاً العائلية منها تجعل التوعية بمخاطر غرق الأطفال أمراً ضرورياً يجب الأخذ به.

ومنذ بداية فصل الصيف والمديرية العامة للدفاع المدني السعودي تحذر بين الفينة والأخرى الآباء والأمهات في كافة أنحاء البلاد، من الغفلة عن أبنائهم في عند الخروج للاستراحات، وترك خزانات المياه مفتوحة خشية سقوطهم أثناء اللعب في مثل هذه الأماكن، ومراقبتهم بشكل دائم وإبعادهم عن مصادر الخطر، مشددة على أهمية الحرص على أن تكون أغطية البيارات وخزانات المياه في المنازل محكمة الإقفال، وأن تكون من الحديد الصلب الثقيل ليصعب على الأطفال فتحها وأخذ الحيطة والحذر أثناء فتحها والحرص على إغلاقها بشكل دائم.

من جانبه عاد والد الطفل الغريق صالح لينتقد الطريقة التي صممت بها مسابح الشاليه الذي شهد حتف ابنه، حيث ان عددها ثلاثة من بينها مسبح الأطفال تقع بجانب بعضها بعضا، وتتخذ الشكل نفسه في التصميم، إضافة إلى أن جميعها تفتقد وسائل السلامة، إذ لا توجد بينها أية حواجز، كما أن الموقع المخصص لمراقب السباحة لا تراه على جنبات المسابح، مما يثبت أن تلك الشاليهات لا تعترف أصلاً بوجود مراقب سباحة.

وقال ابو صالح، انه وإن كان يتحمل جزءا من المسؤولية إلا أن الجزء الأكبر منها يقع على عاتق أصحاب الاستراحات والمنتجعات الترفيهية، إذ ينبغي عليهم أن يوفروا جميع وسائل السلامة، وينفذوا جميع الإجراءات الوقائية، مضيفاً أنه تفاجأ عندما علم أن الشاليه الذي استأجره، لا يحوي ترخيص عمل، حيث ان فرقة الدفاع المدني عند وصولها لمقر الحادث، طلبوا ترخيص الشاليه، إلا أن صاحبه أفادهم بأنه بصدد عمل إجراءات استخراجه.