سعوديات يطلقن إبداعاتهن من داخل بيوتهن

ارتفاع الإيجارات حول البيوت إلى ورش عمل

TT

لم يعد دور المرأة في منزلها الآن مقتصرا على القيام بواجباتها الأسرية، بل باتت تصقل مواهبها بين جدرانه، ليصبح بمثابة معمل صغير تطلق من خلاله أنواعا مختلفة من إبداعاتها في مجالات كثيرة تفاجئ بها المجتمع من حولها.

ولعل ارتفاع أسعار إيجارات المحلات والأكشاك في المراكز التجارية والبازارات كان سببا في استخدامها لبيتها كورشة عمل لتحقيق وصولها إلى ما تطمح إليه، حيث ترى رانية خوقير وهي مصممة أزياء مستوحاة من التراث، أن غلاء المواقع في البازارات والمعارض والمشاغل، إضافة إلى ارتفاع أسعار إيجارات المحلات التجارية، والرواتب التي تطلبها الأيدي العاملة، من أبرز المعوقات التي تواجه سيدة الأعمال المبتدئة، وتقول:«استغرقت دراسة مشروعي الذي انطلق من منزلي سبع سنوات، غير أنني بدأت به فعليا منذ سنتين، بعد أن تغيرت ظروف وظيفتي الأكاديمية التي كنت أشغلها».

وتضيف «استعنت بالأسر المنتجة خارج المملكة للاستفادة من تراث الدول العربية الأخرى في تصميم موديلات تراثية متجددة، إضافة إلى الملابس التي تلائم المرأة المحجبة، خاصة أن كثيرات لا يجدن أشكالا تناسب وضعهن كمحجبات»، لافتة إلى أن طالبات الجامعة والجمعيات الخيرية ساعدنها في بداية مشروعها. وتعمد رانية إلى جلب خاماتها من خارج السعودية، لتنفذ تصميماتها التراثية بعد تطويرها وتجديدها بشكل مواكب للعصر الحديث، وتضيف «أرفض الاستعانة بالمعامل في الخارج كي لا تتعرض أفكاري للسرقة، غير أنني أسعى لإنشاء معمل داخل السعودية قائم على فتيات البلد لتنفيذ أعمالي من خلاله».

وتسعى خوقير من خلال أزيائها لتكوين اسم قوي تصل به إلى العالمية، وذلك عبر تنفيذها لقطع نسائية مستقاة من تراث قبائل المناطق السعودية المختلفة، إضافة إلى التراث المغربي والأردني والهندي، الذي سخرته في تصميم أشكال مختلفة من العباءات والثياب بمختلف المقاسات المطلوبة داخل الأوساط النسائية السعودية. وتختلف لبنى شعبان قليلا عن رانية في كونها تهوى تصميم الملابس النسائية الحديثة، التي اعتمدت في تنفيذها على استخدام خامات وأقمشة غريبة لاقت استحسانا من قبل الأخريات، من ضمنها أقمشة الأشمغة الرجالية التي لونتها بألوان أنثوية زاهية.

وتقول:«بدأت في صقل موهبتي منذ سنتين بدعم من زوجي الذي يعمل في مجال الأقمشة، إذ أركز على إنتاج موديلات لا تتوفر في الأسواق، إضافة إلى إضفاء رسومات متنوعة على بعض القطع الحريرية».

وتؤكد لبنى على أن صعوبة تنقل المرأة داخل البلد وموجة الغلاء التي اجتاحت كافة جوانب الحياة من الصعوبات التي قد تعيق مشروعها، مشيرة إلى أنها بصدد الدخول إلى عالم ملابس الأطفال، الذي اعتبرته خطوة جريئة إلى حد ما وتحتاج التخطيط الدقيق لتنفيذها. بينما اقتحمت أمل عنقاوي مجال تصميم الأزياء بشكل مختلف، من خلال مشاركة أشهر مصممات الأزياء في إيطاليا في تصميماتهن، وتعديلها بشكل يلائم الذوق السعودي للحصول على وكالات حصرية منهن ونشرها داخل البلد.

وتقول «بدأت منذ خمس سنوات، وعملت في تصميم مختلف الملابس الإيطالية، غير أن بيعها بأسعار مرتفعة جعلني أتخصص في فساتين السهرة والعرائس، التي باتت تصدّر إلى دول الخليج الأخرى»، لافتة إلى أنها نجحت في تغيير نظرة المجتمع الغربي تجاه الذوق العربي والسعودي بشكل خاص، ما سيجعلها تضيف اسمها قريبا إلى جانب اسم المصممة العالمية التي تشاركها في إنتاج التصميمات المعدلة. ومثلما أثبتت المرأة السعودية قدرتها على اقتحام مجال الأزياء، استطاعت أن تعكس ذوقها الرفيع في الأعمال اليدوية والفنية، إذ تهوى فريدة علي الرسم على الزجاج والأواني المنزلية وكافة القطع المستخدمة في فن الديكور، وبدأت في مشروعها من داخل منزلها منذ ست سنوات.

وتقول «حتى الآن لم يستوعب المجتمع معنى الأشغال اليدوية، خاصة أن معظم النساء يرين أن أسعار تلك القطع مبالغ فيها كونها أعمالا تنجز باليد»، مشيرة إلى أنها تستخدم الفصوص والإكليل وألوان الزجاج في إضفاء لمسات مميزة على الخامات التي عادة ما تكون متوفرة في السوق، وذلك لإظهارها بشكل مختلف.

وتضيف «أحيانا أستوحي النقوش التي أزين بها القطعة من الأقمشة النسائية المشغولة، إضافة إلى أنني نفذت طقما منقوشا بزخارف مستقاة من الثوب العسيري، إذ رسمت الزخارف على دلة القهوة والفناجين، فيما زينت الصينية بقطعة مطرزة من نفس الثوب».

وتشترك معها ابنتها دانيا الهويش في الهواية نفسها، غير أنها تهوى اللعب في الحقائب الجامعية والملفات المخصصة لحفظ أجهزة الكمبيوتر المحمولة، لتزينها بأشكال من وحي خيالها باستخدام ألوان تناسب ذوق الفتيات في سن الشباب. وتضيف «صعوبة انتشار فن الخط الإسلامي تكبدّني خسائر مادية كبيرة، في ظل ارتفاع إيجارات المواقع في البازارات، ولا بد من الاهتمام بالمعارض التي تتيح فرصة التوسع في هذا الفن».

ومثلما نجحت المرأة السعودية بجدارة في بث إبداعاتها عبر منزلها، استطاعت أيضا نقل مشاريعها على نطاق أوسع، لتكمّل النصف الآخر من المجتمع بشكل لائق، إذ تحاول زينب زقزوق إدخال فن الأحجار شبه الكريمة إلى مجال الديكور من خلال مكتب أطلقته قبل ثمانية شهور، وقائم بثلاث فتيات سعوديات على قدر عال من الكفاءة، يقمن بتنفيذ لوحات جمالية تستخدم في تزيين الديكورات، وعمل الأسطح الشفافة المستخدمة في طاولات المكاتب والأرضيات والتحكم في الإضاءات.

وكان مركز جمعية الأطفال المعوقين بمكة المكرمة نظم مهرجان «سعودية» الأول تحت شعار «حيث تلتقي الإبداعات» برعاية الأميرة حصة الشعلان حرم خادم الحرمين الشريفين، وذلك بالتعاون مع مؤسسة أسس الإبداع والبريد السعودي، والذي اختتم أعماله أول من أمس بعد أن استمر لمدة ثلاثة أيام متتالية.