نساء في جازان يواجهن الفقر بـ«زنابيل المنتجات» و«بقش المبيعات»

باحث لـ «الشرق الأوسط»: 74% من الأسر يعيشون في مساكن شعبية

امرأة جازانية تبيع منتجات غذائية في أحد الأسواق الشعبية بمنطقة جازان («الشرق الأوسط»)
TT

لم تجد نساء سعوديات يقطن مدينة جازان (جنوب السعودية)، سلاحا لمواجهة الحاجة والفقر سوى تحويل بيوتهن الى مشاغل خياطة ومطاعم وبعضهن خرجن الى الأسواق الشعبية للعمل وأقمن بسطات في تلك الأسواق.

معركة يومية من اجل «لقمة العيش» تبدأ فصولها بشروق شمس كل يوم، زادها زنابيل مملوءة بالمنتجات الزراعية الجازانية وبقش معبأة بمختلف المبيعات تحملها تلك النساء الى الأسواق يوميا.

تقول «ف. د»، وهي امرأة في الخمسين من العمر لم يسبق لها الزواج، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أعيش مع أسرتي المكونة من أبي المسن وأمي المشلولة، وأختي المطلقة وبناتها الثلاث، ولا يوجد لدينا أي دخل يسد حاجتنا، فلم أجد حلا إلا أن أبدأ العمل وأخيط واغزل طواقي الرجال وتطريز المفارش بسنارتي الصغيرة «المسلّة»، لكنني لم أجد قبولا من الزبائن فاتجهت الى تفصيل وخياطة الملابس النسائية داخل منزلنا البسيط الذي يتكون من عشة من الطين والخشب».

وتضيف «أنا املك تلك الماكينة الصغيرة القديمة للخياطة التي تعمل باليد والقدم، لكنها وفت معي واستمرت تعمل فترة من الزمن حتى تمكنت من شراء ماكينة أخرى يحركها دينمو يساعدني على سرعة الخياطة، مما جعلني أتعرف إلى الكثير من الزبائن من النساء اللاتي لا يحبذن الذهاب الى المشاغل والخياطين الرجال أصحاب الموديلات الحديثة».

وتؤكد ان تضحياتها بعدم الزواج من اجل أهلها لم تذهب سدى، حيث تقول «الحمد لله، دخلها يكاد يغطي احتياجاتنا الضرورية كالمأكل والمشرب والملبس، والحمد لله استمرت الحياة بهذه الطريقة وتقدمت في العمر حتى ضعف نظري وكل هذه التضحيات وتحمل المشاق والصعاب منعني من الزواج والاستقرار لأني وجدت نفسي المسؤولة الوحيدة عن بنات أختي المغلوبة على أمرها ولا تجد إلا مساعدتي في كي الملابس بعد خياطتها والقيام بشؤون المنزل وشؤون أمي المشلولة».

ورغم كل ذلك وبدموع حارقة تكمل رواية قصتها مؤكدة «في بعض الليالي لا أذوق طعم النوم، بل أسهر من اجل تحضير الطلبات، علما بأن قيمة الثوب الواحد 25 ريالا فقط، وهكذا عشت حياتي وأسرتي حتى وقتي الحاضر والحمد لله على ما كتب الله وقدّر».

وفي إحدى قرى جازان الحدودية الريفية، تقول امرأة أخرى في منتصف عقدها الخامس، ومتزوجة ولديها 7 أطفال: «إن زوجي فصل من عمله فاضطررنا الى الانتقال من مدينة جدة الى قريتنا الصغيرة، ولم نجد بدا أنا وضرتي من القيام بمساعدة زوجنا الذي لم يجد عملا سوى نقل الطالبات، فقمنا بتجهيز بعض الوجبات وبيعها إلى معلمات المدارس والجيران بمبالغ معقولة حتى كسبنا العديد من الزبائن وأكثرهم من الموظفات، وأصبحنا نتلقى طلبات بعمل بوفيهات في بعض المناسبات، فنبدأ فيها من وقت مبكر وهناك إقبال من الزبائن».

الى ذلك يقول محمود الاقصم، مدير جمعية البر الخيرية بمحافظة أبو عريش، التابعة للشؤون الاجتماعية في منطقة جازان، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إن الجمعية الخيرية واقفة على مساعدات أهل الخير لأنه من المعروف أنها خيرية وما زالت تحتاج الى الدعم المكثف من أهل الخير ومن رجال الأعمال». مشيرا الى ان الجمعية تصرف لحوالي 200 شخص مكافآت شهرية بسيطة.

وأضاف الاقصم: «في جمعية أبو عريش حصرنا 3 آلاف محتاج وفقير في سجلات الجمعية». مشيرا الى ان هناك وقفا خيريا تحت إشراف الجمعية يتكون من 16 شقة سيكتمل قريباً.

وبين «ان الجمعية تقوم بكفالة اليتيم وكفالة الأسرة وتقوم بتوزيع حقيبة طالب وطالب»، لكنه يؤكد «انه في ظل وجود عدد 3 آلاف فقير ومحتاج ما زلنا محتاجين الى أهل الخير في هذه البلاد المباركة الذين لم يقصر الكثير منهم بالمساعدات العينية والمادية والتموينات، إلا انه ما زالت جمعيتنا وجمعيات المنطقة طموحة إلى تقديم الجهد في البحث عن حلول وإيجاد آليات لمساعدة ذلك الفقير».

الى ذلك أشار طاهر شيبان، باحث ومدير مدرسة في جازان، الى ضرورة «إنشاء وتأسيس صناديق الدعم للفقراء المحتاجين والمعدمين، وذلك بتيسير وفتح باب الاقتراض من الصناديق الميسرة والمخصصة وإدخالهم في مصلحة الجمعيات الخيرية والضمان الاجتماعي، وتفعيل دور الباحثين الاجتماعيين وذلك بحصر الأسر الفقيرة في كل قرية من قرى جازان، وجعل آلية واضحة وطريقة منظمة لتوصيل المساعدات وتوفير الخدمات الأساسية ومقومات العيش من مأكل ومشرب وملبس ومأوى آمن متمثل بالإسكانات الخيرية التي هي على مرأى من الجميع منتشرة في خارطة السعودية».

وبالعودة الى ملتقى أقيم أخيرا في جازان «بشأن الفقر في جازان والبحث عن الحلول»، طرح خلاله الباحث بن شيبان أرقاما وإحصاءات نتيجة بحوث قام بها أوضح فيها «ان معظم سكان جازان وقراها من أصحاب الدخولات البسيطة والمتوسطة والمتدنية وان أكثرهم بنسبة 74 في المائة من الأسر، ما زالوا يعيشون في مساكن شعبية».

واستطرد «ان 29 في المائة منهم يشربون عن طريق الآبار العشوائية التي تعتبر عرضة للتلوث، في حين توجد 5541 أسرة لا تتوفر لها خدمات الكهرباء، ويوجد بالمنطقة 7348 أسرة ما زالت تستخدم الحطب كوقود، كما توجد 1964 أسرة لا تمتلك وسيلة نقل كالسيارة، حيث إن نسبة الأسر التي تمتلك سيارة في جازان هي 3.8 في المائة، كما ان هناك 84754 أسرة لا تمتلك خطا هاتفيا».

وكان الأمير محمد بن ناصر، أمير منطقة جازان، قد أكد في كلمة ألقاها في ذلك الملتقى، أوضح فيها قضايا المجتمع ومن ضمنها الفقر الذي هو معضلة العالم اجمع وانه ليس عيبا، مؤكدا «ان حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين ملك الإنسانية الملك عبد الله بن عبد العزيز، لها جهود جبارة في هذا الجانب عبر الاستراتيجية الوطنية في مكافحة ومعالجة الفقر وهناك صناديق كثيرة تدعم الفقراء ويجب تضافر الجهود من الجميع لعلاج هذه المعضلة والظاهرة، علما انه خلال الخمس سنوات المقبلة سوف تكتمل البنية التحتية في المنطقة، وهذه المشاريع لها دور حيوي في حل الكثير من القضايا»، مطالبا أصحاب الأراضي التعاون في زيادة الإنتاج والتركيز على الزراعة لأنها مصدر غذاء الكثير.