السعودية: ارتفاع حجم استيراد المواد القرطاسية 15%.. وتوقعات بضخ 750 مليون ريال في خزائن المكتبات

أمانة الرياض تطلق مُؤشرا تحسبا لارتفاع الأسعار.. والمستثمرون يراهنون على وعي المستهلك

تنوُّع مصادر وصناعات المستلزمات الدراسية يعطي المزيد من الخيارات للزبائن الذين يبحثون عن المنتج الأرخص
TT

بعد الانتهاء من مصاريف العيد ومناسباته، التي استقطعت الجزء الأكبر من سيولة السعوديين، يأتي أسبوع العودة للمدارس، لتعود معه الحياة لنحو 4500 مكتبة وقرطاسية، تمهيداً لاستقبال ما يُقارب 5 ملايين طالب وطالبة، يستعدون لعامٍ دراسي جديد، الذي ينطلق صباح السبت المقبل. لكن في المقابل يتزامن مع بدء العودة إلى المدارس، ارتفاع أسعار بعض أدوات القرطاسية، بنسب مختلفة قد يصل بعضها إلى نحو 30 في المائة، وهو ما برره القائمون على القطاع بالتضخم وزيادة قيمة الاستيراد، ورغم ذلك بدأت تنتشر إعلانات تجارية لمكتبات كبرى تشير إلى أن لديها منتجاتها لم يطالها تضخم الأسعار.

ويقدر محمد المصري، مدير مكتبة الحجاز الحديثة بالدمام، متوسط تكلفة المستلزمات الدراسية التي يحتاجها الطالب، بنحو 150 ريالا (40 دولارا)، وهو ما يوضح ان إجمالي ما سينفقه السعوديون في الأيام القليلة المقبلة على المستلزمات المدرسية، يتراوح بحدود 750 مليون ريال (200 مليون دولار). فيما أكد المصري على ارتفاع أسعار القرطاسية، بنحو 30 في المائة، جراء الغلاء المعيشي الذي اجتاح كافة السلع، على حد قوله.

ولم يُخف القائمون على المكتبات تشاؤمهم من قرب موسم العودة للمدارس، عقب إجازة العيد مباشرة، وهي المرة الأولى منذ نحو 10 سنوات، حيث يرى المصري أن إجازة العيد اقتضت صرف الكثير من السيولة، إلى جانب صرف الرواتب بوقت مبكر مقارنة بالسابق، فيما توقع أن يتأثر حجم المبيعات بصورة ملحوظة، وأن يشهد تراجعاً نسبياً هذا العام، مُعللاً ذلك بأن كثافة الإقبال على المكتبات، عادة تتركز في منتصف الأسبوع المقبل وتستمر لنهاية العام الدراسي.

ويتفق معه سعد الشاطبي، مدير مكتبة الفيصل، الذي أوضح أن ارتفاع أسعار أدوات القرطاسية في المكتبات، صرف بعض السعوديين نحو قرطاسيات الهايبرماركت والسوبرماركت ومحلات «أبو ريالين»، مشيراً إلى أن رب الأسرة الذي لديه 5 أبناء قد يدفع في المكتبة نحو 1000 ريال، بينما يستطيع شراء نفس المنتجات من أماكن أخرى بنحو 800 ريال، إلا أن الشاطبي عاد مستدركاً وقال: ان تلك البضائع لن تكون بنفس الجودة العالية لقرطاسية المكتبات.

وأشار الشاطبي إلى أرفف الحقائب المدرسية المكدسة في مكتبته قائلاً «هذه الحقائب بينها ما هو بـ20 ريالا وأخرى بـ70 ريالا، وكلٌ حسب استطاعته»، مضيفاً بأن تنوُّع مصادر وصناعات المستلزمات الدراسية يعطي المزيد من الخيارات للزبائن الذين بات أغلبهم يبحث عن المنتج الأرخص بعد ارتفاع أسعار الأدوات القرطاسية الذي قدره الشاطبي بحدود 25 في المائة.

في الوقت نفسه، توقعت تقارير اقتصادية حديثة نمو سوق القرطاسية في السعودية خلال السنوات المقبلة، بنسبة تصل إلى 8 في المائة سنوياً، في حين يشير المختصون إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية المستخدمة في تصنيع المواد القرطاسية، المشتقة أساساً من النفط الذي ارتفع لمستويات قياسية هذا العام، وهو ما يربطون به القفزة السعرية للقرطاسيات، إلى جانب ارتفاع سعر الورق والمواد البلاستيكية التي تدخل في صناعة الحقائب المدرسية والمساطر وغيرها من المستلزمات.

إلا أن عبد الكريم العقيل، الرئيس التنفيذي لمكتبة جرير وهي إحدى المكتبات التي لها انتشار حتى خارج السعودية، قلل من أثر هذا الارتفاع، وأكد لـ«الشرق الأوسط» ان الزيادة في أسعار أدوات القرطاسية طفيفة وغير ملحوظة، فيما قدر نسبة الزيادة بأنها لا تتجاوز حدود 5 في المائة، مفيداً بأن هذه الفترة تمثل موسماً سنوياً ثابتاً للمكتبات السعودية، مؤكداً أن الاستعدادات هذا العام، لا تختلف عن الأعوام الماضية.

وطالب خالد المحمد، موظف حكومي وأب لـ3 أبناء، مُلاك المكتبات بمراعاة الطلاب وأولياء أمورهم، مرجعاً ذلك لخروج الكثير من الأسر السعودية من أزمة مصاريف العيد والمناسبات الاجتماعية المتلاحقة خلال الإجازة الصيفية، والتي يرى أنها «خطفت» رواتب الموظفين على حد تعبيره، خاصة مع حمى البحث عن ما هو جديد من أدوات دراسية، موضحاً أن المستلزمات التقليدية، لم تعد مغرية كالحديثة ذات الصور والرسوم المبتكرة، والتي تأتي مرتفعة الثمن مقارنة بغيرها، والتي يهواها الطلبة والطالبات في الغالب بالبلاد.

ومع ارتفاع تكلفة المستلزمات المدرسية، توجهت وكالة الضمان الاجتماعي في المنطقة الشرقية اخيراً لتنفيذ برنامج الحقيبة والزي المدرسي لأبناء وبنات المستفيدين والمستفيدات من الضمان الاجتماعي، الذي يخدم 482 ألف طالب وطالبة في مراحل التعليم العام (الابتدائي والمتوسط والثانوي)، حيث قامت الوكالة عبر مكاتبها بتوزيع بطاقات البرنامج على المستفيدين والمستفيدات، وهي عبارة عن بطاقات ممغنطة تحتوي على بيانات الحقيبة المدرسية والزي المدرسي. يُشار إلى أن مشاريع الحقيبة المدرسية، التي تبنتها جهات حكومية في السعودية، تنظمها في نفس الوقت جمعيات ومؤسسات خيرية، توجهت لهذه المشاريع في الفترة الأخيرة لمساعدة المحتاجين والفقراء المتضررين من ارتفاع الأسعار، وتشتمل الحقيبة المدرسية الواحدة على حقيبة، وتشكيلة من المستلزمات الدراسية إلى جانب الزي الرسمي المدرسي.

وفي العاصمة السعودية الرياض، أطلقت أمانة منطقة الرياض، مؤشرا لأسعار المستلزمات الدراسية، في خطوة لكبح جماح أية ارتفاعات قد تطرأ على تسعيرة تلك الأدوات، حيث اشترك في هذا المؤشر، عدد من المكتبات: مكتبة العبيكان، مكتبة الخريجي، مكتبة الشقري، ومكتبة تهامة، وسيستمر العمل وفقا لهذا المؤشر حتى يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، أي بعد بدء الدراسة بقرابة الـ12 يوما.

وأتى ذلك فيما لاح في سماء المتعاملين في سوق القرطاسية والأدوات المكتبية، مخاوف كبيرة، من تأثر سوقهم هذا العام، بضعف القوة الشرائية للمواطن، وذلك بعد أن أرهقتها 3 مواسم متزامنة، حيث حل موسم رمضان هذا العام في آخر موسم الإجازة الصيفية، قبل أن يلحق بهما قبل أيام عيد الفطر المبارك. وفي انتظار بدء العام الدراسي الجديد، والمفترض أن يحل في 11 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، يتوقع المتعاملون في سوق الأدوات المكتبية، أن يشهد هذا النشاط زيادة في حجم ما يتم استيراده من المواد المكتبية والقرطاسية، بنسبة تتراوح ما بين 10 ـ 15 بالمائة، في الوقت الذي يرون فيه أن القوة الشرائية ستكون أقل بكثير خلال الأيام المقبلة نتيجة تزامن مواسم الصيف ورمضان والعيد وأخيراً بدء العام الدراسي. وأوضح لـ «الشرق الأوسط» عاملون في سوق القرطاسية، ان تلك الزيادة في حجم المستلزمات المدرسية المستوردة جاءت نتيجة عدد من العوامل منها النمو السكاني الكبير بالسعودية، وزيادة أعداد الطلاب الملتحقين بالمدارس التي تزايدت أعدادها بنسبة كبيرة، إلى جانب الجامعات الجديدة التي افتتحت اخيراً وتستوعب أعداداً كبيرة من الطلاب الذين لهم احتياجاتهم من الأدوات المكتبية والقرطاسية. وأفصح هؤلاء العاملون ان 50 في المائة من القوة الشرائية للعائلات السعودية تتركز على مشتروات بداية العام الدراسي، أو قبله بعدة أيام من دخول المدرسة، وتشمل المستلزمات الأساسية مثل الكتب والحقائب والأقلام، أما أثناء العام الدراسي فإن الطلاب يحتاجون إلى استكمال النواقص من مستلزمات الأنشطة والأدوات الفنية، ويشكل ذلك نسبة تقارب 35 بالمائة، فيما تغطي نسبة الـ 15 بالمائة الباقية احتياجات نهاية الفصل الدراسي والامتحانات، حيث تظهر بعض الاحتياجات والمستلزمات الخاصة، مثل الأقلام الملونة والأدوات الهندسية، كما أن بعض المدارس تحتاج أوراقاً معينة للاختبارات والتصوير والأحبار.

بدوره، قال الدكتور سعد أبو معطي، وهو أحد المستوردين للأدوات المكتبية والقرطاسية، ان هناك تباينا في أسعار القرطاسية لدى المكتبات المعنية الصغيرة والكبيرة، حيث يرتفع هذا التباين ليصل 10 في المائة لصالح الأخيرة. إلا أنه مع ذلك، أكد أن أكبر عامل لخفض الأسعار هو المنافسة التي تتسبب في خفض الأسعار، والتي تصب بدرجة كبيرة في صالح المستهلك ولكن شريطة أن يكون المنتج جيداً ومعروفاً يخدم المستهلك من خلال سعره المنخفض مع جودته.

وأشار أبو معطي إلى أن أكبر منتج للمواد المكتبية والمستلزمات المدرسية في العالم هي الصين، ويبلغ حجم ما تستورده السعودية منها ما يقارب 70% من إجمالي احتياجاتها من المنتجات المكتبية والمستلزمات المدرسية، مضيفاً أنه توجد بلدان أخرى تصنع هذه المستلزمات وتستورد منها السعودية مثل اندونيسيا والهند وكوريا الجنوبية، موضحا أن هناك منتجات تأتي من أميركا بنسبة طفيفة. وقال إن هناك منتجات مثل الأقلام عالية الجودة تصنع في كل من ألمانيا واليابان وليس لها مثيل في الجودة، وتستوردها السعودية، في الوقت الذي تعزز فيه بعض المنتجات السعودية التي تصنع داخلياً مكانتها في السوق، لجودتها وإقبال المستهلك عليها وبحثه عنها، مثل بعض الأقلام والملفات وبعض المنتجات الورقية التي تصنع داخل البلاد، إلا أنها لا تنافس في السوق. ولم يخف أبو معطي التأثير الكبير للشخصيات الكرتونية المستخدمة في الأدوات المدرسية، ورغبة بعض الطلاب في اقتناء نفس الشخصية ومحاكاة زملائهم، رغم أن كل هذه الشخصيات غريبة عن بيئتنا ولا تعبر عن طبيعتنا، وهنا مكمن الخطر، حيث ينظر إليها الطفل ويحتك بها ظناً إنها مناسبة له، مطالباً بأهمية اختيار اسم تجاري أو منتج أو علامة تجارية بديل عن هذه الشخصيات الأجنبية، وتعوض الارتباط العاطفي لأطفالنا بهذه الشخصيات المستوردة. وحول المستلزمات المدرسية والبضائع التي تخصصت في بيعها محلات (أبو ريالين) ذكر أبو معطي ان السنتين الأخيرتين شهدتا تراجعا لهذه المحلات، وأصبح تأثيرها محدوداً جداً ولم تعد تجذب المستهلك، إذ انها كانت ظاهرة طارئة وانتهت بعد أن اكتشف الجمهور أن بضاعتها رخيصة، ولكن جودتها معدومة، لافتا إلى تنامي الوعي لدى المستهلك وولي الأمر وأصبح المطلوب ليس السعر الرخيص ولكن الجودة العالية وضمان سلامة الأطفال الذين يستخدمون هذه المنتجات.