السعودية تشرع في معالجة أعقد عقبات تطوير المدن.. «المناطق العشوائية»

ضعف الرقابة الحكومية أدى إلى انتشارها.. وعوائدها المالية المجزية جعل منها عامل جذب للمتعاملين

صور جوية لأحد الأحياء العشوائية في مكة المكرمة («الشرق الأوسط»)
TT

تخطو الحكومة السعودية، اليوم، أولى الخطوات الرامية لمعالجة ملف المناطق العشوائية، والذي يعد أحد «أعقد» الملفات التي تواجه الجهات المعنية المسؤولة عن تطوير المدن الرئيسية.

وبحسب معلومات «الشرق الأوسط» فإن وزارة الشؤون البلدية والقروية، والتي تبنت معالجة هذا الملف الشائك بالتعاون مع القطاع الخاص، ستقفل في الساعة الواحدة ظهر اليوم، باب استقبال العروض من مكاتب هندسية مؤهلة، تم مخاطبتها للتنافس على إعداد دراسة تحليلية متكاملة لمعرفة حجم ظاهرة المناطق والمواقع العشوائية في مدن البلاد.

ويبلغ عدد المدن السعودية التي تم إعداد نطاق عمراني لها، 188 مدينة، اعتمدت بقرار صادر من مجلس الوزراء قبل أكثر من عام.

غير أن مشروع معالجة ملف المناطق العشوائية، سيركز في بداياته على المدن الرئيسية في المناطق الإدارية الـ13، حيث سينظر في أسباب نشأة العشوائيات، وتحديد مواقعها على المخططات العامة للمحافظات والمدن، تمهيدا لمعالجتها بما يحقق التنمية العمرانية المستدامة، ويتوافق مع الخطط التنموية للبلاد، ومع توجهات الاستراتيجية العمرانية الوطنية.

وتقر وزارة الشؤون البلدية والقروية، في تقديم عام لمشروعها، أن المناطق العشوائية تعد «ظاهرة عمرانية» في الحواضر الكبرى وعلى أطراف المدن وداخلها. ومن أسباب انتشارها طبقا للوزارة نفسها، «ضعف الرقابة الحكومية، مرورا بالدوافع الاقتصادية والثقافية، وانتهاء بكونها «نشاطا» يحقق عوائد مالية مجزية للمتعاملين به».

ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»، المهندس فيصل الفضل، عضو جمعية المهندسين السعوديين، وخبير التخطيط العمراني، أن تنامي المناطق العشوائية في بعض مدن بلاده، أتى كـ«محصلة ظروف اجتماعية واقتصادية وثقافية وغيرها»، مشيرا إلى أن تلك المناطق يغلب عليها طابع عمراني يصفه بـ«الرديء والسيئ».

وذكر أن مشكلة الإسكان العشوائي، تمخضت عن نمط عمراني عالمي، أصبح معروفا في معظم مدن العالم، بـ«مدن الصفيح». ويعرّف الفضل، العشوائيات، بأنها «المناطق الواقعة ضمن الحدود الإدارية للنطاق العمراني للمدن والتي نشأت بدون مخططات تقسيم أراض سابقة معتمدة على أملاك عامة أو أملاك خاصة»، وهو ما أدى على حد قوله إلى «توسع عمراني عشوائي غير مخطط».

وتعتبر المناطق العشوائية أحد أهم المشكلات التي تواجه إدارات المدن، كما ينظر لذلك الخبراء الهندسيون، إضافة لكونها صعبة التطوير والتفاعل مع المجتمع والنسيج العمراني المنتظم، في الوقت الذي تبرز فيه تحذيرات مقابل ذلك، من كونها قد تشكل بؤرا للمخاطر الاجتماعية والبيئية والصحية، فضلا عن توصيفها بـ«العقبة الفيزيقية والاجتماعية» أمام تطوير المدن.

وتؤكد وزارة الشؤون البلدية والقروية، أن المناطق العشوائية انتشرت بـ«سرعة هائلة» خلال السنوات الماضية. وعزت ذلك، طبقا لوثائق رسمية حول الموضوع، اطلعت «الشرق الأوسط» عليها خلال الأيام الماضية، لأسباب؛ منها: بعدها عن الرقابة البلدية، أو عدم تمكن البلدية من حمايتها لغياب الصلاحيات من جهة، وعدم التنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى مثل المحافظات والشرط، من جهة أخرى، ويضاف إلى هذين السببين، ثالث مهم، يتمثل في «صرف المحكمة الشرعية النظر عن معارضة البلدية عند إخراج طلبات الاستحكام»، وهو الأمر الذي يؤدي إلى حيازات أراضي غير مخططة.

وفيما يبدو، فإن البدء في مشروع تطوير المناطق العشوائية، سيستلزم ضخ مبالغ طائلة، باعتراف وزارة الشؤون البلدية والقروية، والتي ذكرت بأن «تطوير هذه المناطق والمواقع، يتطلب كلفة مالية عالية»، والسبب في ذلك يعود، على حد قولها، لـ«طبيعة الإجراءات المطلوبة؛ مثل: نزع الملكية، والتنظيم، وبناء شبكات الطرق، والمرافق العامة، مع صعوبة تنفيذها وصيانتها».

وبحسب معلومات استقتها «الشرق الأوسط»، من مصادر مقربة من مشروع دراسة المناطق العشوائية، فإن كلفة هذه الدراسة تصل لـ5 ملايين ريال، وستنفذ في موعد أقصاه 18 شهرا.

ولهذا المشروع، 4 أهداف عامة، طبقا لوثائق حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، تتلخص في «التعرف على ظاهرة المناطق والمواقع العشوائية في مدن البلاد، وأسباب نشأتها ونموها وتحديد مواقعها على المخططات العامة للمحافظات والمدن»، «حصر وجمع المعلومات وتبويبها على الخرائط والجداول البيانية وأنظمة المعلومات الجغرافية»، «تقويم الأوضاع الاجتماعية والعمرانية الراهنة لتلك المناطق وتأثيرها على المناطق المحيطة»، و«وضع أسس للتعامل مع ظاهرة العشوائيات في البلاد من خلال اقتراح استراتيجية عامة ومنهجيات علمية».

ومن الممكن تعريف المناطق العشوائية، بأنها «المناطق المتهالكة القديمة داخل المدن»، وأيضا جزء منها يطلق على «تجمعات واضعي اليد التي تحتل أطراف المدن خارج المخططات العمرانية»، و«واضعي اليد»، هو مصطلح تستخدمه السلطات السعودية لتوصيف حالة قدامى السكان المحليين الذين استقروا في أراض دون أي إثبات رسمي بملكيتهم لها.

ويطلق مصطلح المناطق العشوائية في السعودية، على «المواقع والأحياء التي نشأت (داخل أو خارج) المدن من دون تخطيط مسبق، وفي غيبة عن الأسس الفنية والنظامية المتبعة»، وغالباً ما تعاني من نقص شديد في مستوى الخدمات والمرافق العامة.

وطبقا للمهندس فيصل الفضل، وهو صاحب مكتب استشارات هندسية، بالإضافة لعضويته في هيئة المهندسين السعودية، فإن مشكلة المناطق العشوائية تكمن في «ضعف قدرات السكان الاقتصادية، ونقص القوه الشرائية لهم، مما أدى إلى حدوث فجوة كبيرة بين الدخول وأسعار المسكن المعروض في سوق العقارات».

وشدد الخبير المعماري، على ضرورة مراجعة وإعادة تخطيط وتطوير الكثير من الأحياء العشوائية، والتي قال إنها «باتت تشكل عبئا كبيرا على المدن، من النواحي العمرانية والبيئية، ومشاكلها الاجتماعية والأمنية والاقتصادية.

وأضاف في ذات السياق «فلذلك فإن عملية المعالجة والقضاء على العشوائيات، عملية ضرورية لدفع عجلة التنمية والتطور وازدهار المجتمع»، مشيرا إلى أن خطوة القضاء على تلك المناطق «أصبحت عملية مركبة متعددة المحاور، تشتبك فيها المسؤوليات، وتتداخل فيها أطراف متعددة»، وهو الأمر الذي قال إنه «يستوجب تضافر الجهود الرسمية، من الأمانات، والهيئات، والوزارات المعنية، ومراكز البحوث مع الأهالي القاطنين»، إضافة إلى «تفعيل دور القطاع الخاص بمن فيهم من المطورين والمستثمرين لتحقيق النتيجة المرجوة».

ويهدف مشروع التعامل مع العشوائيات، لحصر المناطق والمواقع العشوائية في البلاد، وتقويم الاستراتيجيات والسياسات العامة للتعامل مع تلك المناطق على المديين (القريب والطويل)، كما يهدف لـ«تأسيس وتطوير نظام معلومات، لتنمية المناطق والمواقع العشوائية؛ وذلك باستخدام احدث أنظمة المعلومات الجغرافية المكانية المفتوحة، بحيث يشتمل على قاعدة بيانات مكانية ووصفية كاملة عن المناطق والمواقع العشوائية والبرامج التطبيقية المصاحبة للنظام وفقا لأهداف المشروع تحت التنفيذ. ويعتقد أن استحداث نظام معلوماتي جغرافي مكاني مفتوح، سيمثل «حجر الأساس لنظام معلومات تنمية المناطق والمواقع العشوائية في السعودية المقترح تنفيذه مستقبلا».

ومن المشكلات التي يوردها الخبير الفضل، المرافقة للمناطق العشوائية، أن غالبيتها لا تخضع للأسس التخطيطية والمعمارية المعتمدة، وبعضها لم يحصل على تراخيص البناء من الأمانة أو البلدية، إضافة لكونها مهددا لأرواح ساكنيها نتيجة بنائهم هذه المساكن في مواقع غير مناسبة، سواء في مسارات السيول أو تربة غير صالحة للبناء وغيرها، كما أنها تشكل إهدارا للمال العام نتيجة بناء المساكن بصورة هشة يقل عمرها الافتراضي 50 في المائة، عما تسمح به الخامات المستخدمة.

وطبقا للفضل، فإن الدراسات التي أجراها مركز التطوير الهندسي الذي يترأسه، أثبتت أن الخدمات في العشوائيات، تتوزع بصورة عشوائية ولا تخضع لأسس وضوابط ومعايير التخطيط العمراني، مع زيادة الاعتماد على خدمات المدينة، نتيجة لافتقار هذه المناطق للخدمات التعليمية، والصحية، والثقافية، وغيرها.

وحذر من أن تلك المواقع العشوائية، قد تقع تحت تهديد الكوارث، حيث من المتعذر وصول خدمات الإطفاء والإنقاذ وغيرها، لافتا إلى أن شبكة الطرق، عبارة عن «شبكة متداخلة، وغير ممهدة، وفي الغالب لا تصلح لمرور حتى سيارات الطوارئ والإطفاء والإسعاف».

وأثبتت الدراسات الميدانية، افتقار المناطق العشوائية في السعودية، لشبكات البنية الأساسية، وبخاصة مياه الصرف الصحي، في الوقت الذي تكثر فيه الشوارع الترابية وتقل المسطحات الخضراء والمناطق المفتوحة، وهو ما يدفع بتدني مستوى النظافة وصحة البيئة العامة.

ونبه المهندس الفضل، إلى زيادة ارتفاع نسبة الكبريتات في المياه الجوفية المحيطة بالمواقع العشوائية، نتيجة لعدم وجود مرافق عامة، الأمر الذي قال إنه «أدى إلى اختلاط مياه الصرف الصحي، بمياه الشرب في بعض الحالات.

وتعاني العشوائيات، طبقا للدراسات التي ستعرضها بعض المكاتب الهندسية اليوم على المختصين في وزارة الشؤون البلدية والقروية، من خلل واضح في التركيبة السكانية، يتميز بكثافة عالية، وتدني مستوى التعليم والدخل، وقلة الملاك مع ارتفاع معدل البطالة والجريمة والانحراف الاجتماعي والأخلاقي، وتكوين بيئة مشجعة على وجود وتكاثر المقيمين المخالفين لنظام الإقامة والعمل. كما أن بعضها، بحسب الفضل «يمكن أن يشكل مصدرا مقلقا لأمن واستقرار مناطق أخرى بالمدينة».

ومن متطلبات مشروع تطوير العشوائيات، «إنشاء قاعدة معلومات مكانية وصفية كاملة عن المناطق والمواقع العشوائية في الحاسب الآلي، وفقا لأهداف وعناصر المشروع المختلفة، وتأسيس وتطوير نظام معلومات تنمية المناطق والمواقع العشوائية والبرامج التطبيقية المصاحبة للنظام، باستخدام احدث أنظمة المعلومات الجغرافية المفتوحة».

كما سيتم من خلال المشروع، والمتوقع أن تفتح مظاريفه صباح يوم غد الأحد، توثيق الأوضاع الراهنة للمناطق العشوائية، وربطها بالمخططات الهيكلية للمدن، وذلك باستخدام المصورات الفضائية والمصورات الجوية، وأنظمة المعلومات الجغرافية المتوفرة في الوزارة والأمانات والبلديات. إضافة «لإجراء الدراسات والتحاليل الفنية اللازمة لهذه المناطق تمهيدا لبلورة المفاهيم التخطيطية ووضع السياسيات والاختيارات واقتراح الحلول المناسبة مستقبلا». وسيعمل من خلال مشروع معالجة وضع العشوائيات، والذي سيكون له مقر في إدارة التخطيط العمراني بوزارة الشؤون البلدية والقروية، على «إعداد تصور شامل عن جميع المناطق، والمواقع العشوائية، والأوضاع الراهنة في المدن بصفة عامة، والمناطق العشوائية حول المدن.

إلا أن مدن مكة المكرمة وجدة والطائف، ستستثنى من عملية جمع المعلومات الأساسية فقط، حيث سبق إعداد دراسات خاصة بها تناولت ظاهرة المناطق العشوائية، وصدرت بها لائحة تطوير المناطق العشوائية لمنطقة مكة المكرمة مايو (أيار) الماضي.

وستخضع لائحة تطوير المناطق العشوائية بمنطقة مكة المكرمة للدراسة والمراجعة، طبقا للمشروع الجديد، وذلك لتحديد مدى إمكانية تطبيق ما جاء بها من توجهات وإجراءات خاصة بالتعامل مع المناطق العشوائية.

وتعد منطقة مكة المكرمة، من أكثر المناطق التي تشهد تخلفا للوافدين بها، جراء قدومهم لأداء العمرة أو الحج، حيث يكون نطاق انتشار الوافدين غير النظاميين، في المناطق العشوائية بالمدن الرئيسية للمنطقة. وطبقا للخبير الفضل، فإن مؤشرات معدلات الجريمة في المناطق العشوائية مرتفعة، وتنتشر فيها الأنشطة الاقتصادية الهامشية وغير المشروعة. ولفت إلى أنه تصعب السيطرة على بعض المناطق العشوائية لعدم توفر أجهزة الضبط الاجتماعي وتمركز بعض الجماعات الرافضة والمتطرفة، - على حد تعبيره.

وكشفت دراسة، شخصت موضوع «فعالية الإجراءات الأمنية الوقائية من الجريمة في المناطق العشوائية»، عن أن الأجهزة الأمنية لا تغطي المناطق العشوائية بالعدد الكافي من الدوريات الأمنية. وخلصت إلى ضعف مستوى الوجود الأمني بالمناطق العشوائية، في معظم أوقات اليوم. فيما لاحظت ضعف إجراءات الوقاية من الجرائم الأخلاقية بالعشوائيات.

وهنا، يؤكد المهندس فيصل الفضل، أن تدني المستوى الأمني بالمناطق العشوائية يعود إلى «عدم وجود خطة أمنية فعالة لمكافحة الجريمة في تلك المناطق». مشددا على ضرورة أن تتضمن الخطط الأمنية إجراءات وقائية فعالة تسبقها حملات إعلامية وأخرى للتوعية من خلال وسائل الاتصال المتعددة، مع توفير الإمكانات المادية والبشرية اللازمة لتنفيذ الخطط الأمنية لمكافحة الجريمة في المناطق العشوائية.

ومن الملامح الاجتماعية للعشوائيات، «انتشار الفقر، وعدم قدرة الفئات المهمة على الحصول على الخدمات والمرافق»، «انخفاض سن الزواج وتعدد الزوجات»، «زيادة نسبة البطالة»، «انخفاض مستوى دخل الفرد بالمقارنة مع أسعار تكلفة البناء»، «ارتفاع معدلات النمو السكاني والتوزيع الكمي»، «هبوط المستوى الخلقي»، و«ظهور العديد من المشاكل والأمراض التي لم تكن موجودة من قبل»، «عدم الشعور بالأمان»، و«انتشار الجراثيم».

ومما يساعد على تشكيل المناطق العشوائية، طبقا لخبير معماري، «تدفق الوافدين بحثا عن العمل والرزق وبخاصة المخالفين لنظام الاقامة والعمل في السعودية، وعدم وجود مساكن لإقامتهم، وغالبيتهم من ذوي الدخل المنخفض ومستوى التعليم المتدني، مما يدفعهم إلى البحث عن أماكن بعيدة عن النطاق العمراني بوضع اليد والإقامة عليها بطريقة عشوائية».

ويشكل ارتفاع أسعار الوحدات داخل المدن، وانخفاض أعداد تلك التي تتلاءم مع القدرة الشرائية لمنخفضي الدخل، وارتفاع أسعار الأراضي، أحد أهم الأسباب التي زحفت بالعشوائيات لتمتد على أطراف المدن.

ومما ساعد على انتشارها، بحسب أحد التصورات الفنية التي ستقدم لوزارة الشؤون البلدية والقروية اليوم، «التهاون مع منتهكي القوانين، ومغتصبي الأراضي، وعدم توفير البديل«، إضافة إلى أن «إقامة بعض الصناعات خارج النطاق العمراني للمدن، وعدم توفير السكن الملائم للعمال، شجع على إقامة تجمعات عشوائية بالقرب من هذه التجمعات».

وطالبت وزارة الشؤون البلدية والقروية، المكاتب الهندسية المؤهلة، بضرورة تسليم المسودة الأولية للتقرير الخاص بمعالجة أوضاع العشوائيات، خلال 300 يوم من تاريخ مباشرة العمل، على أن يتم تقديم المسودة النهائية قبل مرور 480 يوما من التأريخ نفسه، فيما يسلم التقرير بصورته النهائية قبل نهاية العقد بمدة كافية ليتم، طبقا للوزارة، اختبار وتطبيق البرامج من قبل المختصين، ومدى ملاءمته للغرض الذي من أجله تم إعداده.