مثقفون وفنانون: إجازة «المناسبات» خطوة للمطالبة بـ«التفرغ الإبداعي»

قالوا لـ«الشرق الأوسط»: إن «البيروقراطية» تحاصر إنتاجهم محلياً ودولياً

جانب من مشاركة «فنية» سعودية في إحدى المناسبات الخارجية («الشرق الأوسط»)
TT

قرأ مثقفون وفنانون قرار مجلس الوزراء الصادر يوم الاثنين الماضي بالسماح لشاغلي الوظائف التعليمية بالغياب مدة 60 يوماً للمشاركة في المناسبات الوطنية الخارجية بما يشمل الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية، إلى جانب فئة أخرى من موظفي القطاعين الحكومي والخاص على أنه خطوة للمطالبة بنص قانون للتفرغ الابداعي وفرصة للتخلص من قيود «البيروقراطية» الإدارية التي تعيق الإنتاج الثقافي والفني.

وأوضح جبير المليحان، رئيس مجلس إدارة نادي المنطقة الشرقية الأدبي بالدمام، لـ«الشرق الأوسط»، أن غالبية منسوبي الأندية الأدبية والأجهزة الثقافية في البلاد هم من الموظفين غير المتفرغين ويعانون من عدة اشكاليات عند رغبتهم في المشاركة داخلياً وخارجياً في إحدى المناسبات الثقافية، مرجعاً ذلك لبيروقراطية العديد من الادارات الحكومية. وحكى المليحان تجربته الخاصة بهذا الشأن في كونه سافر إلى القاهرة قبل مدة للمشاركة في فعاليات الأيام السعودية الثقافية وعندما عاد لعمله وجد ملفاً كاملاً بانتظاره، وأفاد بأنه لكونه موظفاً فإن ذلك يتطلب منه تقديم طلب خطي قبل 30 يوماً من المناسبة حتى وإن كان ذاهباً بدعوة رسمية لتمثيل بلاده في أحد المحافل الثقافية والأدبية.

ويرى المليحان أن قرار تمكين المثقفين من أخذ إجازة سنوية بحدود الشهرين قد يكون نواة لمشروع تفرغ الأديب لمدة 6 أشهر أو سنة، ملمحاً الى وجود كفاءات يجب تفرغها لخدمة وطنها ابداعيا واعطاؤها المساحة الزمنية والنفسية لذلك، وأشار إلى اللائحة الجديدة للأندية الأدبية الصادرة أخيراً والتي يرى أنها بداية لطرح واشتراطات المساهمة في دعم حركة الثقافة والأدب، مؤكداً أن «المثقفين هم الواجهة المشرقة والضمير الحي للوطن».

ويتفق معه هشام قنديل، مدير اتيليه جدة، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط»، ضرورة منح المبدعين منحة تفرغ تسمح لهم بممارسة إبداعهم الفني وبما يدعم العمل الثقافي بكل صوره وأشكاله، وحول قرار الإجازة، يرى قنديل أن القرار في حد ذاته يؤكد اهتمام الدولة بالجانب الفكري والابداعي، إلا أنه يعتقد أن 60 يوماً ليست مدة كافية، وأضاف قائلاً «أتمنى أن تكون هذه خطوة أولى تتبعها خطوات أخرى لمنح المبدع تفرغا حقيقيا عبارة عن ثلاث سنوات على الأقل تجدد باستمرار». وأكد قنديل على ضرورة أن يقدم الفنان الحاصل على منح التفرغ المقترحة انتاجه الابداعي الذي أنجزه طوال الفترة المقررة، وذلك أسوة بما هو حاصل في بعض الدول الغربية والعربية، فيما شدد على ضرورة أن يقتصر مشروع التفرغ على المبدع الحقيقي وأن يقيد ذلك بوجود لجان متخصصة.

من جهته، بيـَّن أحمد حسين الغامدي، عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية وعضو جمعية الثقافة والفنون بجدة، لـ«الشرق الأوسط»، أن منح الفنان إجازة 60 يوما من مقر عمله منصوص عليه نظاماً، لكن المشكلة دائماً في عدم تفعيل القرارات، مؤكداً أن هذا القرار الصادر سيدعم مشاركة الفنون التشكيلية خارجياً والتي يرى أن حضورها ما زال خجولاً.

وأفاد الغامدي بأن المطلوب عدم الاكتفاء بعرض الأعمال الفنية واللوح فقط، بل عقد الندوات والمحاضرات وورش العمل المصاحبة للفعاليات، حيث يرى أنه من المفترض أن يكون جزء من الانتداب موجهاً للدورات التي تطور الفنان. وحول فكرة التفرغ الابداعي، قال الغامدي «نحن دائما نطالب بالأكثر وكمستوى أول لا بد من تفعيل حق الفنان باجازة 60 يوما ودعم مشاركاته الخارجية والداخلية وفتح اكاديميات فنية على مستوى عال ومن ثم تفرغه لاحقا للدراسات العليا الفنية أو الانتاج الفني».

وفي ذات المحور، أفصحت سامية خاشقجي، فنانة تشكيلية وأكاديمية في كلية دار الحكمة بجدة، لـ«الشرق الأوسط»، بأن هذا القرار يؤكد على ضرورة دعم حضور الفنان السعودي خارجياً، حيث ترى بأن عرض الأعمال في دول العالم يضيف كثيراً للحركة الفنية السعودية، وأوضحت خاشقجي أن مسألة الحصول على إجازة للمشاركة في مناسبة ظلت تتطلب الكثير من الموازنة، خاصة من قِبل المرأة كونها مسؤولة عن عملها وبيتها إلى جانب التزامها الفني، مفيدة بأنها شخصياً لم تتعرض لمشاكل سابقاً بهذا الشأن.

وبالعودة لمقترح مشروع التفرغ الابداعي في السعودية، يجدر النظر إلى تجربة الأردن الذي اعتمد العام الماضي قانون التفرغ الابداعي في الكتابة والموسيقى والمسرح والأفلام القصيرة والفن التشكيلي، وهو ما يعد خطوة رائدة في العالم العربي، خصوصا أن القانون يقدم للمبدع تفرغاً لعام كامل ومكافأة تقدر بـ 22 ألف دولار، وهو قانون معتمد في غالبية دول العالم، ويرى مثقفون أن حرص الحكومة السعودية على تمكين المبدعين من أخذ إجازات مطولة لأنشطتهم قد يكون الخطوة الأولى لدراسة قانون مشابه لذلك.

يذكر أن قرار مجلس الوزراء الصادر أخيراً تضمن السماح لشاغلي الوظائف التعليمية والطلبة من القطاعين الحكومي والخاص في مراحل التعليم العام والجامعي ومن في حكمهم في مؤسسات التعليم والتدريب الأخرى بالغياب خلال سنة واحدة أياماً لا يتجاوز مجموعها 30 يوماً داخل البلاد و60 يوماً خارجها، وأن يُسمح لمعلمي ومشرفي التربية البدنية، خلال السنة الواحدة، بالغياب 45 يوماً داخل البلاد و75 يوماً خارجها.

أما العاملون المدنيون من القطاعين الحكومي والخاص، والعسكريون فيسمح لهم بالغياب خلال السنة الواحدة أياماً لا تتجاوز في مجموعها 60 يوماً داخل البلاد، و90 يوماً خارجها. وشددت الإجراءات على وجوب الحصول على موافقة خطية من أولياء أمور الطلبة في مراحل التعليم العام ومن في حكمهم في مؤسسات التعليم والتدريب الأخرى، بالسماح لهم بالمشاركة في الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية الداخلية والخارجية خلال الفصلين الدراسيين. واعتبر القرار الإداريين والفنيين والمدربين والحكام المشاركين في الوفود الرياضية والثقافية والاجتماعية منتدبين ويعاملون وفق أحكام الانتداب وتصرف لهم بدلات السفر من إركاب وانتداب من الرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة الثقافة والإعلام أو الجهة التي طلبت اشتراكهم، وذلك طوال مدة المشاركة، مع التشديد على الجهات المعنية وذات العلاقة مراعاة ألا تؤثر مشاركة الموظف المدني أو العسكري في وضعه الوظيفي من حيث الترقية والعلاوة السنوية المستحقة والإجازات بسبب مشاركته في النشاطات.