مختصون في علاج الإدمان: زيادة في أعداد المدمنات.. ودعوة إلى التوسع في الأقسام النسائية

أكدوا لـ«الشرق الأوسط» على وجود السرية.. وانتقدوا إغلاق القسم النسائي في جدة

د. عبد الحميد الحبيب
TT

اعترف مسؤولون في علاج الإدمان في السعودية بوجود زيادة نسبية في أعداد النساء المدمنات في عدد من المدن، مؤكدين سرية المعلومات الخاصة بالمريضات، والتي لا تفشى إلى أي شخص إلا بموافقة المريض، ومؤكدين ضرورة افتتاح أقسام خاصة بالإدمان لعلاج النساء.

وكشف الدكتور عبد الحميد الحبيب المدير التنفيذي لمجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض، عن تلقي القسم النسائي بالمستشفى لـ 98 حالة إدمان نسائية، منذ بدء تقديم خدمة علاج إدمان النساء حتى الآن.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن هناك 64 حالة تلقت خدمات علاجية متكاملة، سواء عن طريق التنويم أو برامج العيادات الخارجية، بينما تلقت 74 حالة خدمات إسعافية أو تم تحويلها إلى المجمع بغرض التقييم، مشيرا إلى أن تلك الحالات تقوم بالمتابعة المستمرة من خلال العيادات الخارجية على مدار العام.

وذكر أن العائق الاجتماعي للتقدم لطلب العلاج من قبل المدمنات يقف حاجزا أمام تحديد حجم المشكلة، وأضاف أن علاج الإدمان في المجمع يتم في إطار كامل من السرية والخصوصية التي تخدم مصلحة المريض أو المريضة، وفقا للأنظمة والقوانين التشريعية والطبية، ولا يتم إفشاء معلومات المرضى إلى أي مصدر إلا بموافقة المريض نفسه.

وأكد المدير التنفيذي لمجمع الأمل بالرياض على أن السرية تعد حقا من حقوق المرضى، خصوصا أن الأمراض النفسية والإدمان وعلاجها ينقصها الوعي من جانب المجتمع، مما يجعل المختصين في المستشفى يهتمون بالحفاظ على سرية المريض حفاظا على مشاعره، ودعما للعملية العلاجية كي تساهم في سرعة الشفاء والتجاوب مع العلاج.

ويأتي الحشيش والأمفيتامين والحبوب المنشطة في المرتبة الأولى بالنسبة للمواد التي يدمن عليها النساء، بناء على الحالات التي راجعت كلا من مستشفى الأمل بالرياض والدمام، وذلك بسبب المفاهيم الخاطئة المتعلقة بها من الحصول على النشاط والقدرة على السهر والشعور الزائف بتحسن المزاج، وغيرها من الأفكار التي يصورها المروجون في الأذهان لتعاطي تلك المواد.

وشهدت الأقسام النسائية للمدمنات في كل من الرياض والدمام حالات إدمان لنساء تراوحت أعمارهن بين 20 و35 عاما، بينما تندر نسبة مراجعة من هن دون العشرين من أعمارهن.

وأكد الدكتور محمد الزهراني المشرف العام على مجمع الأمل للصحة النفسية، ومدير إدارة الصحة النفسية والاجتماعية بالدمام، على عدم وجود إحصائية مستقلة لأعداد مريضات الإدمان في المستشفى، إلا أن هناك زيادة نسبية مصاحبة لزيادة أعداد المدمنين الرجال.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن البرنامج العلاجي المتبع مع المدمنات يبدأ بالتنويم بعد قبول المريضة وفق سياسة، يراعى فيها أن تعاني المريضة من الإدمان بناء على المحكات التشخيصية للدليل التشخيصي للاضطرابات النفسية الرابع، مع مراعاة أن يتجاوز عمرها 18 عاما، إضافة إلى التأكد من عدم إصابتها باضطرابات نفسية أو عقلية أو جسمية شديدة، تعيقها عن الاستفادة من البرنامج العلاجي في المستشفى.

وأضاف أن المرحلة الأولى من العلاج تبدأ فور تنويم المريضة، والمسماة بالتقييم وعلاج الأعراض الانسحابية، إذ يتم تخليص الجسم وتطهيره من المخدرات والسموم بأنواعها حسب المادة المخدرة التي تعتمد عليها المريضة، وإزالة الأعراض الانسحابية «أعراض التوقف عن التعاطي»، وفق بروتوكول الجمعية الأميركية لطب الإدمان، مفيدا أن المريضة في هذه المرحلة تخضع للتحاليل الطبية والفحوص المخبرية، مع الملاحظة الدقيقة والمتابعة المستمرة لآثار الإدمان على الوظائف الجسمية والعقلية والانفعالية، إضافة إلى إجراء التقييم النفسي والاجتماعي الشامل بواسطة إخصائيين نفسيين واجتماعيين مدربين لتحقيق شمولية وتكامل عملية التقييم.

وذكر الدكتور محمد الزهراني أن المريضة تتمتع في تلك المرحلة بكافة المميزات والرعاية اللازمة من قبل الفريق العلاجي، وفي ظل رعاية إنسانية من منطلق احتياجها إلى العون والمساعدة.

وقال: «تتمثل المرحلة الثانية في التأهيل النفسي والاجتماعي والتي تنتقل إليها المريضة بعد الانتهاء من علاج الأعراض الانسحابية لاستكمال بقية البرنامج العلاجي، بهدف إعادة تنظيم حياتها في جو خال من المخدرات أو العقاقير المسببة للإدمان، والعمل على تدعيم الاتجاهات الإيجابية لديها، ومساعدتها للاندماج في المجتمع من جديد بشكل إيجابي، ومساعدتها على التعافي والاستمرار عليه، وكيفية تجنب أسباب الانتكاسة، والتغلب على مشاعر الرغبة في التعاطي، وإكسابها مقومات الثقة في النفس».

وأشار إلى أن ذلك يتم من خلال جلسات العلاج والإرشاد الفردي والجماعي التي يقوم بها الفريق العلاجي وفق خطة العلاج، إضافة إلى مقابلات أسرية بهدف العلاج والإرشاد الأسري، مؤكدا وضع خطة علاجية خلال تلك المرحلة تتناول المشكلات التي تعيق المريضة عن التعافي والتي تدفعها نحو التعاطي، ووضع أهداف وتدخلات علاجية لأعضاء الفريق العلاجي من كافة التخصصات.

وذكر المشرف العام على مجمع الأمل للصحة النفسية في الدمام أنه يتم مراجعة الخطة دوريا، حتى تستقر حالة المريضة وتكتسب المهارات والمعرفة الكافية التي تساعدها على الوقاية من الانتكاس والعودة إلى المجتمع مرة أخرى، وأضاف أنه في الأسبوع الأخير من العلاج، وقبل خروج المريضة من المستشفى، يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحويلها إلى وحدة الرعاية المستمرة وعرضها على الفريق العلاجي الذي يقوم بشرح البرنامج العلاجي لها.

ولفت إلى أن ذلك الفريق يستخدم العلاج النفسي الجمعي والفردي، وإرشاد التعافي والمحاضرات التعليمية والإرشاد، والعلاج الأسري والديني، والأنشطة التأهيلية والإرجاع الحيوي، كوسائل علاجية للمريضة، مبينا أن البرنامج العلاجي في هذه المرحلة يعتمد على برامج العلاج بالعمل والمتضمنة الرسم والفنون والزراعة وممارسة الألعاب الرياضية، والقيام برحلات خارجية إلى الأماكن الترفيهية، فضلا عن الاستفادة من برامج الإرشاد الديني، ومكتبة المستشفى المقروءة والمسموعة، ومختلف الأنشطة، تمهيدا لخروج المريضة واستقبال حياتها كشخص طبيعي لا يعتمد على أي مخدر.

وأضاف إن المرحلة الثالثة والأخيرة من العلاج تتمثل في الرعاية المستمرة، والتي توفر للمريضة الدعم طويل المدى لتلبية احتياجاتها الفكرية والنفسية والاجتماعية والروحانية، إذ تلتحق ببرنامج الرعاية المستمرة للوقاية من الانتكاس والاستمرار في التعافي، وذلك بعد خروجها من الأجنحة الداخلية للمستشفى، من خلال زيارات منتظمة للوحدة تتحدد حسب خطة علاجها، لحضور جلسات الإرشاد والعلاج الفردية أو الجماعية، إضافة إلى حضور أسرتها للإرشاد والعلاج الأسري.

وأوضح أن من ضمن أهداف تلك المرحلة مساعدة المريضات على فهم الإدمان كمرض مزمن ومتفاقم، والبدء في التعافي من خلال إيضاح مفهومه كعملية تطويرية، وتعلم طرق الاتصال الصحية، خصوصا عند التعبير عن مشاعرهن، إضافة إلى محاولة إشراك الأسرة في العملية العلاجية ومساعدتها في التعامل مع المشكلات الملحة بعلاقتها مع المريضات ونتائج وضعهن الإدماني.

وبالعودة إلى الدكتور عبد الحميد الحبيب، الذي صرح بإنشاء قسم للأمان الأسري بمجمع الأمل في الرياض، يهدف إلى مساعدة الأسر التي يوجد لديها مدمن أو شخص مضطرب نفسيا، في التعرف على كيفية العلاج من تلك الأمراض، أضاف أن القسم يسعى إلى تقديم الاستشارات النفسية والاجتماعية الإدمانية عن طريق الاتصال الهاتفي أو المقابلة الشخصية أو موقع المجمع الالكتروني على شبكة الانترنت.

ولفت إلى أن قسم الأمان الأسري يقوم بعمل برامج وقائية مبكرة فيما يتعلق بالمراهقين، والتنسيق مع الأسر لإحضار أبنائها للعلاج، أو مقابلة الأطباء والإخصائيين حسب الحالة، إضافة إلى مشاركة عدد من الطبيبات والإخصائيات بالمجمع في تنفيذ برامج توعوية للطالبات في المدارس والجامعات والسجون النسائية ودور الرعاية، وطباعة وتوزيع العديد من المطويات والنشرات ومجلة الأمل، التي تتحدث عن المخدرات والمشكلات المتعلقة بها.

وكانت الأوساط الطبية والمهتمة قد شهدت مؤخرا تناول خبر إغلاق مستشفى الأمل، الذي يتخصص في علاج الإدمان للرجال حاليا بجدة، لقسم الفتيات الذي أعلن عن تأسيسه خلال العامين الماضيين، علما بأن المستشفى في الماضي والآن يقوم بتحويل حالات الإدمان الخاصة بالفتيات إلى مستشفى الصحة النفسية، وذلك لعدم وجود قسم متخصص لاستقبالهن، ولعدم وقوعهن في الإحراج بحيث تكون الصورة أن مريضة ما حضرت للعلاج من مرض نفسي وليس نتيجة الإدمان.

وكان الدكتور أسامة إبراهيم المشرف على مستشفى الأمل في جدة قد أوضح في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط» أن ما أثير حول إغلاق قسم لعلاج المدمنات في المستشفى لم يكن صحيحا بالشكل الذي تداوله الخبر، مبينا أن القسم المفترض كان تحت التأسيس ولم يفتتح في الأساس. وأضاف أنه من الضروري توفر قسم لعلاج الفتيات المدمنات داخل المستشفى، «وأنا من خلال وجهة نظري المهنية كطبيب واستشاري أؤيد هذا التوجه، ولكن القسم كان تحت التأسيس ولم يفتتح رسميا كما أثير الحديث في بعض وسائل الإعلام».

وأكد المشرف على مستشفى الأمل أنهم سيعاودون افتتاح القسم بعد الانتهاء من الإجراءات الرسمية المتمثلة في اعتماده من قبل الشؤون الصحية في منطقة مكة المكرمة، مفيدا أن إدارة المستشفى تعمل مع الشؤون الصحية في المنطقة على استكمال باقي الإجراءات القانونية لمعاودة القسم الذي يحتاجه المستشفى بالفعل.

في جدة انتقد الدكتور محمد الزهراني المشرف العام على مجمع الأمل للصحة النفسية، ومدير إدارة الصحة النفسية والاجتماعية بالدمام، تأخر قرار إنشاء قسم نسائي لعلاج المدمنات في مستشفى الأمل بجدة، معتبرا أن من بيدهم ذلك القرار لم يأخذوا بعين الاعتبار مصلحة المريضة بالدرجة الأولى.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن المريضة من حقها تلقي العلاج في مكان قريب من عائلتها، لا سيما أن حالات الإدمان النسائية يتم تحويلها إلى الرياض أو الدمام، لافتا إلى عدم وجود ما يمنع افتتاح قسم نسائي في جدة.

وأضاف: «إنه من خلال اطلاعي على بعض الإحصائيات وجدت أن حالات الإدمان النسائي في جدة تعد أكثر مما لدينا في الرياض والدمام، الأمر الذي يحتم ضرورة وجود قسم خاص بالمدمنات في جدة، تتلقى من خلاله المريضة العلاج المناسب بسرية تامة».

من جهتها أكدت الدكتورة مها فقي إخصائية مخ وأعصاب في إحدى المستشفيات الخاصة بجدة، على أن عدد المدمنات يشهد تزايدا في ظل انتشار التدخين بين الأوساط النسائية، رغم عدم وجود إحصائية محددة.

وقالت في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن الحشيش يعد من أكثر المواد انتشارا بين الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 14 و15 عاما، خاصة أن وضعه في السيجارة أو المعسل أمر سهل.

وأفادت بأن المجتمع لم يتقبل حتى الآن فكرة تلقي المدمنة العلاج في المستشفيات، إلا أن الكثير من الأسر تهتم كثيرا بالتوعية والتثقيف والسؤال عن الأعراض والمواد الإدمانية، إضافة إلى الدور التثقيفي عبر المحاضرات والمنشورات التي توزع بالمدارس والأماكن العامة، مشيرة إلى أن المدمنات في جدة يتلقين العلاج من خلال تحويلهن إلى مستشفى الصحة النفسية أو المستشفيات الخاصة، أو الأقسام النسائية في كل من مجمع الأمل بالرياض والدمام.