في الجنادرية.. لغة خطاب الأحفاد تستعصي على مسامع الأجداد

حرفيون يبدون لـ«الشرق الأوسط» تخوفا من اندثار الصناعات والحرف التقليدية القديمة

كبار السن من الحرفيين يشاركون بفعالية ضمن نشاط قرية مهرجان الجنادرية الشعبي
TT

لم تستطع مظاهر الفرح والأهازيج الشعبية التي توالت على ساحة مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة منذ انطلاق الفعاليات، أن تخفي صورة عدم الرضا والحسرة التي انعكست على وجوه الباعة الحرفيين القدامى، تجاه إملاء البعض لطريقة شراء السلع.

وكانت ملامح وجوه المسنين، من المشاركين ببسطات متواضعة في مهرجان الجنادرية الـ24 للتراث والثقافة، أبلغ تعبيراً وهم يتحدثون عن امتعاضهم شديد اللهجة، تجاه لغة الخطاب الجديدة لدى الزبائن وبشكل خاص من جيل الشباب، والتي أصبحت تملي عليهم طرق وأسعار البيع، غير مكترثة لخصوصية البائع وبضاعته. ولم يعد العم سعد الدعدي بائع السواك ذو 88 حولا، الذي التزم بعرض بضاعته في مهرجانات الجنادرية دوريا منذ 12 عاما، قادرا اليوم على تسويق منتجاته من المساويك بالشكل الذي يريد، وذلك بعد التدخلات التي وصفها بالغريبة وغير المقبولة من كثير من الزبائن الذين يحددون سعر السواك، ويطلبون تقسيمه إلى أقسام صغيرة، الأمر الذي يتعارض مع سياسة بيع تلك المساويك والتي درج عليها منذ سن مبكرة من حياته.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» الدعدي أنه بات لا يفهم ماذا يقصده بعض الزبائن، من تدخلهم في طريقة البيع، وكأنهم أصحاب لتلك المهنة، ما جعله يحجم عن البيع حتى لو وصل الأمر لتكدّس البضاعة، مشيراً إلى أن هذه العادة السيئة تأتت من دخلاء على المهنة غالبيتهم من جنسيات آسيوية يقومون ببيع المساويك عند أبواب المساجد بطرق متعددة تخدم تصريف بضاعتهم رديئة الجودة بطريقة أو بأخرى.

وفي سياق مشابه، بدا واضحا القلق الذي انتاب الحرفيين وصناع الأدوات التراثية القديمة، من المشاركين في مهرجان الجنادرية حيال منتجاتهم من الاندثار والذين أوضحوا أن مصدر تخوفهم لم يعد من قلة الإقبال على منتجاتهم فقط، ولكن الأدهى من ذلك حسب وصفهم الإعراض المشاهد من أبنائهم وأحفادهم عن تعلم سر مهنة تلك الصناعات.

وقال سعيد القرني، ذو السبعين عاما، بصوت مبحوح تغلب عليه الحسرة على مستقبل الصناعات التقليدية التي كان جالسا يسوق لها بجناح منطقة عسير، أن جيله يمثل آخر الأجيال التي تقوم بصناعة الأدوات التراثية التقليدية، مثل الصحاف والصاج القديم والمقرصة اليدوية، مبينا أنه تعلم صناعة الأواني الخشبية منذ سن مبكرة على يدي والده، غير أن توجهات هذا العصر غيّرت رغبة الأبناء في تعلم حرفة الآباء.

وأضاف القرني أنه يقوم بصنع إناء (الصحاف) الذي يبلغ سعر الحجم الكبير منه 50 ألف ريال (13.3 ألف دولار)، وهو إناء خشبي يوضع به الأكل لفترات زمنية طويلة من دون أن تفسد وذلك لوجود السمن البري في قاعه والذي لا يغسل إلا بالماء البارد لضمان جودة المنتج، واصفا إياها بأفضل الأواني على الإطلاق، والتي تصنع من شجر الأثل المشهور في منطقتي عسير وجازان، ويوجد بكثرة على مجاري المياه في أودية تلك المناطق. من جهته أرجع جابر العدينان أحد حرفيي منطقة عسير الذي التقت به «الشرق الأوسط» في مهرجان الجنادرية، أسباب التخوف من اندثار الحرف والصناعات التقليدية، إلى عزوف أبناء الحرفيين أنفسهم عن مهنة آبائهم، مشيراً إلى أنه يعيش هذا الموقف حيث فضل أكبر أبنائه الـ3 ، الالتحاق بالقطاع العسكري، بينما آثر الآخر السفر لطلب العلم، وانشغل الثالث بهوايته المفضلة وهي التسمر أمام الشبكة العنكبوتية والتواصل مع أصدقائه حول العالم.

وبين العدينان أن عزوف أبنائه ومن في وسطهم عن تعلم الحرف والصناعات القديمة، يعد أمرا متوقعاً في هذا العصر، شجعه الإعراض الكبير عن شراء الأدوات التقليدية القديمة من قبل الناس، مفيداً أن تلك الصناعات لم تعد تجارة بقدر ما هي استعراض لتراث المجتمع، بالإضافة إلى تعدد المهن التي تدر ريعاً أفضل بكثير من ريع الحرف والصناعات القديمة.

وشهد مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة حضوراً مكثفاً منذ إطلاقه الشرارة الأولى لفعالياته المستمرة، حيث زخرت أجنحته بالإقبال المتزايد، كان من أبرزها بيت المدينة الذي تميز هذا العام أيضاً بتقديم ألذ المأكولات والمشروبات التقليدية، بجانب العرضات الثقافية المتنوعة التي تنطلق بعد عصر كل يوم، والتي وازاها في المستوى العرضات المقدمة من أجنحة عسير ونجران حيث شهدت حضوراً متميزاً.

وبات واضحا اهتمام زوار الجنادرية بمشاهدة جميع الفعاليات، من عروض فنية ومسرحية، والإلمام بأخبار جميع الأجنحة وبرامجها اليومية، في الوقت الذي لوحظ فيه الإقبال المتزايد على معارض الصور الفوتوغرافية التي جذبت زوار مهرجان هذا العام، بالإضافة إلى أجنحة الأجهزة الحكومية والخيرية التي حرص مرتادو المهرجان على التزود بمنشوراتها. وأوضح الدكتور عبد الله باحبيل، الطبيب العام بالمركز الصحي بالجنادرية، أن عدد مراجعي المركز منذ بداية المهرجان تعدى حاجز الـ 1113 مراجعا، تنوعت أسباب إصابتهم، مشيراً إلى أن 60 في المائة من تلك الحالات كانت تعاني من أمراض الضغط والسكري.

وزاد الدكتور باحبيل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن مركزه الصحي قام بتحويل أكثر من 3 حالات لمستشفى الملك فهد بمدينة الملك عبد العزيز الطبية بالحرس الوطني، لافتاً إلى أن أكثر مراجعي المركز هم من كبار السن. وفي السياق الصحي كشف برنامج حملات التبرع بمدينة الملك عبد العزيز الطبية بالحرس الوطني المشاركة في مهرجان الجنادرية، أن معدل عدد الأشخاص المتبرعين بالدم من زوار المهرجان يتراوح من 60 إلى 70 متبرعا يومياً، منذ بداية انطلاق المهرجان.