جازان: نمو تجارة تهريب «الدقيق» عبر الحدود السعودية اليمنية

بسببه ارتفعت أسعار «الحمير» المدربة على طرقات المنطقة

أكياس الدقيق محملة على ظهور الحمير خلال تهريبها (تصوير: أحمد المجرشي)
TT

نشطت خلال الفترة القليلة الماضية حركة واسعة لتهريب الدقيق السعودي المدعوم عبر المناطق الحدودية والقرى المتاخمة لليمن، عبر شبكة من الشباب العاطلين عن العمل والمقيمين ومجهولي الهوية، مما أفرز سوقا سوداء للدقيق ومنتجاته في مدن وقرى منطقة جازان جنوبي السعودية بصفة خاصة، خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وأكد مسؤولون في المنطقة لـ«الشرق الأوسط»على حقيقة قلة المعروض من هذه السلعة الاستراتيجية التي يعيش عليها معظم السكان، حيث تشكل الغذاء الرئيسي لهم، في حين نفى محمد القحطاني مدير عام صوامع الغلال ومطاحن الدقيق بخميس مشيط، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون النقص في الدقيق الذي تشهده أسواق مدينة جازان والمناطق التي حولها بسبب الإمداد، مشيرا إلى أن المطاحن التابعة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق، تمون المنطقة بما يفوق حاجاتها، البالغة 60 ألف كيس دقيق شهريا، وأضاف أن أنأما يتم إرساله من مطاحن الدقيق في مدينة خميس مشيط القريبة لجازان، يتجاوز حاجتها الشهرية بزيادة 20 ألف كيس.

ولم يذكر القحطاني السبب المباشر للعجز الذي تشهده المنطقة منذ ما يقارب ثلاثة شهور، إلا أن مصادر أخرى من المنطقة أكدت أن مشكلة تهريب الدقيق للمناطق اليمنية القريبة من المنطقة هي سبب العجز.

وقالت المصادر إن كيس الدقيق الأبيض يباع خارج الحدود السعودية بما يعادل 75 ريالا سعوديا، وهو ما يزيد على ثلاثة أضعاف سعره المدعوم في السعودية، والمحدد بمبلغ 22 ريالا للكيس سعة 45 كيلوغراما، رغم أن سعره الفعلي في فروع صوامع الغلال ومطاحن الدقيق يتراوح بين 50 و60 ريالا للكيس الواحد.

وذكر عدد من أبناء المنطقة أن الكيس عقب شرائه من المستودعات بصفة نظامية، يباع في السوق السوداء بمبلغ يتراوح بين 40 و75 ريالا في المناطق النائية والبعيدة عن المدن، بسبب النقص الحاد في المعروض في المنطقة.

من جانبه قدر اللواء إبراهيم العايدي قائد حرس الحدود بجازان حجم ما تم ضبطه من دقيق مهرب إلى خارج الحدود السعودية شهريا بنحو 2394 كيسا. محمد بن هادي الشمراني محافظ الحرث قال لـ«الشرق الأوسط» إن كل ما يتم ضبطه من أكياس دقيق أو شعير يرسل ويسلم للجمعية الخيرية بالمحافظة، مشيرا إلى ضبط عدد مقدر من الأكياس في محافظة الحرث الحدودية بواسطة دوريات المحافظة المكثفة والمتتابعة، أو عن طريق حرس الحدود بقطاع الخوبة، والشرطة والمجاهدين في الحرث، أو تلك الكميات التي توجه يوميا إلى محافظة المسارحة.

من جهته أوضح عبد الله حافظ مدخلي رئيس جمعية الحرث، لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك جهودا ملموسة تضطلع بها دوريات المحافظة المشتركة والدوريات الأمنية المتبقية، إلا أن دوريات المحافظة تقوم بتزويد الجمعية بكميات كبيرة من أكياس الدقيق المضبوطة يوميا، وقال إن الجمعية، بدورها، توزع هذه الكميات على المحتاجين من أبناء المحافظة والقرى المجاورة.

غير أن محمد العزي مدير فرع وزارة التجارة بمنطقة جازان في حديثه لـ«الشرق الأوسط» قال إن النقص سببه نقص في الإمدادات من مطاحن الدقيق في خميس مشيط، بنسبة قدرها بنحو 33 في المائة، لكنه استدرك بقوله: «إن المنطقة لن يكفيها 100 ألف كيس في الشهر، ما دام التهريب قائما بشكله الحالي».

وأضاف العزي أن أمير المنطقة أمر بآلية حديثة لتوزيع الدقيق وما يحتاجه المواطنون بأولوية معرفة وتحديد ما خصص للمخابز والمطاعم، وقال إن ما يصل جازان من صوامع الغلال أسبوعيا يبلغ 60664 كيس دقيق، لتكفي المنطقة التي تحوي نحو 400 قرية وهجرة.

«الشرق الأوسط» وقفت على عدد من المستودعات التي تحوى كميات من المواد الغذائية، وبينها الدقيق الذي كان معدا للتهريب، كشف عنها متعهدون رسميون، قالوا إنها تستخدم كواجهة لتجميع أكياس الدقيق المهرب، وشوهدت عشرات الشاحنات التي تفد يوميا محملة بآلاف الأكياس من الدقيق، «بعضها شاحنات مبردة مخصصة للفواكه والخضار»، يتم تخزين حمولتها في تلك المستودعات لتنقل بعد ذلك عبر سيارات خاصة إلى قرية المصفق الحدودية، حيث يمنع سير الشاحنات إلى جنوب صامطة والحرث.

وأكد متعاملون وتجار في سوق صامطة والمسارحة والخوبة والخشل، أن أكثر من 24 شاحنة تدخل يوميا محملة بالدقيق «ما عدا يوم السبت»، ترد من الصوامع في عسير، وقدرت مصادر حجم عمليات بيع الدقيق المحمل على الشاحنات من قبل المهربين بنحو 12,8 ألف كيس في الساعة، تتم عقب إعادة تحميلها من المخازن غير المصرح بها بواسطة تراخيص وسجلات تجارية غير حقيقية، استغلت ستارا للتجارة غير الشرعية للدقيق بأسعار تزيد على أسعاره المعلنة.

ورصدت «الشرق الأوسط» أحد المستودعات غير المصرح بها لتخزين للمواد الغذائية وهي مليئة بأكياس الدقيق، حيث شوهدت عمليات تنزيل الأكياس التي يباع الواحد منها بقيمة 35 ريالا للكيس، أي بزيادة عشرة ريالات على السعر الرسمي المعلن، ليقوم آخرون ببيعه بسعر 40 ريالا في قرية المصفق، و75 ريالا في الغاوية والجابري والخشل والقرى الحدودية القريبة منها، والتي أصبحت نقطة تهريب رئيسية من خلال استخدام الأطفال والحمير لنقل هذه الأكياس عبر الحدود الجنوبية للمملكة.

تجارة تهريب الدقيق والمواد الغذائية المدعومة قادت إلى نمو تجارة موازية تتمثل في تجارة «الحمير»، التي تستخدم في عمليات التهريب عقب تضييق السلطات على التهريب بواسطة الشاحنات والسيارات، خصوصا عند وضع حواجز ترابية على طول الشريط الحدودي في سبيل الحد من ظاهرة التهريب.

وشهدت أسعار الدواب ارتفاعا ملحوظا لم تصله من قبل، بسبب قوة الطلب عليها، إذ تتراوح قيمة الحمار بين 1500 و2500 ريال، وأكثر، وأغرت عوائد التهريب أصحاب الدواب برفع أسعار الحمير التي تستغل في تحميل المواد الغذائية عند اتجاهها جنوبا وتحميل القات والتنباك عند اتجاهها شمالا صوب الأراضي السعودية. وفي ذات الإطار، أكد حسين بن عبده سمسم، قائد حرس الحدود بمحافظة الحرث بقطاع الخوبة، لـ«الشرق الأوسط»، على أن نقاط ومراكز التفتيش والدوريات تقوم برصد تحركات الحمير بواسطة الكاميرات الحرارية المنتشرة على طول الخط الحدودي لإحباط محاولات تهريب الممنوعات، مشيرا إلى أنه يتم يوميا القبض على عدد مقدر من الحمير التي تحمل كميات كبيرة من القات والدقيق، وغيرها من الممنوعات.

وأضاف سمسم أن أهالي القرى الحدودية في منطقة جازان يؤكدون وجود أسواق رائجة لبيع الحمير وتأجيرها مقابل مائة ريال في اليوم الواحد.

ويؤكد على ذلك على الريثي رئيس الفرقة الخامسة للمجاهدين بالحرث بقوله: «الحمير يتم تدريبها، بعد شرائها، على اختراق المناطق الجبلية والأودية الحدودية، التي سوف يتم التهريب من خلالها، حيث يقوم المهربون، بعد تدريبها، بتحميلها بالمهربات وتركها تتولى مهمة إيصالها بمفردها».