معاق سعودي يسخّر موهبته لخدمة المعاقين

اخترع جهازا يمكنهم من قيادة السيارة

محمد العرب : 50 عاماً من مقاومة الإعاقة («الشرق الأوسط»)
TT

لم تمنع الإعاقة محمد بن عبد العزيز العرب،51 عاماً، يعيش في الأحساء من شقّ طريق حياته بنجاح، رفض بأن يمدّ له المجتمع يد العون. وقال العرب بأنّه يستطيع أن يقوم لوحده بشأنه وشأن أسرته، فهو يقود سيارته بنفسه ويسافر بعائلته إلى مدن المملكة ودول الخليج المجاورة، وكرّس العرب حياته لخدمة المعاقين من أبناء بلده وطالب بحقوقهم، وسخّر موهبته التقنية لخدمتهم، فصمم جهازاً يمكن المعاق من قيادة السيارة وقضاء حاجاته بنفسه.

وقال العرب لـ«الشرق الأوسط» إنّه ساهم مع مجموعة من زملائه المعاقين في إنشاء جمعية المعاقين في الأحساء عن طريق المطالبات الملحة التي رفعوها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، التي كلفتهم الكثير من الجهد خلال مراجعتهم للوزارة لكنها كللت أخيراً بالنجاح بافتتاح الجمعية قبل سنتين. وقال العرب إنّه يشعر بأنّ الله حين حرمه من نعمة المشي على قدمين أعطاه ما هو أفضل منهما بكثير، حيث منحه قوّة الإرادة.

وروى العرب مقاطع من حياته الحافلة بالأحداث، التي يرى أنها حياة كللت بالنجاح. وقال إن إصابته بالإعاقة بدأت في سنّ العاشرة بحادث عادي، حيث تعثّرت قدماه عند مدخل البيت فشعر بألم بسيط لم يعره انتباهاً، لكنّه استيقظ في صباح اليوم التالي ليجد نفسه غير قادر على تحريك الجزء السفلي من جسده. ويضيف العرب أنه بعد أن فشلت جميع محاولاته لعلاج مشكلته قرر عدم الاستسلام للمرض وبدأ ببيع الحلويات على الأطفال إلى أن تمكن من افتتاح محل للمواد الغذائية من الأرباح. ويقول العرب بأنّه قرر من بداية إصابته بالإعاقة أن يعيش مثل الأسوياء وأن يساهم في الأنشطة الاجتماعية، فترأس أحد أندية الحواري ودعمه مادياً لأنّه كان شغوفاً بكرة القدم. وفي عام 1402هـ انتقل العرب إلى مدينة الدمام ليلتحق بالمعهد المهني للمعاقين ،حيث بقي فيه لمدة أربع سنوات حضر فيها العديد من الدورات في اللحام والتمديدات الكهربائية وكهرباء وميكانيكا السيارات وإصلاح الساعات والآلات الدقيقة. وقال بأنّه قام أثناء وجوده في المعهد بتدريب العديد من المعاقين الذين توظفوا بعد تخرجهم في شركة سكيكو وفي مصلحة المياه وغيرها من الدوائر والمؤسسات.

وتحدّث العرب عن بداية تفكيره في تصميم الجهاز الذي يمكّن المعاقين غير القادرين على تحريك جزئهم السفلي من قيادة السيارات ذاكراً بأنّ حاجته لقيادة السيارة هي التي دفعته لتصميم هذا الجهاز، وذكر بأنّه كان أوّل معاق في المملكة يحصل على رخصة لقيادة السيارة، ويمكّن الجهاز الذي صممه العرب المعاق من الضغط على دواسة البنزين والمكبح (البريك) باستخدام يديه.

وأكّد العرب على أنّه لم يصمم الجهاز على طراز جهاز آخر، وقال بأنّ جهازه يفوق الجهاز المستورد دقّة وهو أقلّ منه تكلفة وذكر بأنّ جهازه أكثر توفيراً، فاستهلاكه للكوابح أقلّ، وقال بأنّ تصميمه للجهاز يراعي قدرة السائق لأنّه يزنه بمقدار قوة ذراع المعاق، ويقوم العرب بتركيب الجهاز على السيارات ذات ناقل الحركة الأوتوماتيكي دون السيارات ذات ناقل الحركة العادي. وقال العرب بأنّه يفخر بأنّ جهازه صناعة سعودية وقد شارك به في مؤتمرات عن الإعاقة عقدت في عدّة دول من دول مجلس التعاون الخليجي ولا يزال جهازه موجوداً في معرض في دولة البحرين. وأضاف بأن المملكة العربية السعودية تفوّقت على دول مجلس التعاون الخليجي في مهارة معاقيها، الذين حصلوا على شهادات وميداليات ذهبية من الشيخ زايد آل نهيان ـ يرحمه الله ـ وقال بأن هذا التفوّق حصل بفضل تميّز معاهد المعاقين المهنية في السعودية. وقال العرب بأنّه يقوم بتصنيع هذا الجهاز في بيته ويبيعه على المعاقين من مناطق المملكة المختلفة منذ 25 عاماً بأسعار تتراوح ما بين 500 إلى 600 ريال في حين يتراوح سعر الجهاز المستورد ما بين 1800 إلى 2000 ريال. وقال إنه يطمح بأن يجد الدّعم الكافي لإنشاء مصنع لإنتاج الجهاز لسد احتياج المملكة ودول الخليج. وأضاف العرب قائلاً، إنّ من المؤسف أن يتم تقدير إبداعه في دول الخليج في حين لا يتمكن في بلده من تنفيذ مشروع لتطوير صناعة جهازه. وذكر أنّه تقدّم بطلب قرض من بنك التسليف السعودي إلا أنّ البنك اشترط عليه توفير ضامن وقال بأن من الصعب أن يثق أحد في المجتمع بالمعاق ويضمنه.

وطالب العرب بتحسين أوضاع المعاقين في محافظة الأحساء ذاكراً بأنها تعاني من النقص قياساً بالمناطق المجاورة، ودعا إلى توفير احتياجات معاقي المحافظة من العاصمة بشكل مباشر، ذاكراً بأن الأجهزة التي يحتاجها المعاقون في الأحساء يتم رفعها إلى الدمّام ومنها إلى الرياض ما يؤدي إلى تأخير وصول احتياجات المعاقين. وقال بأنّ المعاقين يستبشرون خيراً بتعيين أول معاق كعضو في مجلس الشورى وهو الدكتور مازن خياط، ويأملون بأن يؤدي ذلك إلى إيصال صوت المعاقين إلى المسؤولين و تحسين أوضاع المعاقين في جميع أنحاء المملكة.