دعوة للسماح للسعوديين المفصولين بـ «العمل» حتى انتهاء قضاياهم

لجنة الخلافات تؤكد لـ«الشرق الأوسط»: منعهم عن العمل يؤثر سلبا في حياتهم الاجتماعية والأسرية

وزارة العمل تحارب فصل السعوديين وسط تحفيز للشباب على توظيفهم وتوطين مختلف الوظائف («الشرق الاوسط»)
TT

تواجه آلاف البيوت السعودية «أزمة» نتيجة فصل عائليها من وظائفهم في القطاع الخاص ومنعهم بحسب قانون وزارة العمل من العمل في أي وظيفة لحين انتهاء البت في قضيتهم المنظورة لدى قسم القضايا العمالية في الوزارة وهو الأمر الذي قد يستغرق شهورا وسنوات أحيانا.

واللافت، بل المحزن أن الأمر لا ينطبق على الأجانب، حيث يمكنهم الحصول على تصريح عمل لمزاولة مهنتهم في أي شركة أخرى حتى انتهاء قضيتهم والبت فيها من قبل اللجان العمالية.

وهنا يعلق قصي فيلالي مدير مكتب العمل والعمال بجدة مؤكدا إمكانية عمل المواطن السعودي المنظور في قضيته بجهة أخرى لحين الانتهاء منها، فيما يستلزم عمل المقيم لدى جهة أخرى أخذ تصريح من قبل مكتب العمل باعتبار أن التعليمات قيّدت عمله في حدود إقامته وذلك بناء على الشروط والضوابط التي حددتها تلك التعليمات.

لكن الواقع يقول ان شواهد على حجم الضرر لا تحتاج إلى إثبات، فالقصص التي تحكى وتروى كثيرة، فهذا موظف شمله قرار الفصل الذي أصدرته إدارة أحد البنوك السعودية حيال 80 موظفا في وقت سابق رغم استقطابها المسبق لهم من بنوك أخرى، اضطر إلى ترك زوجته في منزل عائلتها والعيش بعيدا عنها لعدم قدرته على دفع إيجار منزله، بحسب ما ذكره أحد زملائه المفصولين أيضا.

و قال «بعد أن تم فصلنا منذ حوالي ثمانية أشهر تقدمت بشكوى لمكتب العمل والعمال وتم إصدار حكم مبدئي من اللجنة الابتدائية يقضي بإعادتنا للعمل مع صرف جميع مستحقاتنا خلال فترة إبقائنا دون عمل، غير أن البنك لم يستأنف القضية لأنه لم يبّلغ بها».

وأضاف «وضعتنا الإدارة أمام الأمر الواقع بين عشية وضحاها بعد أن استقطبتنا من بنوك مختلفة، فإما أن نستقيل أو نفصل»، لافتا إلى أنه لا يستطيع العمل في أي بنك آخر باعتباره من أصحاب القضايا ـ على حد قوله.

وأفاد بأن إدارة البنك أرجعت سبب ذلك القرار إلى رغبتها في تقليص عدد الموظفين، الأمر الذي جعلها تصدر قرار فصل 80 وسيط أسهم لديها، وأضاف، تمت إحالة القضية إلى الهيئة العليا للخدمات العمّالية بالرياض، إلا أن أحد موظفي مكتب العمل أبلغنا بعدم تمكننا من أخذ موعد لبدء البت في القضية قبل مرور ثلاثة أشهر على الأقل، مع احتمال أن تكون أول جلسة لنا بعد شهر رمضان المبارك من هذا العام، مبينا أنه حاول الحصول على تصريح من قبل مكتب العمل للالتحاق بوظيفة أخرى في أي بنك أسوة بالمقيمين، إلا أن طلبه قوبل بالرفض.

فيما تعرض إبراهيم عشماوي الذي يعمل في منطقة جازان بوظيفة مندوب في إحدى شركات الألبان الكبرى بالسعودية للفصل التعسفي «بحسب قوله» بعد أن طالب إدارة الشركة باحتساب ساعات عمله الإضافية، لا سيما أن الشركة ليس لديها ما يثبت عدد ساعات عمل الموظفين مثل نظام البصمة أو توقيع الحضور والانصراف أو البطاقات.

وقال لـ «الشرق الأوسط»، بدأت معاناتي منذ أن تقدمت للشركة بطلب وظيفة ميكانيكي سيارات وفقا لمؤهلي العلمي، إذ انني أحمل شهادة دبلوم المعهد الثانوي الصناعي بتخصص «محركات ومركبات»، إلا أن مدير شؤون الموظفين أخبرني بأنني سأعمل بوظيفة مساعد مندوب لمدة شهر.

وأضاف، بعد التحاقي بالعمل وانتهاء المدة المتفق عليها خاطبت الإدارة دون جدوى، ومن ثم علمت بعدم وجود وظائف شاغرة سوى التي أشغلها، ما جعلهم يخيّرونني بين الاستمرار أو ترك العمل، غير أنني فضلت الاستمرار نظرا لظروف والدي الصحية.

وأكد أن العقد المبرم بينه وبين الشركة ينص على العمل ثماني ساعات يوميا، إلا أنها كانت تلزم الموظفين بالعمل 12 ساعة دون احتساب ساعات إضافية، وقال بعد مطالبات كثيرة تقدمت بشكوى لمكتب العمل قبل حوالي سنتين، ما جعل الشركة تصدر قرار إيقافي عن العمل، غير أن القضية التي أحيلت للهيئة العليا بالرياض لم تحل حتى الآن.

وأوضح إبراهيم عشماوي أن الهيئة أجلت القضية أكثر من أربع مرات دون جدوى، رغم ما يعانيه للوصول من منطقته إلى مقر الهيئة، لافتا إلى أنه موقوف عن العمل لأكثر من أربع سنوات.

وأفاد بأنه ليس المظلوم الوحيد بالشركة، لا سيما أن معظم موظفي الإدارة هم من غير السعوديين، إضافة إلى أن الكثير منهم يشغلون وظائف مختلفة عن تسمية مهنهم في الإقامة، إذ ان مدير فرع منطقة جازان هو في الأساس مندوب مبيعات وفقا للمهنة المدونة في إقامته.

فيما ذكر أحد الموظفين في الشركة نفسها بمنطقة جدة «فضّل عدم ذكر اسمه» أن معظم الخلافات بين الموظفين والإدارة تدور حول ساعات العمل، وقال، من المفترض أن تتعامل الإدارة وفق أنظمة ولوائح مكتب العمل والعمال، غير أنها عادة ما تهددنا بالفصل إذا ما رغبنا في التفاهم والمطالبة بحقوقنا، مشيرا إلى أن أحد الموظفين تعرّض للمضايقات من قبل مديريه بعد أن تم نقله تعسفيا إلى مدينة تبوك، الأمر الذي جعله يقدم استقالته.

بينما أكد طلال العتيبي مدير إدارة العلاقات العامة بالشركة أن الشركة تضم أكثر من 10 آلاف موظف ينتمون إلى جنسيات مختلفة، وقال في خطاب وجهه لـ«الشرق الأوسط»، إن النظام المتبع في إثبات حضور وانصراف الموظفين يختلف باختلاف طبيعة العمل، لافتا إلى أن قضية فصل الموظف إبراهيم عشماوي أصبحت تحت نظر القضاء لدى الهيئة العليا للخدمات العمالية بالرياض ولم يصدر فيها حكم نهائي حتى الآن.

من جهته يرد قصي فيلالي مدير مكتب العمل والعمال بجدة مؤكدا إمكانية عمل المواطن السعودي المنظور في قضيته بجهة أخرى لحين الانتهاء منها، فيما يستلزم عمل المقيم لدى جهة أخرى أخذ تصريح من قبل مكتب العمل باعتبار أن التعليمات قيّدت عمله في حدود إقامته وذلك بناء على الشروط والضوابط التي حددتها تلك التعليمات.

وبالعودة الى مدير مكتب العمل في جدة قال في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن القضايا العمالية تعد دعاوى استعجالية يتم النظر فيها على وجه السرعة باعتبارها لا تحتمل التأخير نظرا لوضع العامل وما يلحقه من ضرر بالغ نتيجة إيقافه عن العمل وانقطاع أجره.

وأضاف، بناء على تلك الاعتبارات يسعى الموظف المختص إلى محاولة تسوية الخلاف وديّاً بين الطرفين المتنازعين وغالبا ما نوفق إلى حل الخلاف بموجب محضر مصالحة تحسم به الدعوى، وإلا تحال للهيئة العمالية للفصل فيها، مشيرا إلى أن القضية لا تستغرق لدى المكتب في الغالب أكثر من شهر من تاريخ تقديمها. وذكر أن القضايا التي يتعذر حلها ويطول أمد النظر فيها لعدم تجاوب صاحب العمل بما يلحق من ضرر بالعامل، فإن الهيئة تعوضه عن الأضرار التي لحقت به إذا ما تبيّن سلامة موقفه في الدعوى وكان فصله بدون أسباب مشروعة، غير أن التعويضات متروك تقديرها للهيئة وتحتسب في ضوء عناصر الضرر وما يجبره.

وأوضح أن أكثر المخالفات المنتشرة بين المنشآت هي تشغيل العمالة غير السعودية على مهن مقصورة على السعوديين، والتشغيل على غير الكفالة، وقال، إن اللجان المختصة بالتفتيش تخيّر المخالفين بين دفع الغرامة المالية في حدها الأعلى أو إحالتها للهيئة الابتدائية من أجل تسوية الخلافات العمالية لإصدار القرار اللازم بشأنها.

وذكر فيلالي أن مخالفة التشغيل على غير الكفالة تستوجب غرامة مالية يصل مقدار الحد الأعلى منها إلى 60 ألف ريال سعودي بواقع 20 ألف ريال على كل مخالف والمتمثل في العامل والكفيل والمشغل، إضافة إلى ترحيل العامل، مشيرا إلى أن الهيئة قد تحكم بالحد الأدنى للغرامة والبالغ خمسة آلاف ريال سعودي على كل مخالف من الأطراف المذكورة.

وأوضح علي الغامدي مدير لجنة الخلافات العمّالية في وزارة العمل أن عدم السماح للمواطنين المنظور في قضاياهم للالتحاق بوظائف أخرى حتى الانتهاء من القضية ليس في صالحهم، لا سيما أن بعضهم يتوقفون عن العمل لأكثر من سنة، ما يؤثر عليهم سلبا من الناحية الأسرية والاجتماعية.

وقال الغامدي لـ«الشرق الأوسط»، اتجهت وزارة العمل كإشارة وليس قرارا نحو إمكانية عمل السعودي في أي مكان آخر خلال فترة تقاضيه، لافتا إلى أن الهيئة العمّالية جهة مستقلة عن مكتب العمل، إلا أن مكاتب العمل تعد درجة أولى من درجات التقاضي تحمل على عاتقها مهمة تقريب وجهات النظر والصلح، وحينما لا تتوصل إلى حل ودّي فإنها تحيل القضايا إلى الهيئة لإصدار حكم فيها.

وأشار إلى أن الهيئة تنظر في قضايا القطاعين الحكومي والأهلي، إذ بلغ عدد القضايا في الهيئة العمالية بين ما هو وارد ومدوّن حوالي 1100 قضية منذ العام الماضي، وأضاف، تختلف إجراءات التعامل مع القضية تبعا لاختلاف السير في الدعوى، إذ تستغرق في بعض الأحيان أكثر من ثلاثة أشهر بمكتب العمل لحين إحالتها للهيئة التي تنظر بمواعيدها، غير أن كثرة القضايا يجعل المدة بين الجلسة والأخرى في القضية الواحدة حوالي شهرين.

ولفت إلى أن القضية قد تنتهي بجلسة أو جلستين في حال واظب الطرفان على الحضور، إلا أن مماطلة أحدهما تؤثر في سرعة البت في القرار، مشيرا إلى أن التعويضات التي يتم دفعها للمتضرر تقدّر بحسب عناصر الضرر التي تسبب فيها فسخ العقد أو الشكوى.

يشار إلى أن عدد الشكاوى التي استقبلها مكتب العمل والعمال بجدة بلغت منذ العام المنصرم نحو 2612قضية، تم انتهاء 1528 منها، فيما أحيل للهيئة العمالية حوالي 606 قضايا وذلك وفقا لما كشفه قصي فيلالي مدير مكتب العمل والعمال بجدة.