عمال سعوديون يطالبون بإنشاء جمعية خاصة بهم لنقل مطالبهم والدفاع عنهم

يفضلون القليل على البطالة ويتجاهلون نظرة المجتمع الدونية تجاههم * مدير الجمعيات لـ«الشرق الأوسط»: الموافقة على أي جمعية مرتبط بملاءمة أهدافها

TT

بنظرة تفاؤلية يعيش علي القرني ابن الثالثة والعشرين ربيعا حياته رغم تحمله لمسؤولية عائلته بالكامل، لا سيما أنه لا زال طالبا في المرحلة الثانوية، غير أنه فضّل الالتحاق بوظيفة عامل إنتاج في إحدى الشركات الخاصة ليرضى بالقليل، على أن يظل عاطلا عن العمل في المنزل، رغم نظرة بعض أفراد المجتمع الدونية لفئة العمال السعوديين.

ويقول القرني «اخترت أن أكون عاملا، لحين الانتهاء من دراستي، والبحث عن البديل، إذ لا يتجاوز راتبي 2100 ريال سعودي، الذي يساعدني في الإنفاق على أسرتي، بالإضافة إلى مرتب تقاعد والدي، الذي يبلغ حوالي 1500 ريال، لافتا إلى أنه يشعر بارتياح كبير في وظيفته المتواضعة، بدلا من الجلوس في المنزل»، بحسب قوله.

بينما يعاني أحمد عبد العزيز عامل الإنتاج في إحدى المصانع الكبرى بالسعودية، الذي يعمل برفقة أكثر من 25 عاملا سعوديا من مضايقات الإدارة لهم كعمال، وقال «عادة ما يعتقد مديرونا بأن الشباب السعودي ليسوا أكفاء للعمل في أي وظيفة، إذ يؤمنون بأننا مستهترون في عملنا، غير أنهم لو راقبوا سير العمل داخل المصنع، فإنهم سيتأكدون من قدرتنا على ذلك بشكل جيد».

وأضاف «تتمثل طبيعة عملي في إنزال كراتين المنتجات من سير الماكينات، ليقوم الآخرون بحملها فيما بعد، إلا أن تلك الوظيفة تعد ملائمة لمؤهلي التعليمي الذي لم يتجاوز المرحلة المتوسطة، إضافة إلى حصولي على شهادة فني من المعهد المهني، غير أنني لم أتمكن من إيجاد وظيفة تناسب تلك الشهادة».

وذكر أن ساعات عمله تمتد لأكثر من ثماني ساعات يوميا، إلا أن راتبه لا يتجاوز 2000 ريال سعودي، لا سيما أن زيادات الرواتب لا تشمل سوى الأجانب فقط «على حد قوله»، مشيرا إلى أن حقوقهم كعمال سعوديين تعد مهضومة في ظل ترقب مديريهم لأي خطأ يرتكبونه؛ كي يصدروا قرار فصلهم.

بينما يؤكد فنّي التبريد والتكييف في إحدى المصانع «فضّل عدم ذكر اسمه»، الذي يعمل منذ ثلاث سنوات، أن زيادات الرواتب التي يحظى بها العمال السعوديون في المصنع لا تتجاوز 60 ريالا سعوديا سنويا، ويقول «بعد احتجاجاتنا على الإدارة، بدأ الوضع في التحسن قليلا، إلا أننا نعاني من إيصال مطالبنا للمديرين، إضافة إلى انعدام المميزات التي يتمتع بها الموظف الحكومي».

ويضيف «في بداية عملي كنت أواجه انتقادات كثيرة، لكوني مهنياً، إلا أنني استطعت التأقلم مع الوضع بمرور الوقت»، مؤكدا أن المجتمع سيتقبل السعوديين العمّال في ظل الأوضاع المعيشية الحالية.

ولا تقتصر مهنة العامل على الذكور فحسب، وإنما اضطرت بعض الفتيات ممن يعلن أسرهن على الرضا بالعمل في أي مهنة، مقابل الحصول على حياة شريفة تغنيهن عن مذلة السؤال، إذ استقر الحال بكاملة مهدي لتعمل مشرفة على عاملات النظافة في أحد المستشفيات، بعد أن حاولت الاستمرار كمندوبة تسويق لدى شركة تجميل، وتقول «لم أستطع إكمال تعليمي، نتيجة الظروف العائلية التي مررت بها بعد تطليق والدي لوالدتي، مما جعلني أوافق على العمل بتلك الوظيفة التي لن أجد أفضل منها بمؤهلي التعليمي المتوسط»، بحسب وصفها.

وطالب مجموعة من المواطنين العمّال من خلال حديثهم إلى «الشرق الأوسط» بضرورة وجود جمعية تهتم بهم، ومن شأنها إيصال مطالبهم وأصواتهم إلى المسؤولين، إذ أكدوا أن إنشاء مثل تلك الجمعية سيريحهم كثيرا، ويدعمهم بشكل أفضل.

ولأن السعوديين أصبحوا يعملون في أي مجال للحصول على لقمة عيش حلال وشريفة، فإن أكثر من 170 مواطنا معظمهم يحملون شهادة الثانوية العامة، وبعضهم حاصلون على درجة البكالوريوس في تخصصات متعددة تقدموا لطلب وظيفة «عامل نظافة» في تسع مدارس تابعة لمكتب التربية والتعليم بجنوب الطائف، وذلك بعد أن أعلنت إدارة شؤون الموظفين بتعليم الطائف عن وجود شواغر في وظائف «عامل نظافة، ومراسل مكتبي، وحارس ليلي» بعد نظام إقالة العمال السابقين السعوديين الذين تجاوزت أعمارهم الستين عاما. وسعى 10 شباب سعوديين، من بينهم ثلاث فتيات إلى تأسيس الجمعية السعودية للعمل والعمال منذ عام 2007، التي بدأت عن طريق موقع إلكتروني، بهدف الإسهام في القضاء على البطالة، والاهتمام بفئة العمال السعوديين، وتمثيلهم في الملتقيات والمؤتمرات، لإيصال مطالبهم إلى المسؤولين والجهات المعنية.

ورغم عدم الموافقة على منحهم تصريحا رسميا من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية، إلا أنهم تمكنوا من توظيف 181 شابا سعوديا، و30 فتاة في وظائف مختلفة بأكثر من 20 شركة في مختلف مناطق السعودية.

وذكر أنيس الأنصاري أحد مؤسسي الجمعية أن الجمعية تعد عملا اجتماعيا خيريا، وذلك من منطلق الاهتمام بقضية البطالة التي يعاني منها عدد كبير من السعوديين، لافتا إلى أن عدد أعضاء الجمعية عبر الموقع الإلكتروني لها بلغ 1600 عضو.

وقال في حديث إلى «الشرق الأوسط»: «استطعنا توظيف أكثر من 200 شاب وفتاة من خلال علاقاتنا الشخصية مع الموظفين في الشركات، خصوصا أن الجهات المعنية لم تمنحنا تصريحا بالعمل، متسائلا عن سبب تغييب مشاركة المجتمع، وطالب العمل من أجل معالجة قضية البطالة.

وأضاف «بدأنا العمل في الجمعية من خلال اجتماعات إلكترونية، انتقلت فيما بعد على أرض الواقع عبر التقائنا مع بعضنا البعض في الأماكن العامة، مما جعلنا نطالب بضرورة منحنا تصريحا يخوّلنا لتقديم خدمات أكبر تفيد المواطنين نساء ورجالا، خصوصا أننا لا نبحث عن دعم مادي، بل نحرص على العمل بشكل رسمي». وطالب بضرورة وجود نقابات عمالية مستقلة معنية بالعمّال السعوديين المتعاقدين وغير المتعاقدين على حد سواء، مؤكدا أن اللجان العمالية التابعة للشركات لم تسهم في خفض البطالة، وذلك لالتزامها بشروط وأنظمة وزارة العمل، التي من ضمنها وجوب وجود 100 عامل سعودي في الشركة الواحدة، كي يسمح لها بإنشاء لجنة عمّالية داخل المنشأة، فيما لا تستطيع الشركات الأخرى الصغيرة القيام بذلك.

من جهته، كشف مشوّح الحوسان مدير إدارة الجمعيات في وزارة الشؤون الاجتماعية عن صدور نظام جديد في الوزارة ينص على جمع كافة أنواع الجمعيات وجعلها تحت مظلة واحدة، ذلك النظام المسمى بنظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية.

وقال في تصريح لـ «الشرق الأوسط»: «إن هذا النظام صدر منذ العام الماضي من قبل مجلس الشورى، وقد تم رفعه إلى الجهات المختصة من أجل إصداره قريبا، إذ سيتم جمع الجمعيات التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية والصحة والتعليم العالي وكافة القطاعات تحت لواء واحد».

وأوضح أن الموافقة على أي جمعية خيرية مرتبطة بضرورة ملاءمة أهدافها لمسماها، المتمثلة في تقديم خدمات اجتماعية وتعليمية وثقافية وإنسانية، دون أن يكون هدفها الربح،. وأضاف «لابد أن يكون عدد أفراد الجمعية 20 شخصا فأكثر، وذلك من أجل الموافقة المبدئية، واستكمال إجراءات استصدار الترخيص، وفق لوائح وتنظيمات الوزارة».