غياب الحقائق وخوف الخطأ يدفعان بالمحامين لرفض الترافع في قضايا العنف الأسري

لجنة حماية الأسرة لـ«الشرق الأوسط»: العنف الأسري لم يصل إلى حد الظاهرة

TT

دفعت «قلة المعلومات» و«غياب الحقائق» والمخاوف من الوقوع في الخطأ محامين في السعودية إلى التهرب من تولي الترافع في قضايا العنف الأسري أمام القضاء ورفضها. وبرر المحامي خالد أبو راشد في حديث لـ«الشرق الأوسط» ذلك «بأن المحامين في الغالب يعتذرون عن قبول مثل هذه القضايا على اعتبار أن الحكم فيها يعد صعبا ويحتاج لوقت، خاصة أننا بحاجة إلى إثباتات معينة مثل التقارير الطبية». لافتا إلى «أن الطفل الذي يتعرض للضرب من قبل أحد والديه دون وجود ما يثبت ذلك فإن القضاء لا يمكنه إصدار الحكم». وأكد أبو راشد على أن العنف الأسري جريمة يعاقب عليها القانون، في ظل اعتقاد الوالدين بعدم محاسبتهما على تعنيف وتعذيب الأبناء وارتكاب الجرائم بحقهم وإن كان من باب التربية، منوها إلى «أنه في حال إثبات الجهات الرسمية لإحدى حالات العنف ضد الأطفال فإنها تقوم بمحاسبة الأطراف المعنية ومعاقبتهم». إلى ذلك اتهم الدكتور سعود الكاتب بعض الجهات الحكومية بأنها مسؤولة عن انتشار ظاهرة العنف ضد الأطفال وقال «إنه وللأسف من خلال متابعتي للموضوع مع جهات معينة وجدت أن هناك تقصيرا غير طبيعي من هذه الجهات التي تسمح باستمرار تلك المأساة، فعندما تسمح أنظمة المستشفى بمعالجة طفل تعرض للضرب، والطبيب المعالج يؤكد أن المصاب قد تعرض للضرب القاتل أي أن هناك جريمة ضد الطفل ومع ذلك تسمح المستشفى بمعالجة الحالة وتسليمها لوالدها، وبعد 3 أشهر تعود الحالة نفسها إلى المستشفى بوضع أسوأ من الأول، وإن عاشت ستعيش معاقة، فمن المسؤول؟ لماذا لم تقم هذه الجهة بالتبليغ عن الحالة؟! ولماذا تم إعادتها لوالدها وهم على يقين أن هناك جريمة ترتكب في حق الطفلة؟ عندما يضرب طالب من معلمه وتظهر الكدمات على التلميذ، لماذا لا يتم الإبلاغ؟». وواصل بالقول «أنا أعلم أن الكثير لا يحبون أن يسمعوا مثل هذا الكلام، ولكن هذه هي الحقيقة، إن الجهات المعنية التي يجب أن تكون جزءا من الحل أصبحت هي المشكلة». ومن هذا المنطلق قام الدكتور سعود كاتب بحملة كبيرة على موقع «فيس بوك» الشهير منذ أكثر من شهرين تدعو إلى التصدي لظاهرة العنف ضد الأطفال ومحاربتها، بعد أن بلغ عدد حالات العنف ضد الأطفال في السعودية 13 حالة معنّفة من قبل الوالدين وأقربائهم، وفقا لآخر إحصائية. ويعيد بعض المختصين أسباب انتشار هذه الظاهرة التي تعج بها المحاكم إلى عدة عوامل أهمها أن الإقدام على الزواج هذه الأيام لم يعد مدروسا، الأمر الذي يؤدي إلى الخصومات والشقاق والنزاع مما ينعكس سلباً على الأطفال. وتتولد من ذلك ونتيجة لهذه الضغوط القسوة في المعاملة أو ما يسمى بالعنف الأسري، بحسب ما أوضحه الدكتور حسن سفر أستاذ نظم الحكم والقضاء والخبير في مجمع الفقه الإسلامي والمحكم القضائي الدولي. وقال الدكتور حسن سفر لـ«الشرق الأوسط» إن هناك عدة عوامل أخرى تساهم في تزايد حالات هذا العنف وتعد الظروف الاقتصادية الصعبة أهمها، إضافة إلى أن وجود زوجة الأب عامل أساسي في تحريض ودفع الأب للانتقام من الأبناء، لافتا إلى أن المشكلات المتعلقة بوجود زوجة الأب باتت منظورة حالياً في المحاكم. فيما أعاد المحامي خالد أبو راشد أسباب هذا العنف المنتشر بين أفراد المجتمع إلى قلة الوازع الديني الذي يؤدي إلى انعكاس الرحمة من قلوب الأهل، مبينا أن قتل وتعذيب الأطفال أصبح وسيلة عناد وقهر بين الزوجين كأن يقوم الزوج بتعذيب وقتل طفله فقط ليقهر زوجته أو العكس. من جهتها رفضت أمل الخليفة الأخصائية النفسية أن تكون ضغوط الحياة شماعة يعلق عليها خطأ ممارسة العنف ضد الأطفال، وقالت «إن الأب أو الأم الذي يضرب أبناءه وهو معتقد أن هذه هي الطريقة المثلى للتربية فهو مخطئ ولابد أن يكون قد تعرض للضرب في صغره ولذلك فهو يمارس هذا العنف على أبنائه من منطلق أن كل مقهور قاهر». وفي الوقت الذي أكد فيه المختصون انتشار هذه الظاهرة في السعودية ترى الدكتورة إنعام الربوعي رئيسة جمعية حماية الأسرة أنها ليست ظاهرة فهي حالات فردية موجودة منذ القدم ولكنها كانت محمية في السابق. وقالت إن عدم الإفصاح عن مثل تلك الحالات عائد إلى عدة أسباب أولها «قدسية الأسرة» التي تفرض على أفرادها عدم إخراج مشاكلهم إلى الآخرين. وأضافت «هذه ليست ظاهرة فإذا كان هناك كل يوم حالة أو حالتان مقارنة بعدد سكان السعودية الكلي فهذا شيء طبيعي، إلا أن كثرة تسليط الضوء واهتمام الإعلام خاصة عند انضمام المملكة لمعاهدة حقوق الطفل الدولية ونشاط جمعية حقوق الإنسان والمهتمين بهذا الموضوع نشعر بأن عدد الحالات كبير وأن هناك ظاهرة أو مشكلة فالحالات كانت موجودة في الماضي ولكن الأم أو الزوجة لم تكن تشتكي أو حتى تعترف إلا إذا بلغت حالة العنف أشدها». وبالعودة إلى الدكتور سفر الذي يرى أن العنف الأسري المنتشر في المجتمع الإسلامي أصبح يسيء لصورة الإسلام في الغرب ويبرهن على وجود خلل في النظام الأسري. وأضاف إن هذا يعني أن العيب في عدم تطبيق تعاليم الدين بالشكل الصحيح، ما يعطي صورة سيئة عن الإسلام وإن كان المجتمع الغربي وأسره يحدث فيها العنف فهذا نتيجة لافتقارهم لسلوكيات التهذيب، والمجتمع المسلم ليس له عذر إلا أنه تبنى هذا العنف باعتباره تفريغا لضغوط يعانيها المجتمع. وحول كيفية الحكم في هذه القضايا والوقت الذي تستغرقه أوضح أستاذ نظم الحكم والقضاء في مجمع الفقه الإسلامي أن أغلب هذه القضايا تؤجل في أروقة المحاكم. وأضاف «مما أذكره أن هناك حالة قام الأب بتعنيف ابنته لعدم طواعيتها له لأنه أراد أن يزوجها بشخص لا ترغبه فقام بتعنيفها وضربها مما أدى إلى أن تقفز هذه البنت خارج أسوار البيت فتلقتها الرعاية الاجتماعية وحاولت أن تصلح بين الأب وابنته وما زالت العلاقة متوترة والقضية مؤجلة».