تبادل للاتهام بين مواطنين وملاك العقار بشأن غلاء إيجارات الشقق السكنية

حقوقيون يطالبون بتّدخل رسمي.. وعضو بالشورى يطالب المتضررين برفع شكواهم للمجلس

تنامي الزيادة لوحدات سكنية في ظل وجود أكثر من نصف السكان لا يملكون عقارات («الشرق الأوسط»)
TT

يحتدم الجدل بين مواطنين سعوديين، يشتكون من ارتفاع حاد في أسعار إيجارات الوحدات السكنية، في ظل نقص عدد هذه الوحدات، وتنامي الطلب على الإيجارات، وبين عقاريين وملاك يرون أن الزيادة في الإيجارات تمثل حاجة لزيادة دخلهم نتيجة ارتفاع أسعار بقية السلع الاستهلاكية.

وفي حين اشتكى مواطنون من أن ارتفاع الإيجار، الذي قالوا إنه حدث بنسبة تجاوزت أحياناً 30 في المائة، لم يتواكب مع زيادة مداخيلهم، وأن الزيادة في أسعار الإيجار شكلت عبئاً إضافياً ورفعت مستوى المعيشة لفئة من محدودي الدخل، دعا نجيب الزامل عضو مجلس الشورى المواطنين المتضررين من هذا الارتفاع إلى رفع الشكاوى لمجلس الشورى من أجل دفع الأعضاء لدراسة هذه المشكلة.

ورأى حقوقيون سعوديون تحدثت معهم «الشرق الأوسط»، أن مشكلة ارتفاع أسعار الإيجارات التي قالوا إنها ما زالت تخضع لمزاج المؤجرين، بحاجة إلى مزيد من التشريعات التي تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وتحدد نسبة ارتفاع إيجار العقارات.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال نجيب الزامل، عضو مجلس الشورى، إنّ مجلس الشورى يناقش قضية ارتفاع الإيجارات بشكل يومي ضمن قضايا الشأن العام، لكن من دون أن يكون للنقاش آلية توصل إلى اتخاذ توصيات قد ينتج عنها سن أنظمة وقوانين جديدة تحدّ من استغلال أصحاب العقار لحاجة المواطنين.

وأوضح الزامل لـ«الشرق الأوسط» أن السبب في عدم الخروج بنتيجة من هذا النقاش هو عدم وجود قضية غلاء السكن ضمن المواضيع المجدولة في عمل المجلس. ونصح المواطنين الذين يتعرضون لرفع أسعار الإيجارات بنسب مرتفعة إيصال صوتهم إلى مجلس الشورى عن طريق رفع المطالبات إلى اللجان المختصة في المجلس أو إلى رئيس المجلس.

وأقر الزامل بغياب التنظيمات الكافية وبوجود عامل الطمع والاستغلال لدى تجار العقار الذين استغلوا زيادة الطلب على العرض ليرفعوا الإيجارات بشكل لا يراعي دخل المواطنين. وأضاف أنّ الأمور «بلغت حدّ الأزمة، وفي الأزمات يجب أن تتدخّل الدولة فلا توجد حرية للأبد، ولا توجد حرّية بلا حدود».

وقال إنّ موضوع السكن مختلف عن أي موضوع آخر، لأنّ سكن المواطن كحياة المواطن وكخبزه، وليس لديه خيار آخر أو بدائل أخرى. واستنكر الزامل عدم مراعاة تجار العقار للظرف الاقتصادي الذي يمرّ به الوطن والمواطنون قائلاً «من الغريب أنّ ترفع الإيجارات والناس مرهقون من خسائر الأسهم وفي ظلّ ارتفاع الأسعار والأزمة العالمية!». وكان عدد من المواطنين التقتهم «الشرق الأوسط» قالوا إنهم تلقوا إنذارات من مالكي الشقق السكنية بدفع زيادات تصل إلى 30 في المائة أو الإخلاء، في حين تشير دراسات محلية إلى أن النسبة الأعلى من السعوديين لا يملكون عقارات سكنية، ويعيش القسم الأكبر من الشباب في وحدات سكنية مؤجرة.

ويقول (علي الأربش)، إنه لم يكن لديه خيار آخر سوى أن يدفع ما يطلبه صاحب العقار الذي رفع الإيجار من 14 إلى 20 ألف ريال دفعة واحدة، متسائلاً (أين سأذهب بأسرتي المكونة من تسعة أشخاص). في حين أكدت سيدة مطلقة أن رفع إيجار المسكن الذي تقيم فيه مع أطفالها مثّل معاناة لها وللفئات المحتاجة وذوي الدخل المحدود، وكانت دراسة كشفت أن الشرائح المحتاجة والأقل دخلا بحاجة إلى أكثر من 800 ألف مسكن، وأن أكثر من 60 في المائة من المساكن التي تقيم فيها بحاجة إلى تحسين أو استبدال.

وطالب المواطن (محمد السعد) وزارة الشؤون البلدية والقروية بالقيام بدور أكبر في توزيع الأراضي على المواطنين وعدم تأخّير المنح من أجل تمكين العدد الأكبر من الشباب من بناء بيوت لهم.

ويؤكّد خالد الزاير، مدير مؤسسة ملتقى الرواد للخدمات العقارية بالدمام، أن إيجار العقارات ارتفع خلال السنة الماضية بنسبة تتراوح ما بين 30 إلى 40 في المائة في المنطقة الشرقية وبما يقارب 50 في المائة في بعض مناطق الرياض، كما أن أسعار الأراضي ارتفعت بنسبة تزيد على 70 في المائة في مدينة الرياض. وأرجع العقاري حجي الحسين السبب في ارتفاع أسعار الوحدات السكنية إلى قلة توفّر المباني السكنية وغلاء الأراضي وارتفاع أسعار مواد البناء، مضيفاً (لو كانت الشقق متوفّرة لكان الخيار عائداً إلى المستأجر وليس لصاحب العقار)، ويضيف (كلّ شيء ارتفع سعره فلماذا لا يرتفع سعر السكن؟).

وقال طارق عبد المعطي، مدير الاستثمار في مجموعة النهدي للاستثمار العقاري، إنّ السبب في الأزمة الحالية هو توجّه المستثمرين إلى الأسهم خلال السنوات الثلاث الماضية وإهمال سوق العقار ما أدى إلى ركوده وارتفاع معدّل الطلب على العرض.

ويطالب عدد من الحقوقيين بسن تشريعات تنظم العلاقة بين المستأجرين وأصحاب العقارات واصفين أوضاع الإيجارات الحالية بأنها تسير بشكل فوضوي دون وجود أي ضوابط أو قوانين تنظمه. ويقول القانوني الدكتور صادق الجبران، إنّ تنظيم الإيجارات من الناحية القانونية هو أفضل حلّ لهذه الأزمة، لأنّ السبب في الأزمة هو غياب قانون يضبط نسبة الزيادة المتاحة، كما هو الحال في بعض الدول المجاورة التي تحدد فيها نسبة الزيادة بنسبة 5 في المائة من قيمة الإيجار السابق على أن لا تزيد نسبة الزيادة عن 10 في المائة خلال ثلاث سنوات، وأضاف أنّ موضوع سنّ القانون نوقش لمرّات عديدة في مجلس الشورى، لكنّ قاعدة أنّ (الناس مسلطون على أموالهم) تقف حائلاً من دون سنّ قانون ينظّم الإيجار. وأكد أنّ الأزمة لن تحل ولن تمنع من الحدوث مستقبلاً سوى بوجود قانون كهذا.

في حين طالب المحامي القانوني، بدر البصيص، الحكومة بالتّدخل لسن قانون يضع نسبة معينة لارتفاع سعر الإيجار، مؤكداً أن أسعار العقار تقفز بشكل مفاجئ وبنسب عالية تفوق قدرة المواطن في ظل قيام المملكة بالعديد من المشاريع الإنمائية.

وأضاف البصيص أنّ الدولة وضعت قوانين لتنظيم إيجار الفنادق والشقق المفروشة بحيث لا تزيد أسعارها عن حدّ معين مع العلم أنّ المستفيدين من الفنادق والشقق المفروشة هم فئة بسيطة من الشعب. وطالب البصيص بتحديد الإيجار بحسب المنطقة والمدينة والحي والشارع، ونفى أن يكون سن هذا التنظيم لعلاقة المستأجر بصاحب العقار أمراً عسيراً، معتبراً أنّ تحديد سعر إيجار العقار السكني أسهل من تحديد سعر العقار التجاري.