رئيس هيئة المساحة الجيولوجية: زلزال يوم الخميس قد يؤثر على البيوت القديمة والآيلة إلى السقوط

د. زهير نواب قال لـ «الشرق الأوسط» إنه لو انهارت بحيرة الصرف الصحي في جدة ستصل مياهها إلى الخط السريع

إحدى الحرات الواقعة في منطقة المدينة المنورة (خاص بـ «الشرق الأوسط»)
TT

عاد موضوع الزلازل إلى الواجهة في السعودية، كثير مما يقال ناتج عن قلق، وردود أفعال، وقليل ما يتم التحدث حول هذه الأحداث الطبيعية من وجهة نظر الخبراء المختصين. «الشرق الأوسط» حاورت رئيس هيئة المساحة الجيولوجية في السعودية الدكتور زهير نواب، وخرجت معه بهذا اللقاء المطول، والشامل، فإلى نص الحوار:

* كثر الحديث عن ما يحدث في منطقة العيص، وقرب الزلازل والبراكين، فما هو تعليقكم؟

ـ أولا نشكر «الشرق الأوسط» لاهتمامها ومتابعتها مستجدات الأحداث والحصول على الأخبار من مواقعها الأصلية ومراكزها، فنحن لدينا في هيئة المساحة الجيولوجية السعودية المركز الوطني للزلازل والبراكين، ونستطيع رصد الزلازل في أي موقع، ليس في السعودية فقط، بل على مستوى العالم أيضا، ونستطيع أن نحدد الموقع ونحدد مركز الزلزال وخطورته.

وأيضا نحن على صلة بعدد من الجهات الأخرى الصديقة لتبادل المعلومات، والمركز يعمل 24 ساعة في اليوم وعلى مدى سبعة أيام في الأسبوع، وبما أن هيئة المساحة الجيولوجية هي الجهة الاستشارية الأولى للدولة في كل ما يتعلق بعلوم الأرض فإننا نحن بعد تسجيل الأحداث الزلزالية من الناحية العلمية، وبعد أن يتم تسجيلها وتوقيعها في مناطقها ودراستها وتحليل بياناتها، لا ننشرها ولا نعلنها بصفة عامة للناس لأنها ليست ذات أهمية تذكر، ولكنها مفيدة من الناحية العلمية.

وتحاليل الهزات المحسوسة فقط هي التي نبلغ بها مركز القيادة والسيطرة في الدفاع المدني في الرياض، والمركز يتولى تبليغ الجهات ذات العلاقة التي تخصها في مناطق الحدث، ويتزامن هذا أيضا مع المواطنين في بعض المناطق التي يشعرون فيها بهزة أحيانا ويتصلون بالدفاع المدني ويستفسرون، وأحيانا يتصلون بالصحافة، وينتقل الخبر ويتطور بسرعة وينتشر أيضا في الصحف الإلكترونية والإنترنت، وهي عملية تسبب شيئا من الذعر بين المواطنين والناس لأن تناقلها بين الصحف الإلكترونية غير مسيطر عليه وغير محكوم بحقائق، وأحيانا تدخل فيه بعض الشائعات وتهويل الأمور.

ونذكر شائعة الزئبق الأحمر وكيف تداولها الناس في الصحف الإلكترونية والصحف المقروءة، وانجرف وراءها الناس، البعض كسب منها والبعض خسر الكثير. وأرجو من المواطنين والمقيمين ألا تكون مصادر الأخبار الصحف الإلكترونية نفسها والإنترنت لأن مصداقية الكلام لا تكون مائة في المائة، عليهم أن يأخذوها من الدفاع المدني والمساحة الجيولوجية، ومن علماء لهم دراية وعلم بهذه الأشياء.

* لكن ما هي حقيقة ما يحدث في العيص؟ وما هو التفسير العلمي؟

ـ بالنسبة لنا في هيئة المساحة الجيولوجية والجامعات السعودية، على اعتبار أن لدينا دراسات جيوفيزيائية وبعض محطات الرصد، نعتبر هذه الأمور طبيعية وليست جديدة في الجزيرة العربية، فهي أحداث تتكرر بصفة مستمرة منذ أن حدث الصدع الكبير في البحر الأحمر قبل 30 مليون سنة، وحدث مثلا في 1995 زلزال في خليج العقبة على درجة 7.2 على مقياس ريختر ولم يسبب مثل هذا الإزعاج الذي ذعر به الناس الآن، ولكن ذلك الزلزال شعروا به في تبوك وحقل والمدينة المنورة، وكان زلزالا كبيرا قوته 7.2، ولكن دون وفيات أو ذعر وانزعاج.

* لكن الدفاع المدني أصدر تعليمات وتنبيهات عاجلة، وكأنها تشير إلى أن وقوع بركان أو زلزال في العيص بات أمرا مؤكدا.

ـ لا يوجد أي مخلوق على وجه الأرض الآن يستطيع أن يؤكد وقوع زلزال في موقع ما ووقت ما ولا يستطيع أن ينفي وقوع زلزال، فهذه الأمور غير قطعية إطلاقا، ولذلك يقال: يحتمل، والاحتمال معناه أنه من الممكن أن يحصل ومن الممكن عدم حصوله، وسأعطيك مثالا بسيطا جدا، فالإنسان عندما يركب طائرة فإن قائد الطائرة عند الإقلاع يعطيك مجموعة من التعليمات والتحذيرات، لكن هذا لا يعني أن الطائرة ستقع، ويقال: سترة النجاة موجودة تحت الكرسي في المنطقة الفلانية، والمضيف يشرح لك كيفية وضع السترة.

* اسمح لي، هناك فرق كبير بين الأمرين، وفي موضوع العيص الأمر يرتبط بحالة طارئة.

ـ لا، هو نفس الأمر، فالطائرة مرتبطة بأحداث معينة قد تحدث فجأة. الكرة الأرضية كرة ديناميكية ومتحركة دائما، ليست جامدة، ومنذ أن خلق الله الكرة الأرضية وهي ديناميكية، وتوجد مناطق معروفة لنا كجيولوجيين حول الكرة الأرضية اسمها حلقة النار، وهي عبارة عن قوس كبيرة جدا تبدأ من جنوب شرق آسيا وتطلع إلى شمالها، بمعنى من إندونيسيا والفلبين واليابان وتتجه إلى الشمال ثم تنزل مرة أخرى على غرب أميركا وكاليفورنيا وأميركا الجنوبية، وهذه المنطقة اسمها حلقة النار، وهي كثيرة البراكين والزلازل، والبراكين كثيرة الهزات بشكل مستمر في اليابان حتى إنها تعتبر جزءا من حياتهم، وهم متعايشون معها.

ونحن لسنا في أي حلقة من هذه الحلقات، ولكن لا نزال في نطاق معرض للهزات الأرضية لأن الجزيرة العربية تنفصل عن قارة أفريقيا بالبحر الأحمر، وتتحرك إلى الشمال الشرقي، والحركة هذه فيها نوع من الهزات ونوع من الذبذبات ونوع من الثورانات، ولكنها لا تقارن بما هو موجود.

وفي تصنيف علم الزلازل هناك خمسة مستويات يجب أن يعرفها الناس، الأول درجة واحدة على مقياس ريختر، وتسمى بالزلازل متناهية الصغر، وهي زلازل لا يشعر بها الناس من 1 إلى 3، وتصنف أنها زلازل صغيرة، ومعظم الحشود الزلزالية التي نقرأ عنها، الغالبية العظمى منها أو 99.9 كلها من الصغيرة والمتناهية الصغر ولا تخيف.

المستوى الثاني من 3 إلى 5، وتعتبر زلازل ضعيفة، والزلزال الذي بدرجة 3.7 يصنف من الضعيفة، ولم يتكرر إلا مرة واحدة في منطقة العيص، حدث ولم يتكرر بعد ذلك، وكل الزلازل التي حدثت إما 3 أو اقل.

والمستوى الثالث من 5 إلى 7، وهذه زلازل متوسطة القوة، ومن 7 وما فوق تعتبر زلازل قوية، وهذه حدثت مرة واحدة في خليج العقبة عام 1995، وكانت قوته 7.2، وهو الحد الأدنى من الزلازل القوية، ولم يحدث بعده أي ثوران بركاني أو أي زلازل ارتدادية، وعلى الناس أن تطمئن أننا في منطقة ضعيفة الزلازل وليست قوية، ولسنا في نطاق حلقة النار ومناطق الكوارث.

* لكن ما هو آخر زلزال حدث وكم كانت درجته؟

ـ كان أول من أمس (الخميس)، حيث بلغت درجته 4.16 بمقياس ريختر، وهي أعلى درجة، لكن صاحبها تردد أقل للزلازل، في حين تبين أن الصهارة تبعد عن سطح الأرض 8 كيلومترات. وتمت دعوة الدفاع المدني وعدة جهات لاجتماع وخرجنا بتوجيه ينص على أن هذا الزلزال قد يؤثر على المباني القديمة أو الآيلة إلى السقوط فقط، وتقرر أن الدفاع المدني يتصل بالناس الذين يسكنون هذه المباني ويعرض عليهم مراكز الإيواء إذا أرادوا. والآن نحن في مرحلة رسم النطاقات، الأحمر والبرتقالي والأخضر والأصفر، الذي يحدد أماكن شدة الخطورة على الخرائط لنعطيها للدفاع المدني.

* لكنك الأسبوع قبل الماضي ألقيت كلمة في المدينة المنورة ودعوت أهاليها إلى تعلم ثقافة الكوارث وكيفية التعامل معها، كل هذا وتعتقد أن عليهم ألا يشعروا بالذعر؟

ـ لا بد أن نتعلم ونتثقف لأننا موجودون على هذا الجزء من الكرة الأرضية القابل للحركات، نعرف أن لدينا بركانا تاريخيا جنوب المدينة المنورة بـ21 كيلومترا حدث في عام 654هـ بعد عصر النبوة والخلفاء الراشدين في عهد العباسيين، حيث ثار هذا البركان وشعروا به في المدينة واهتزت الأرض وزلزلت زلزلة عظيمة، تحركت الحيطان والأبواب، وبعد 3 أيام من الهزات ثارت نار عظيمة في هذا البركان وكان يشاهدها أهل المدينة المنورة كما لو كانت عندهم في المدينة من شدتها. واستمر هذا البركان 15 يوما وقذف بالحمم وكانت الحمم تسيل، حيث يقول ابن كثير عن قاضي المدينة المنورة: «إن الحمم كانت تسيل في الوديان وتأكل الصخر من شدتها وحرارتها، وإنها كانت حمراء، وعندما تبرد تتحول إلى سوداء، وهذه هي الحرات، فتحركت هذه النيران باتجاه المدينة حتى وصلت إلى شرق المدينة على بعد 11 كيلومترا، ثم أراد الله لها أن تتحول شرقا فشرقا، وتبتعد عن المدينة».

وهذا حصل قبل نحو 800 سنة، ولم يحدث شيء بعده، لكن لا يستطيع أحد التأكيد أنه لن يحصل شيء إطلاقا، لذلك يجب أن نتعايش مع الجزيرة العربية كما يتعايش اليابانيون مع اليابان التي كل يوم يحصل فيها زلازل وبراكين. وأذكر قصة حدثت معي قبل سنتين أو أقل، كنت في مدينة شيمو بارا في اليابان في مؤتمر اسمه «مدن فوق البراكين»، ورأيت هذه المدينة قبل 12 سنة وقد ثار فيها بركان، ونصف المدينة زالت من جهة الطفح البركاني على الجبل وانهارت المدينة وأزيلت البيوت ونزلت إلى البحر، وقبل سنتين وجدت المدينة بنيت من جديد بطرقها وشوارعها، حيث إن المناطق الزراعية قد زرعت والجسور تم تركيبها من جديد. سألتهم كيف تتقبلون ذلك، قالوا البركان يمكن أن يثور في أي وقت، لكن هذه أرضنا وبلدنا، أين نذهب؟

* هل هناك أي مواقع تعتقدون، أو تشكون، أنه من الممكن أن يكون فيها أي نشاط زلزالي أو بركاني في السعودية مستقبلا؟

ـ هي الحرات الموجودة في السعودية ومساحتها 180 ألف كيلومتر مربع، وفي هذه الحرات أعداد كبيرة من فوهات براكين تاريخية قديمة أقربها ما حدث قبل 800 سنة، والباقي أبعد وأبعد، لكن الصهارة في باطن الأرض دائما في حركة دؤوبة تبحث عن أماكن الضعف في القشرة الأرضية، والشقوق أو الصدوع، وتبحث عن مخرج لها، ولكن لا نستبعد الأحداث الكونية التي تسير بأمر الله والتي قد تكون عذابا أو عظة وتذكيرا وتخويفا، وقد تكون عبرة، ولا أحد يعرف بالضبط من أي جزء قد يخرج بركان أو قد يحدث زلزال، ولكن هو دائما يحدث في أماكن ضعيفة في القشرة الأرضية. نحن وغيرنا من الجهات العلمية في العالم عندنا أجهزة ومعدات نتابع بها حركة الصهارة داخل الأرض، وإذا كانت الصهارة في داخل الأرض موجودة على أعماق من 5 إلى 10 كيلومترا لا ننزعج، ولكن ندق ناقوس الخطر فيما رصدنا أن الصهارة ارتفع مستواها وأصبحت على عمق كيلومتر أو كيلو ونصف، وفي حركات متكررة ومتتابعة هذا يعطينا شيئا من الإنذار المبكر، وفي تلك الساعة نقول: يا جماعة، خذوا الحيطة والحذر.

* هل سبق أن حدث ذلك ورصدتم قرب الصهارة في هذه المسافة القريبة من سطح الأرض؟

ـ أبدا، لم نرصد على بعد 2 أو 3 كيلومترات، ولكن لو رصدنا سنخبر الدفاع المدني المجهز بكافة المعدات.

* البعض يشكك فيما تقولون ويرى أنكم تخفون معلومات مهمة حتى لا تتسببوا في ذعر الناس وإخافتهم؟

ـ نحن جهة علمية مائة في المائة، ولنا مصداقيتنا، وعندما نقول للناس لا تنزعجوا فهو مؤشر حقيقي لعدم وجود خطورة تتطلب أن نعطي إنذارا مبكرا أو تحذيرا، فإذا عرفنا معلومات وأخفيناها سنكون مخطئين، ولا يصح ذلك لأن هذه فيها ممتلكات وبشر ولا يمكن أن نسكت على شيء فيه ضرر على المواطنين وممتلكاتهم، لكن ليس لدينا مؤشرات حقيقة أو أكيدة لحدوث مشكلة، كل الذي نراه نعتبره بالنسبة لنا كمتخصصين وعلميين في الحدود الطبيعية والمقبولة، لكن لو حصل ووصل إلى مرحلة تحتاج إنذارا مبكرا لن نتأخر لحظة عن قول الحقيقة.

* بالحديث عن الأملاك والبشر في منطقة المدينة وغيرها، يلحظ انتشار العمران والبناء في مناطق كثيرة، وأولها منطقة العيص التي تشهد الأحداث الآن. هل يتم التنسيق معكم قبل البناء أو أخذ تصريح منكم بحكم أنها مناطق حشود زلزالية؟

ـ ليس دورنا أن نسمح أو لا، نحن نوصي باستخدام المعايير الخاصة بالبناء في الزلازل، وهذه المعاير موجودة في السعودية ووزارة الشؤون البلدية والقروية، توصلت إليها ووزعتها، والمهم الآن هو التطبيق والمراقبة على الناس، فالناس تتساهل وتأخذ الأقل كلفة والأرخص، ولا يهتمون بمعايير البناء. وأعطيك مثالا لذلك، حدث قبل 15 سنة زلزال من الزلازل المتوسطة في ذمار، وهي قرية في الجبال في اليمن، وجاء الزلزال في الليل والناس نيام والبيوت مبنية من الحجر والطين وسقطت على الناس في المنازل، ومات 3 آلاف شخص تقريبا، بينما يحدث زلزال في اليابان وكاليفورنيا مقياسه 7 درجات وأكثر، وضحاياه من 3 إلى 7 أشخاص، رغم أن فيها ناطحات سحاب. وأنا أتذكر أنني كنت في تشيلي قبل 8 سنوات ومعي زميلي صالح الطيب ونزلنا في فندق الهوليدي، في الدور 21 أو 27، ووصلنا في النهار، وفي الليل تحركت البناية فجأة فخفنا، ولم يكن هناك وقت للهروب.

عندما هدأت الأوضاع نزلنا نسأل الفندق فأجابونا بأنه أمر عادي، كان الزلزال 5 درجات تقريبا، لذلك فهم يفهمون ثقافة الزلازل وأنفقوا واستثمروا في البناء ومعايير البناء بحيث لديهم مبانٍ ضخمة وعملاقة، وليس لديهم مشكلة في الزلازل عندما تأتي بدرجة متوسطة أو ضعيفة، وتمر وكأن شيئا لم يكن.

* كيف ترى عمليات البناء في السعودية؟ ـ الأمانات والبلديات يجب أن تلزم الناس بتطبيق معايير البناء وتراقبها.

* تحدثت في وقت سابق عن وجود دراسة للاستفادة من الزلازل والبراكين في إنتاج الكهرباء، هل يفسر هذا توقعات بوقوع زلازل أو براكين يجب الاستفادة منها؟

ـ لا، دراسة الاستفادة من الطاقة في باطن الأرض، وتسمى الجيوسيرمل، ليس لها علاقة بأن يكون هناك نشاط زلزالي أو بركاني، ولكن فقط أي نشاط حراري في باطن الأرض، ونحن عندنا مناطق الحرات تقع في منطقة حرارة في باطن الأرض مرتفعة، لكن الاستفادة من ذلك ليس له علاقة بأن يكون هناك زلزال أو بركان، بل بأن يتم عمل حفر آبار عميقة إلى نحو 1000 متر أو 500 متر حسب النطاق الحراري، وتأخذ الحرارة الموجودة في الأعماق وتحولها إلى طاقة، ونحن الآن في هيئة المساحة الجيولوجية بناء على ندوة ستعرض في المدينة المنورة بطلب من أمير المنطقة، سوف نقدم ورقة عن إمكانية الاستفادة من الطاقة الحرارية الموجودة في باطن الأرض، لكن أؤكد مرة أخرى أن ليس لها علاقة بنشاط زلزالي أو بركاني.

* وأين يمكن أن يتم تطبيق ذلك في السعودية؟

ـ في مناطق الحرات.

* هل شرعتم في ذلك؟

ـ لا، ما زالت الفكرة تحتاج إلى برنامج عمل تفصيلي، ويحتاج تقدير ميزانية لثلاث أو أربع سنوات، لأننا نريد إنشاء محطة كهربائية تقوم بتحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة كهربائية، وذلك يحتاج إلى اعتمادات.

* ماذا ستتناول في ندوة المدينة المنورة؟

ـ ستكون عن الاستفادة من الطاقة، وستتحدث عن الطاقة الحرارية الجوفية.

* هل لذلك علاقة بأحداث العيص الزلزالية الأخيرة؟

ـ لا، أبدا، الأمر سابق لذلك، وبالتنسيق مع إمارة المدينة المنورة، وباهتمام من الأمير عبد العزيز بن ماجد، وهو مهتم ونشيط في هذا الموضوع منذ مدة، وليس لذلك علاقة بالعيص، فالتنسيق لها جاء من قبل 3 أو 4 شهور.

* قبل أن نغلق ملف الزلازل، هل هناك أمر يستحق الإضافة؟

ـ فقط أرجو من المواطنين عدم الانزعاج وتناقل أخبار غير صحيحة، ونطمئنهم أن الوضع طبيعي ولا توجد أي تحذيرات أو أي إنذار بوقوع أي زلزال أو بركان.

* قلتم مؤخرا إن صحراء الربع الخالي تعتبر كتابا مغلقا لنا لأن الجميع أحجم عن عمل دراسات لها، هل لك أن توضح أسباب هذا الإحجام؟

ـ لم يكن هناك سبب معين، فالناس لا يعلمون ما هو الربع الخالي، وبداية العمل الجيولوجي في السعودية يعتبر بالنسبة لغيره من الدول جديدا وليس قديما، ومن أولويات العمل الجيولوجي العمل في المناطق الأسهل والأقرب والأكثر وضوحا، فعندما تنظر إلى جيولوجية السعودية وتنظر إلى الصخور والجبال تجدها كلها معراة ومكشوفة، وتشاهد فيها التراكيب الجيولوجية المختلفة والألوان المختلفة كما وردت في القران الكريم، فكان أسهل لنا أن نبدأ فيها، وننشئ القواعد المعلوماتية الجيولوجية في تفاصيل أكثر دقة.

أما بالنسبة للربع الخالي فإنه غطاء كبير من الرمال يغطي تحته صخورا، ولكن يمتد لمئات الآلاف من الكيلومترات المربعة، يعني مساحة الربع الخالي أكثر من 500 ألف كيلومتر مربع، أكثر من ربع السعودية، لذلك فإن بداية العمل الجيولوجي فيه ستكون متأخرة عن باقي أجزاء المملكة، وهذا لا يعني أنه لم يطرق أحد الربع الخالي.

فـ«أرامكوا» مثلا اشتغلت في الربع الخالي، ولها نصيب السبق في هذا الموضوع في أبحاثها عن البترول والغاز، وحفرت هناك آبارا للمياه أو للبترول والنفط أيضا، ووزارة المياه والكهرباء الآن لها آبار للمياه.

لكن الدراسة الجيولوجية المنظمة وبرامج ومشاريع في الربع الخالي ما كانت بصفة مستمرة، وكانت الرحلة الاستطلاعية التي نفذتها هيئة المساحة الجيولوجية تعتبر أكبر رحلة علمية استطلاعية استكشافية، ولم تكن رحلة جيولوجية لعمل مشروع دراسي لأن الرحلة كلها كانت أقل من أسبوعين، ونقطع فيها نحو 3000 كيلومتر طولي، ولم يكن يسمح لأحد بدراسة وفحص أي مواقع أكثر من اللازم لأن المجموعة كلها يجب أن تتحرك كمجموعة.

* كنت ترأس فريق تلك الرحلة قبل تولي منصبك الحالي، فما هو الانطباع العام عن تلك الرحلة؟

ـ الانطباع العام كمثل الذي لديه شقة من أربع غرف، يسكن ثلاثا والرابعة مغلقة، ولا يعلم ما هو موجود فيها، وهو الربع الخالي، أو هو كتاب غير مقروء، لكن أظن الموضوع نشط الجهات العلمية، والآن سيكون هناك ورشة عمل في جامعة الملك سعود في الرياض اسمها «مستقبل المياه في الربع الخالي» برعاية الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز الرئيس الفخري للجمعية السعودية لعلوم الأرض وجامعة الملك سعود، لاستكشاف الموارد المائية للربع الخالي. وسوف تكون هذه الندوة نواة للعمل، يحاضر فيها الدكتور عبد الله العمري من جامعة الملك سعود والدكتور عبد الله السلطان من أميركا، والدكتور فاروق الباز، والدعوة عامة لمن يرغب في الحضور.

أيضا نحن في هيئة المساحة الجيولوجية نعمل على إنشاء إدارة اسمها إدارة الدراسات الصحراوية، لأن 66 في المائة من مساحة السعودية هو عبارة عن صحارى ولا بد من وضع الخطوة الأولى لدراسة الصحارى، ونحن الآن في مرحلة العمل، وفي ميزانيتنا للسنة القادمة سنطرحه على وزارة التخطيط والاقتصاد وعلى وزارة المالية، ونحصل على دعمهم حتى يكون مشروعا موافقا عليه وتخصص له ميزانية للصرف عليه لأعمال الصحراء.

* سبق أن قلتم إن المخزون المائي في السعودية كبير، لكن جزءا كبيرا منه يصعب استخراجه لاعتبارات جيولوجية. فكيف يمكن العمل على استخراجه والاستفادة منه لحل مشكلة شح المياه في بعض المدن؟

ـ هذا كلام صحيح، لدينا مخزون مائي كبير، جزء منه من 30 سنة تم استغلاله في الزراعة، وارتأت الدولة المحافظة عليه وخففت عمليات الزراعة الضخمة، حتى هذا المخزون غير متجدد، يعني لنا ولأولادنا وأحفادنا، ويجب التعامل معه بكل أريحية وحضارة. أما من الناحية العلمية فالماء موجود في كل شيء، قال تعالى: «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، والصخر الجامد تمسكه تكسره تجده في تركيبه شيئا من الماء. الإسفنجة عندما تعبئها ماء وتعصرها تعتقد أنك استخرجت منها جميع قطرات الماء، والحقيقة لا، لذلك يوجد ماء موجود في الصخر والرسوبيات ولا تستطيع إخراجه بالطرق العادية التقنية الموجودة. قد يسهل على العلماء في المستقبل ويستطيعون أن يقوموا بعمليات تمكن من استخراجه حتى آخر نقطة من الماء، وهذا في علم الغيب، ولكن أيضا هذا الماء يصنف إلى أنواع، وإخواننا في وزارة المياه أقدر مني على شرح هذا الموضوع، ولكن هناك ماء صالح للشرب وماء غير صالح للشرب.

وهناك ماء موجود في بعض مناطق السعودية درجة ملوحته عالية جدا، تصل إلى 4 آلاف جزء ملوحة، وأكثر من ذلك، أحيانا يطلع لونه أبيض مثل الحليب، ولا يمكن الاستفادة منه أو استخلاصه والتعامل معه بحسب التقنيات الموجودة، ومن هنا فإن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومعهد البحوث، قالوا في يوم من الأيام إن موجودات المياه في السعودية تقارب ما هو موجود في نهر النيل، لكن الناس أخذت التصريح بسطحية دون تعمق في تفاصيله.

* يتردد أنكم في هيئة المساحة الجيولوجية أصدرتم تقريرا يتحدث عن خطورة بحيرة الصرف الصحي شرق جدة وإمكانية انهيارها.

ـ البحيرة موضوع قديم نشأ لحاجة المدينة في ظل غياب شبكة صرف صحي متكاملة، وكان لا بد من وجود موقع للنزح، وفي حينه كان النطاق العمراني غير ممتد إلى شرق جدة، وتم اختيار الموقع.

وعندما زاد صرف المياه في تلك المنطقة أصبحوا يبنون حواجز ترابية من أجل حجز المياه من أن تسيل في الوادي تجاه جدة، وطلبوا من هيئة المساحة الجيولوجية إقامة دراسة، وقامت الهيئة بالدراسة وكانت أن هذا الموقع يفيض تجاه جدة ويستحسن إقامة سد احترازي، وأنه لا يتم إلقاء الصرف الصحي فيه حتى لا يتفاقم. ولكن لم يكن هناك بديل لدى الأمانة، فالمشكلة ليست مشكلة الأمانة، بل هي مشكلة الصرف الصحي، وتم إقحام الأمانة في الموضوع.

المهم، تضاعفت الكميات وصارت تشكل خطورة، وعلمت الجهات المسؤولة في الدولة وقرروا أن تحل هذه القضية، وكان مع المشكلة انتشار حمى الضنك واستمرار العمران لديها، وظهرت التسربات من تحت السدود، والآن نحن ليس لنا علاقة بعد الدراسة.

* ما هو فحوى الدراسة التي سلمتموها للجهات المختصة؟

ـ توصية بعدم إلقاء مزيد من الصرف لأنه وصلت المياه إلى مستوى عالٍ وأصبحت تشكل خطرا، سواء بأنها تتسرب من تحت الأرض أو تنهار.

* في حالة الانهيار، أين تصل المياه؟ ـ تصل إلى الخط السريع، ولكن من فترة قريبة لم يعد هناك إلقاء للفضلات في البحيرة، والمنسوب هبط، وبدأت الأمانة في إيجاد مشاريع، فلديهم مشروع للغابة الشرقية وتحويل الموقع من موقع سيئ إلى ترفيهي. وأنتهز هذه الفرصة لأوضح إمكانية صرف المياه المعالجة الثلاثية إلى ما هو أبعد من الموقع الحالي إلى شرق جدة، حيث وادي أو حوض عسفان الذي كان في يوم من الأيام مليئا بالمياه، والآن أصبح جافا، وهذا الحوض لو صرفنا فيه المياه المعالجة الثلاثية فسنعيد شحن هذا الوادي بالمياه الصالحة التي تفيد الزراعة وتفيد وادي عسفان بوادٍ مليء بالمياه.