خبير لـ«الشرق الأوسط»: زلازل العيص بركانية المنشأ.. والحذر من «الارتدادية»

العيون الساخنة شرق جازان وشمال اليمن والمناطق المحاذية لخليج العقبة.. الأكثر عرضة للزلازل

مركز العيص وقد خلت من السكان
TT

أوصى خبير متخصص في الزلازل سكان شمال السعودية والجهات المعنية فيها بالتأكد من اعتماد مواصفات البناء الهندسية الموجودة في كود البناء السعودي في منازلهم، واتخاذ الحيطة والجاهزية لأي نشاط ناجم عن تحريض الأرض جراء النشاط البركاني الآخير للمناطق الملاصقة لخليج العقبة.

وقال الدكتور عبد الله العمري، رئيس فريق البحث بمركز الزلازل في حرة المنير المبتعث من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الذي أمضى ما يقارب ستة أشهر في الحرة وتبقى أمامه ما يقارب العام والنصف لإنهاء مهمته هناك، إن أكثر المناطق والبؤر الساخنة على طول البحر الأحمر المؤهلة لحدوث نشاط زلزالي أو بركاني جراء التحولات الجيوغرافية الأخيرة، هي منطقة جنوب غربي المملكة وتحديداً منطقة العيون الساخنة شرق جازان، ومناطق شمال اليمن، التي سبق أن تعرضت لنشاطات بركانية العام الماضي، إلا أنه توقع أن يكون نشاط أي زلازل قد تقع في هذه المنطقة أقل مما هو حاصل في منطقة العيص ويقل الخطر بالنسبة للنشاطات البركانية كلما ارتفعنا شمالاً على ساحل البحر الأحمر.

وأشار العمري إلى أن منطقة خليج العقبة شمال البحر الأحمر وعلى المنطقة الحدودية بين السعودية والأردن هي منطقة زلازل، وإن كانت غير مصحوبة بأي نشاطات بركانية، وهي المنطقة الأكثر نشاطاً بالنسبة للزلازل الناجمة عن حركة طبقات الأرض بتأثير حركة الاتساع في شمال البحر الأحمر مع حركة التصادم في جبال زاجروس، وقال العمري إن هذه المنطقة التي تمتد على اتساع 120 كيلومترا هي منطقة تحولية ومنطقة تصادم وبؤرة زلازل، والجانب الملاصق لها من المملكة هو الذي يشهد الزلازل أكثر من غيره.

وتوقع العمري أن تشهد هذه المنطقة نشاطاً إضافياً في الفترة القريبة المقبلة للنشاط الزلزالي، كونها أساساً تتعرض إلى دورة زلزالية بمقدار 5 درجات كل 10 سنوات وهو أمر موثق – بحسب العمري - منذ عام 1012م، أي منذ ما يقارب 2000عام.

وفي السياق نفسه، أوعز الأمير فهد بن سلطان بن عبد العزيز، أمير منطقة تبوك، بإقامة مراكز إيواء جديدة، شمال وجنوب محافظة أملج، تحوي خدمات بلدية وصحية، ومواد إعاشة للأسر المنتقلة من المحافظات، على خلفية الهزات الأرضية خلال الفترة القليلة الماضية.

وشدد أمير تبوك، خلال اجتماع جمعة برؤساء الأجهزة الأمنية في المنطقة، بضرورة تكثيف الاستعدادات والعمل في مراكز الإيواء الموجودة حالياً، وكذلك السرعة في إقامة مراكز جديدة لاستيعاب أكبر قدر من الأهالي، وقال أمير تبوك «لا بد أن نعمل بسرعة كبيرة، وتكون خططنا لأسوأ الاحتمالات لا سمح الله، ونعمل على إجراءات احترازية، لحماية الأهالي من أي أخطار قد تقع».

من جانب آخر قال العمري الذي كان تنبأ بحدوث الزلازل الحالية في منطقة العيص منذ ما يقارب العام، إن ليل الأربعاء الماضي شهد حدوث هزات في منطقة الحدث الحالي، العيص، مقياسها 5.7 على مدى كيلومترات بسيطة في منطقة حرة الشاقة التي تشهد النشاط البركاني والزلزالي حالياً. وأضاف أن المزعج هو أن معظم الهزات أصبحت قريبة من السطح إلى حد كبير بنسبة تتراوح بين 2 إلى 4 كيلومترات قرب السطح، وهو ما يخالف التوقعات بالنسبة لهذه الدورة الزلزالية التي تعد الثانية بعد أولى وقعت قبل عام واحد واستمرت لمدة شهر كامل وشهدت حدوث 500 زلزال لا تتجاوز قوته 2.5، وكان من المتوقع أن لا تتجاوز قوة زلازل المرحلة الحالية 5 درجات. إلا أنه عاد ليؤكد أن الوضع حالياً ليس خطيراً ولن يكون هناك ثوران بركاني كبير، نظراً لأن الحرة واقعة على قشرة قارية وليس قشرة محيطية بعكس ما حدث في جبل الطير في اليمن، فالقشرة القارية بعكس القشرة المحيطية التي فيها سوائل بالإضافة إلى الضغط الشديد والطاقة العالية بعكس القارية وهذا ما يجعل الثوران غير خطر.

وقال العمري إن أقصى ما يمكن أن يحدث حالياً هو ما يسمى بالطفوح البركانية وهي قصيرة بمعنى أن الصهارة البركانية تخرج عن طريق الشقوق وتبقى في منطقة الحدث ولا تتجاوز الكيلو والربع، فقط لأن تركيبة الصهارة بحسب تركيبها الكيميائي تمتاز بلزوجة عالية فتبقى قريباً من الفوهة.

وأضاف «رغم خروج غازات الكبريت التي تعد مؤشرا ما زلنا بعيدين عن ثوران كبير وحتى لو حصل سيكون لمدة يومين أوثلاثة على أقصى حد، لكن الزلازل ستستمر لفترة تزيد عن شهر لأن هذا النوع من الزلازل يتميز بهذه الخاصية»، وتوقع العمري أن تستمر الزلازل لفترة تتجاوز الشهر، لكن من دون أي أخطار من حدوث انصهار بركاني كبير».

وأرجع سبب استمرار الزلازل لفترة تتجاوز الشهر إلى أن الطاقة تحتاج إلى فترة تتراوح ما بين شهر إلى ثلاثة لتضمحل، وتبدأ بعدها الدورة الثالثة، على أن تستعيد الأرض طاقتها أولاً، من دون أن يحدد الفترة الزمنية التي سيتطلبها معاودة النشاط البركاني بالظهور بدقة، نظراً لأنه لا يوجد أي سجل متكامل عن الحرة ولا يمكن التنبؤ إلا بعد تحليل كافة البيانات وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتم إلا بعد أن تهدأ الدورة الزلزالية الحالية.

وقال العمري إن الدورة الثالثة قد لا تقع في فترة قريبة، لأن الطاقة أفرزت جزءا كبيرا جداً من مخزونها حالياً وقد تبدأ المرحلة الثالثة بعد فترة تتراوح بين 10 إلى 20 عاما وهو ما سنتمكن من قياسه بدقة بعد عام من الآن، وكثرة الزلازل الآن هو أمر أيجابي لأن الأرض بهذه الطريقة تفرز طاقتها المختزنة وترتاح لتبدأ بدورتها الطبيعية من جديد.

وفي السياق نفسه قال العمري إن دراسة خواص المصدر والعينات للـ500 زلزال السابقة التي وقعت في الدورة الأولى قبل عام من الآن هي التي كشفت عن أن الزلازل الحالية منشؤها نشاط بركاني وليس زلزاليا أو حركيا وتكتونيا ناتجا عن تصادم صفائح أرضية، وإنما بركاني من داخل الأرض.

وقال إن العوامل المحرضة للحرات البركانية التي تتسبب بإطلاق الصهارة البركانية ووقوع الزلازل هي أن منطقة الحدث مرتبطة بالبحر الأحمر وهو عبارة عن منطقة شد وقشرة محيطية أسفلها منطقة الوشاح والمنطقة العلوية منها هي مصدر الصهارة التي تغذي الحرات عن طريق قنوات تنبع من البحر وتصب في الحرات، فخاصية البحر الأحمر هي البقع الساخنة وهي المسؤولة عن بركان جبل الطير في جنوب فرسان.

وأضاف «سنوياً يحدث انفتاح في البحر الأحمر منذ ما يقارب 5 ملايين سنة وشد باتجاه الشمال الشرقي والجنوب الغربي بمعدل 14 ملم سنوياً ويتجدد وبالتالي يحدث تجدد لقاع البحر وعليه فإن معدل انسياب الحرارة يتدفق من الشمال إلى الجنوب ولهذا فإن النشاطات الزلزالية تتركز في الجنوب أكثر من الشمال».